إذاعة وتليفزيون

نهى إبراهيم: “My Father”.. حين يصبح الأب أيقونة.

نهى إبراهيم ★

عادة لا أحمل مشاعر كبيرة تجاه الأفلام؛ سوى العربية القديمة المحتوى، أو غيرها من طراز عاطف الطيب، أو محمد خان؛ لكن مجرد رؤية هذا الفيلم جذبني منذ البداية؛ حيث محاولاتي العديدة للتعرف على لغة الفيلم؛ حتى استنتجت بالنهاية أنه تركي اللغة، كم هى رائعة صورته، والبحر يقاسم كادرات هذا الفيلم؛ حيث معمل قديم ذوعلامة تجارية معروفة منذ الأجداد، حتى وقت ذلك الأب المتجهم الوجه، فتبدو عليه علامات القسوة، وهو لا ينظر نحو ابنه المعاق، في حين تراقب والدته كل تحركاته بمنتهى الدقة والحب، يواجه الأب مشاكل بالعمل حيث محاولات الكثير من المنافسين السطو على ماركته التجارية، واجتذابه لبيعها، وفي خلال هذه الأثناء تتوفى زوجته فى صدمة كبيرة للابن الذي رفض تقبل فكرة عدم وجود والدته جواره، وكان حزنه العميق، ومأزق والده الكبير، الذي حاول أن يبحث له عن مربية خاصة تقوم بتلبية مطالبه، وترافقه بالمنزل؛ لكنه فشل بشدة، وهو يستعين بواحدة تلو الأخرى لكن بلا جدوى، فلم يجد الأب بُدَّاً من اصطحابه معه إلى المعمل ، حتى حلَّتِ اللحظة التي كان فيها بصحبة والده بالمعمل، واذا به يقابل فتاة تبحث عن وظيفة؛ تم رفضها بالبداية وسط علامات الشفقة من الابن تجاهها؛ حتى دموعها على تلك الوظيفة كي تجد بها ضالتها، وتعين والدتها بمصاريف المنزل؛ لكنه أعطاها الفرصة على الرغم من عدم جديتها بهذا المجال؛ إثر مساعدتها إياه بترجمة إحدى الرسائل الإلكترونية، التي وصلت إليه بلغة أخرى؛ لأنها في الأصل “معلمة “.

تدور الأحداث، وتتبدل الظروف، فيشعر الأب بكثير من العاطفة تجاه ابنه؛ الذي كان رافضاً إياه بالبداية بمواجهة المجتمع حتى شعر بالأسف نحوه؛ نتيجة معاملة تلك المعلمة، وارتباطه اللصيق بها، يحاول الأب الحفاظ على إرث أجداده؛ لكنه يفشل بعد محاولات مضنية كادت أن تتسبب فى تدميره لإحدى آلات المصنع بمشهد رائع يعبر عن حالة اليأس، التي قد تنتاب البعض عندما تصبح كل الطرق مسدودة، إلا أنه ينجح بعد ذلك في تأسيس دار لذوي الاحتياجات الخاصة، التي تضم كثيراً من الحالات، التي قد تشارك ولده لحظاته، ولا يشعر بالوحدة بعد مماته؛ كما كان يردد منذ منتصف الفيلم “ماذا سيفعل عارف، بعد موتي “

الفيلم كتقييم عام ممتاز، فقد تميز بالطبيعية بكل المشاهد، الصدق في مشاهد الفتيات بالمعمل، وهن يقمن بتعليب السردين، رائحة البحر التي قد تشتم عبيرها وأنت جالس أمام الفيلم، بساطة الأبطال من حيث الملابس والأداء بداية من الأب، الذي قدم دوره بكل دقة حتى انسابت دموعي بكثير من المشاهد.

“عارف ” البطل الحقيقي، الذي قام بتجسيد دوره بإتقان جعلني أتشبث بمقعدي أمامه فى محاولة لإدراك مستقبل هذه الشخصية، التي قد ترثى لها كثيراً؛ لكنها كانت مدعاة للأمل بأحيان أخرى.

“المعلمة “بملامحها الهادئة، وتلقائية أدائها التي تجعلها تستحق العلامة الكاملة.

كانت هناك مجموعة من المشاهد المؤثرة، والتي قد نطلق عليها “master scenes”:

١- مشهد الأم وهي تتابع ولدها بحزن، وكأنها تسأل حالها “ماذا سيفعل بحياته”؟ لنستشعر منه حجم الألم الذي يلم بالأسر التي تقف مكتوفة الأيدي أمام إعاقة أحد أبنائها .

٢- مشهد عارف، وهو يرفض أن يلقي التراب على جسد والدته، غير مقتنعٍ ببعدها عنه فى ظل احتياجه الشديد لها .

٣- الأب وهو يعتذر لولده بمشهد بديع، وهو يطلب منه السماح إثر معاملته الجافة له طيلة السنوات الفائتة، فيحتضنه الابن بأسى وعيونه توضح كم الإحساس الذي تملكهما معاً بذات الوقت .

٤- مشهد احتفال إحدى فتيات المعمل، التي تعاني من تعنت أسرتها، ومحاولاتها التنفس من خلال الاحتفال الذي ينظم بصورة دورية، كان الجميع يشعر بالفرحة حتى التقت أخاها الذي يقوم بتدمير كل ما آل بهم من لحظات سعيدة؛ ليوضح لنا الفيلم معاناة شريحة كبيرة بالمجتمع التركي من التعنت والخوف الشديد من الفتيات حتى بالمطالبة بأبسط حقوقهن.

وأخيراً..

مشهد الأب وهو يحتضن الأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن أنجبتهم الأرض؛ كي تبرز لنا القسوة من الحنان فى قلوب البعض، قيام الأب بزراعة الأشجار خارج الدار معترفاً “لقد أخطأت كثيراً؛ لكني سوف أقوم بإصلاح ذلك بالنهاية “

“أريد أن أترك لابني شيئاً جيداً حتى يتذكرني به “

جمعت الأب والابن مشاهد كانت مؤثرة جداً طوال دقائق عرض الفيلم حتى مشهد النهاية، و”عارف” يعلن اشتياقه لوالده وللمعمل فهو دوماً كان يكررها “رائحة المعمل كرائحة والدي”

،لقد خطفني مشهد مناجاته والده ووالدته بمشهد درامي يخطف الأنفاس والشهقات.

“My father”

من أكثر الأفلام جمالاً، ويحمل بطياته الكثير من المعاني فدائماً الأب هو الحصن والأمان، الذي إن ذهب، ذهب معه نعيم الدنيا.

” أهدي هذا المقال إلى أبي العظيم دمت لي سنداً بطول أنفاسي “


★كاتبة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى