عادل العوفي: رحل “حسن سامي يوسف” قلم المهمشين ،ومهندس الروائع التلفزيونية.
عادل العوفي★
يبدو الجدار الأزرق كئيباً مهجوراً هذه الأيام ؛ وبالذات منذ إعلان رحيل الكاتب حسن سامي يوسف، مهندس الروائع التلفزيونية والأدبية التي لا تنسى ؛ المهتم بمنشورات الرجل وما ينشره على صفحته على فيسبوك سيدرك ملياً حجم الفراغ والهوة الساحقة، التي خلفها هذا الغياب الموجع .
قد يعتبر البعض هذه الإشارة “تقزيماً” لمسار كاتب فَذّ قدَّم لنا عشرات الأعمال الإبداعية ؛ ومن المجحف اختصاره في مجموعة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ؛ لكن هذه العينة ليست سوى مدخل للمرور نحو باقي المحطات المميزة في حياة الفلسطيني ذي القلب النابض بحب الشام وعشقها .
صارت في الآونة الاخيرة صفحة حسن سامي يوسف، بمثابة المنفذ له، ولنا للاقتراب من يومياته، التي يحرص على توثيقها بأسلوبه الفريد راسماً وراصداً كل التفاصيل والحيثيات، التي يمتزج فيها الشخصي بالعام، والعادي بالاستثنائي، ويطرحه ببصمته الآسرة للوجدان والمتلقي .
وعبر نافذة الفيسبوك تعرفنا على ما يكابده مبدع مسلسل “نساء صغيرات ” من تغييب مستفز في الآونة الأخيرة حتم عليه الغياب القسري عن عشاقه {وما أكثرهم } في كل ربوع الوطن العربي ؛ إذ كيف يعقل لكاتب حققت أعماله نجاحات باهرة، واجتاحت الشاشات العربية بالطول والعرض، أن تُشيح شركات الإنتاج بوجهها عن قلمه المبدع ؟
نحن هنا نستثني حقبة الدراما السورية الذهبية، وذروة انتشارها، والتي كان لحسن سامي يوسف، فيها طبعاً نصيب وافر من المسلسلات المهمة على غرار ” أسرار المدينة ” و “أيامنا الحلوة ” مع شيخ الكار هشام شربتجي، وقبلهما “نساء صغيرات ” مع المخرج باسل الخطيب، و” قبل الغروب ” برفقة فهد ميري، ورائعة “الانتظار ” مع الليث حجو، وغيرها الكثير .
لكن نجاحات ابن قرية ” لوبية ” الفلسطينية، اِمتدت لسنوات الحرب، وحصار الدراما السورية، وهذا ما نعنيه في سؤالنا السابق؛ حيث اكتسح مسلسل ” الندم ” عن رواية “عتبة الألم ” القنوات ، وهو الذي أُنتج سنة 2016 ، وبعده جاء مسلسل “فوضى ” مع المخرج سمير حسين، في سنة 2017 ، وهي فترة عصيبة و قاسية على كل السوريين، ونجح حسن سامي يوسف، في توثيق تلك المحنة بطريقته الخاصة الرائعة ؛ فلماذا إذن أُجبر على الانزواء بعيداً؛ رغم ما حققته أعماله من أصداء جيدة في ظروف معقدة ؟
طبعاً لا يمكن اختصار مشوار الكاتب المكتنز بالمحطات المهمة، سواء سينمائياً رفقة رفيق دربه المخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد، وأيضاً مع شريكه في الكتابة نجيب نصير، واستحضار العديد من الأعمال الملحمية في تاريخ الدراما السورية، مثل “الغفران ” مع الراحل حاتم علي، و” زمن العار ” للمخرجة رشا شربتجي، دون إغفال قصص الحب المؤثرة، التي نجح في طرحها، وظلت عالقة في الأذهان، مثل “عروة وهناء “بالندم، و”أمجد وعزة ” بالغفران ، و”بثينة وجميل ” بزمن العار؛ بالإضافة إلى تميزه في رصد العشوائيات، وإماطة اللثام عن حواريها، وأبطالها المنسيين المهمشين .
كلها بصمات ستظل مرتبطة بصاحب رواية ” رسالة إلى فاطمة ” التي تستحق منا الإحاطة والسرد بدقة أكبر؛ لكن لا يمكن أيضاً تجاهل الغصة، التي ظلت ملازمة له في آخر أيامه، وهو الذي لم ينقطع عن الكتابة أبداً، وظل يحاول ويَعِدُ متابعيه بأعمال جديدة متسلحاً بالأمل في لقاء عشاقه الكثر مجدداً رغم النكسات الأخيرة، على غرار تبخر حلم مسلسل “الأمير الأحمر ” الذي كانت شركة الصباح، تخطط لإنتاجه، وتوجهت نحو قلم حسن سامي يوسف، لصياغة قصته، ورشحت تيم حسن لتجسيد الدور ؛ لكنها فجأة أجهزت على المشروع كلياً، وحرمتنا وحرمته من عمل فلسطيني؛ كان يمثل شيئاً استثنائياً له .
رحم الله الأستاذ الكبير حسن سامي يوسف، (سنعود لمساره بمادة تفصيلية خاصة قريباً جداً ) ؛ ونرجو صادقين أن تبادر إحدى شركات الإنتاج لطرح آخر أعماله التي أنهى صياغتها قبل رحيله ؛ ونختم ببعض ما كان ينشره من يوميات وذكريات على صفحته على الفيسبوك، وهذا الحوار الجميل رفقة المعلم غسان كنفاني، الذي كان أستاذه في الصف الرابع الابتدائي .
المعلم: من أين أنت من فلسطين؟
التلميذ: من قرية لوبية يا أستاذ
المعلم: ها هي خارطة فلسطين على السبّورة؛ هل تعرف أين تقع قرية لوبية بالضبط؟
التلميذ: نعم يا أستاذ، إنها تقع هنا، بين طبريا والناصرة
المعلم: عفارم يا شاطر؛ صفّقوا للشاطر
__________
المعلم: غسان كنفاني
التلميذ: حسن سامي يوسف
{من ذكريات الصف الرابع الابتدائي }.
★ صحفـي ـ المغرب.