مسرح

شهد إبراهيم: “عامل قلق” .. حين تخفف الكوميديا ضغوط الحياة!

شهد إبراهيم ★

“الموت سهل، والكوميديا صعبة”

تعود هذه المقولة إلى الممثل (إدموند جوين)، حيث قالها وهو على فراشه مريضًا، حين سأله أحد أصدقائه هل الموت صعب؟ فأجاب إدموند “ليس بنفس صعوبة لعب الكوميديا” وهذا لأن الكوميديا من أصعب أنواع الفنون المسرحية، فهي تحتاج حرفية للإضحاك، مع الاحتفاظ بخصائصها؛ التي تجعل منها قالبًا فنيًا مميزًا، ولكن في السنوات الأخيرة؛ بدأت الكوميديا في مصر؛ تتوارى خلف فن الاستظراف، وإلقاء “الإفيه” فقط، فيقوم صُنَّاعها على الخلط بين الكوميديا ومعناها العميق، وبين إلقاء الممثل لمجموعة من “الإفيهات” على خشبة المسرح؛ من أجل تحقيق الضحك دون هدف، مما جعل الكوميديا ـ كما يشاع ـ تنحسر مؤخرًا في مصر، على الرغم من أن الكوميديا كانت وما تزال تتسم بخصائص عدة؛ تجعل منها اختيارًا محببًا لدى الجمهور العادي، منها الاستعانة بشخصيات مميزة، وحوارات ساخرة، كذلك تسليط الضوء على جوانب من الحياة اليومية، وتقديمها بطريقة ملهمة ومسلية؛ لإصلاح عيوب المجتمع، وتقديم الوعظ والعِبَر.

على هذه الخلفية يمكن النظر إلى مسرحية “عامل قلق” التي تعرض حاليًا على مسرح “البالون” ضمن فعاليات عيد الأضحى المبارك، إنتاج الفرقة القومية للموسيقى الشعبية بقيادة لبنى الشيخ، من تأليف محمد زناتي وأحمد الملواني، وإخراج إسلام امام، تمثيل : سامح حسين، سمر علام، محمد مبروك (يوركا)، باسم سليمان، محمد صفاء، حامد الزناتي، عماد عبدالمجيد، وفاء سليمان، ومجموعة من الراقصين والممثلين.

تدور أحداث العرض ـ التي سيطرت عليه الواقعية ـ حول “باسم” و “نادية” اللذين يحصلان على جائزة مالية من أحد البرامج التلفزيونية بمفارقة غير مقصودة..يشك باسم في مصدر تلك النقود؛ فيقرر استغلال المبلغ في إنشاء تطبيق لحل مشاكل الناس، وإنقاذهم من القلق.

تطبيق لحل المشاكل

“عامل قلق” هو عنوان اختاره المخرج كعتبة أولى لعرضه، ليشير من خلاله إلى الأشياء والضغوطات؛ التي تسبب قلقًا لبعض الناس، وتجعلهم لا يستطيعون الإحساس بالأشياء الموجودة في حياتهم.

تستدعى المسرحية إلى الذهن، القصة الشهيرة لمصباح علاء الدين والفانوس السحري، وكأن فكرة التطبيق هذه هي القادرة على حل جميع المشكلات؛ التي كانت في الأصل مرسخة عند أصحابها من الصغر، ولكن في مثل هذه العروض الكوميدية نهتم أكثر بالأفكار المقدمة للمناقشة، وليس لطريقة حل الحبكة الخاصة بالعرض.

فكرة جديدة

لم تكن الكوميديا مقصودة لذاتها، ولم تأتِ عبر “الإفيهات” على الرغم من أن الإفيه حاضر، وبشكل صارخ، ولكنه في أغلبه، كان نابعًا من الموقف .

يبدأ العرض بفقرة استعراضية غنائية مبهجة، لنجد “باسم” يلتقي بعد ذلك مصادفة بـ “نادية” ليكون لهما نفس المسار القدري في الحياة، ويجسد شخصية “باسم” سامح حسين، وهو موسيقي تدهور به الحال، وتركته فرقته، وعند حديثه مع “نادية” وجد فكرة لعمل تطبيق “طبطبلي” لتقديم حلول للتعامل مع المواقف الصعبة؛ التي تقابلنا في حياتنا.

جاء أداء “سامح حسين”، في العرض باتجاه السهل الممتنع الملتزم ، وإن مارس بعض الإرتجال غير الموجود إلى النص، الذي جاء في الغالب عاديًا لا حاجة له ، وكانت ملابسه في بداية العرض ـ قبل الزي الرسمي للعمل ـ بدلة كلاسيك ومهندمة، لا تعبر عن شخصيته كشخص تم طرده، وضاقت به السبل، وتخلى عنه الجميع، ولا يستطيع العثور على حل، فكانت غير مناسبة لحال الشخصية التي يقدمها.

أما “نادية” والتي جسدت شخصيتها “سمر علام”، فكانت تلقائية وعفوية، ملابسها عبارة عن فستان بسيط جدًا ورقيق، وتسريحة شعرها “كيرلي” لعدم تفرغها لهندمته وتسريحه، فهي تحاول بأي طريقة العثور على عمل، وقد تميز أداؤها بالتناغم والانسجام مع جميع الممثلين.

وكان هناك بعض الممثلين؛ الذين قاموا بتقديم أكثر من شخصية كـ محمد صفاء، ومن المؤكد أنه شيء في منتهى الصعوبة لعب أكثر من شخصية في عرض واحد، ،لذا لم يقم محمد بالأداء بشكل كامل، ومحاولة خلق شخصية بتفاصيل مختلفة، فقد قام فقط بتقديم كل شخصية بشكل نمطي، نظرًا لعدم وجود دوافع ومبررات تجعله يتعمق في الشخصية، فالشخصيات كلها كانت لإلقاء النظر على قضية ما بشكل ساخر ومضحك، كما هو الحال مع الممثل باسم سليمان، الذي قدَّم أكثر من شخصية على نفس النهج، وإن كان يتمتع بقبول وصوت غنائي جميل؛ يجعل له إطلالة مختلفة في كل فقرة، كذلك مصطفى سعيد، والكثير من شباب وشابات العرض، الذين كان لديهم مساحة كبيرة لإظهار قدراتهم التمثيلية، والتنقل بين فقرات العرض المختلفة، فالبعض استغل تلك المساحة، والبعض الأخر لم يستغلها بشكل كامل.

اختيار موفق للشخصيات

اِختار المخرج إسلام إمام الممثلين بعناية، وعلى الرغم من أن هناك أدوارًا رئيسية ومساحات منفردة، إلا أن هناك ممثلين لعبوا أدوارهم البسيطة بشكل متناغم، وبِطَاقاتٍ كوميدية مميزة، من بينهم محمد مبروك (يوركا) الذي يتمتع بقدرة تمثيلية تجعله مسترخٍ، وهو على خشبة المسرح بأداء عفوي وتلقائي، كذلك رامي حازم، الذي تألق في أدائه، وإن عانينا في سماع صوته، لعل السبب في الميكروفون الخاص به، فلم يحالفه الحظ تلك الليلة، أو أن صوته ضعيف نوعًا ما، ولكن بشكل عام وُفِّقَ المخرج باختيار تلك الشخصيات، وظهر التعاون واضحًا ومتناغمًا بين جميع أبطال العرض؛ دون سعي أحدهم إلى الاستئثار بمساحة أكبر على حساب غيره.

حبكة غير تقليدية؛ ولكن!

لا يقدم المخرج حبكة تقليدية، بقدر ما يرتكز على العديد من النقلات، والمواقف السريعة والمختلفة، التي تصنع مفارقات ساخرة، فالمسرحية عبارة عن مشاهد واسكتشات صغيرة لعدة مشاكل يومية نعاني منها جميعًا، حيث يناقش العرض في أول اسكتش له فكرة الخوف من المجتمع والناس، بسبب مواقع التواصل الاجتماعي؛ التي تتسبب في قلق البعض طوال الوقت بسبب الحوادث؛ التي نراها عبر شاشات الهواتف بشكل مستمر طوال اليوم، ونجده أيضًا يناقش مشكلة عامة تواجه جميع موظفي القطاع الخاص، وهي تحقيق “التارجت” وحال الموظف الذي يعاني من مشاكل مالية، فلا يستطيع ترك العمل، وفي نفس الوقت يعاني من ضغط عصبي من مديره في العمل؛ لتحقيق الأرقام المطلوبة، فهو في مأزق يؤدي إلى الهلاك النفسي؛ بسبب الضغط المعرض له من جميع الجهات، كما يتطرق العرض إلى الضغوطات؛ التي يتعرض لها الآباء والأمهات من الأبناء، ودروسهم والنوادي والكورسات وغيرها، وهكذا يستمر العرض في تقديم العديد من المشاكل والأزمات.

دعم القضية الفلسطينية

لم يقتصر الأمر على مناقشة تلك المشكلات فحسب، بل تكلم سريعًا عن مشاكل متعددة أخرى مثل انقطاع التيار الكهربائي، وتخفيف الأحمال على سبيل المثال، وكان داعمًا بشكل ما للقضية الفلسطينية، حيث قام بذكر المقاطعة ـ الحملة التي نقوم بها كشكل من أشكال مد يد العون لأهالي فلسطين ـ وذكر الاحتلال الصهيوني، والسياسة الأمريكية على أنهم لا أمان لهم ، وأن مناصرة القضية الفلسطينية أمر مهم ومؤثر، يذكرنا بمقولة “الفن سلاح يخترق العيون والآذان، وأعمق المشاعر الإنسانية” للرسام المكسيكي (ديفيد ألفارو سيكويروس)، الذي رأى أن الفن السلاح الوحيد للنقد الاجتماعي، وإصلاح عيوب المجتمع، وأسوأ ما يمكن أن يحدث لنا، أن يغدو المشهد مألوفًا، وأن ننقطع عن التحدث عنه؛ حتى ولو بطرح الموضوع فقط للتذكير به طول الوقت، كما فعل مخرج العرض.

شاشة بلا هدف!

أما عن الديكور فهو لـ حازم شبل، مهندس الديكور المعروف بخبرته الطويلة، وأعماله الناجحة الكثيرة ، فكانت أغلب قطع الديكور لديه بسيطة جدًا ومُعَبِّرة؛ لكنه لم يوفق في اختيارته إلى حد ما – من وجهة نظرنا- ، حيث احتوى العرض على شاشة، ولم يتم الاستفادة من تلك الشاشة في أغلب الأحيان ، فكان يُعرض عليها في معظم الوقت لوحة بيت، أو منظرًا ما، دون إدماج الممثلين مع شاشة العرض، فكان من الممكن استبدالها بلوحات، لأن في مثل هذه العروض ليس من الضروري اللجوء لشاشة، كونه ليس عرضًا وثائقيًا، وإن لجأنا لها يجب أن نخلق بها حالة من الإيهام، والتداخل مع المشهد، أما باقي الديكور؛ فكان بسيطًا جدًا ومُعَبّرًا.

توظيف الإضاءة

وأما الإضاءة التي صممها ونفذها عز حلمي، فلم تأخذ حيزًا أساسيًا، كون الإضاءة في مثل هذه العروض تعتمد غالبًا على الإنارة العادية أغلب فترات العرض، وهو اختيار موفق، وكانت في أغلب الوقت بؤرًا بيضاء؛ لإنارة الممثل كمشهد تحدث “نادية” مع “باسم” عن معاناتها وحاجتها للمال، كذلك مشهد التحرك ببطء “سلو موشن” حيث تم توظيف الإضاءة فيه بشكل رائع؛ للإيحاء ببطء حركة الممثلين، وكأنها عبر شاشة تلفزيون، وليس في الحقيقة امام أعين المُشاهد، لكن بشكل عام لم يكن هناك تغيرات حادّة في سياق الأحداث، ولا دلالات باطنية تستوجب نقلات للإضاءة، فالأمور واضحة لا تحتاج سوى إظهار الممثلين.

الموسيقى والمؤثرات

الموسيقى كانت لـ يحيي نديم، وكانت موظفة لخدمة الحالة الدرامية للمشهد، ولكنها ظهرت بشكل كبير، ومتنوع خلال الفقرات الغنائية الاستعراضية، بالإضافة إلى الموسيقى الحية لعازِفَي الطبلة والناي في بداية العرض، وكان اختيار آلة الناي اختيارًا موفقًا؛ لأنها آلة الأحزان، حيث تم توظيفها في مشهد معاناة “باسم” بعد طرده من البيت؛ لعدم دفعه الإيجار لمدة طويلة، وتم تكرارها أكثر من مرة بحرفية للإضحاك، وعن المؤثرات الصوتية، فقد كانت نادرة نوعًا ما في العرض، فكان هناك مؤثرات صوتية بشرية بشكل كبير؛ منها الإيحاء بالبكاء في مشهد نادية، وهي تتحدث عن حياتها، وبعض المؤثرات الأخرى الصناعية كصوت الصاعق الكهربائي؛ الذي يستخدمه المريض النفسي، وغيرها من المؤثرات البسيطة؛ لتحقيق الغرض منها دون المبالغة في استخدامها.

ملابس ومكياج

وبالحديث عن الملابس، فقد كانت لـ أميرة صابر، وكانت مناسبة لكل شخصية من الشخصيات، وكانت مختلفة بشكل ملحوظ في الزي الرسمي للعمل الخاص بـ باسم ونادية، فكانت ملونة باللونين الأصفر والأحمر اللذين يدلان على مشاعر الراحة والحب والطمأنينة، نظرًا لطبيعة عملهما، مرسوم عليهما قلب وقبلة، وعن الماكياج لرحاب طايع، فقد كان معظمه خفيفًا جدًا؛ لإظهار ملامح الممثلين، على الرغم أنه كان يمكن للمخرج استخدامه بشكل آخر لتغيير ملامح الممثلين الذين يقدمون أكثر من شخصية، بدلًا من اعتمادهم على تغيير الملابس، أو تغيير تسريحة الشعر.

.

إكسسوارات مُعَبِّرة

الإكسسوارات كانت بسيطة ومعبرة، منها إكسسوارات الممثلين؛ التي ظهرت في سلاسل الرقبة لرجال المنطقة الشعبية، والصاعق الكهربائي للمريض، والدراجة النارية الخاصة بباسم ونادية، وغيرها، وإكسسوارات أخرى خاصة بخشبة المسرح كالمقعد الموجود في بداية العرض، ومقعد الزفاف الموجود في الفقرة الثانية ـ الخاصة بحل الخوف من مواقع التواصل الاجتماعي ـ وغيرها من الإكسسوارات.

أغاني واستعراضات متكاملة

لم تأتِ الأستعراضات والأغاني كمقاطع منفصلة؛ بل كانت تتكامل مع الأحداث والشخصيات، وكانت مصممة بشكل مبهج ومنضبط، وكان تصميم الاستعراضات لـ هاني حسن، واختتم العرض بأغنية “دايرين في حواريها” من تلحين وغناء يحيي نديم.

مناسب لجميع الفئات

بقي القول إن تلك العروض وغيرها، تمثل إعادة فن الكوميديا مرة أخرى للمسرح بقالبه الفني المتعارف عليه، فالعرض يدعو في مجمله إلى ضرورة الحوار بين الناس، وسماع بعضهم البعض؛ لتخفيف أعباء الدنيا وضغوطاتها، ولكن كانت المدة الزمنية لتقديم ذلك طويلة نسبيًا، وصلت تقريبًا إلى ثلاث ساعات، مما جعل إيقاع الأحداث بطيئًا؛ ولكن الحديث عن تلك المشكلات، وتحديدًا أزمة تحقيق “التارجت” لم تحدث من قبل، وهنا تكمن قوة الكتابة لـ (محمد الزناتي وأحمد الملواني) التي جعلتنا جميعًا نندمج مع العرض، أضف إلى ذلك أيضًا أن العرض مناسب لجميع الفئات العمرية.


مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى