رأيمسرح

د. سعداء الدعاس: أربع سنوات من الشغف!

د.سعداء الدعاس★

قبل أربع سنوات، أطل الطالب/الخريج “سلطان المذن” بابتسامته البريئة، والبهجة تشجع من عينيه، مخترقًا بخطواته الواثقة الصمت التي يلف المعهد حينها، بسبب (الدراسة عن بعد) أثناء الجائحة؛ كان في السنة الدراسية الأولى، حين قدَّم لي نصه “كسوف”، الذي كتبه قبل دخوله للمعهد، لإبداء الرأي فيه.

سلطان المذن ممثلًا في عرض كسوف.

خلال تلك الحوارية، وجدتُ شابًا قادمًا من أمريكا بعد تجربة لم تتسق وأمنياته، مدثرًا بحلم لم يكتمل بعد، حاملًا بين يديه نصًا مشبعًا بأفكاره وطموحاته.

اِستمر النقاش، وتكرر اللقاء في مكتبة المعهد. خلال أيام تشرّب سلطان بعض الملحوظات التي توافقت وقناعاته، لكنه في المقابل لم يتفق مع ملحوظات أخرى خالفت تلك القناعات، وأنا شخصيًا – كما يعرفني طلبتي- أحترم كثيرًا دفاع الطالب عن قناعاته وتمسكه بها، حتى وإن اختلفتُ معها، فكان له ذلك!

أول الغيث!

بعد مدة وجيزة تحوّل النص من الورق إلى خشبة المسرح، من بطولة سلطان، ومجموعة من أبناء دفعته وزملائه في قسم التمثيل، بالإضافة لطلبة آخرين شاركوه الحلم. الجميل أن العرض كان فرصة لمشاركة طلبتي من قسم النقد، حين سُئلت كرئيس للقسم، عن إمكانية تعاون أبنائي في العرض، وبالفعل اتجهت حينها للطالبة الأكثر حماسًا وتجاوبًا مع كل اقتراحاتي “حنين سالمة” – التي أفتقد وجودها في الأنشطة هذه الأيام لمرورها بوعكة صحية أتمنى أن تتجاوزها بالإيمان والإرادة – كانت موافقتها سريعة، ومشجعة للآخرين، فجاءت مشاركة منيرة العبد الجادر، وآلاء سليم، ونواف سرحان.

لقطة من العرض وتبدو حنين سالمة ومنيرة العبدالجادر وآلاء سليم ونواف سرحان.

حين تلقيتُ الدعوة لحضور البروفات، وجدتها تنبض بالحياة، بقيادة مخرجة العرض ابنتي الجميلة والموهوبة هيا السعيد، كما سعدتُ أكثر بوجود زميلتي الغالية د.إبتسام الحمادي، التي تدعم الطلبة دائمًا بإنجاز الأزياء والديكور في مشاريعهم.

عُرضت مسرحية “كسوف” في أكتوبر 2021، بحضور جماهيري غلّف القاعة بهجة، وتواجد بهي لثلة من الشخصيات الثقافية يتقدمهم العميد حينها د. علي العنزي، الذي أنعش المعهد بالأنشطة؛ رغم ظروف الجائحة.

فريق عمل كسوف.

ما زلت أذكر ذلك العرض، والبهجة التي شعرتُ بها وأنا أراقب تلك القلوب الصغيرة، وهي تُحلِّق في فضاء خشبة المسرح، يحفها الشغف، ويدفعها الطموح لتقديم أفضل ما لديها،  في ظل نص كتبه طالب، وأخرجته طالبة، وممثلون تلقوا محاضراتهم (أونلاين)، لكنهم بذلوا قصارى جهدهم للخروج بأداء مميز خاصة طلبة الفرقة الأولى حينها: سلطان المذن، وضاري الرشدان، وأحمد الرشيدي، وبمشاركة من زملائهم في الفرق الأخرى، أبرزها مشاركة: مصعب السالم، عبدالهادي حسين، يونس الشرهان.

الرشيدي والرشدان.

لن تكون آخر قطرة!

بعد أربع سنوات، وأثناء حديث عابر، فوجئت بسلطان المذن يتذكر تفاصيل اللقاء الأول وعلى محياه الابتسامة ذاتها، مشيرًا  إلى موعد عرض مشاريع التخرج، التي سعدتُ بحضورها: عرض “اِغتصاب” إخراج خالد أمين، وعرض “لا تقصص رؤياك” إخراج أحلام حسن.

أكثر ما لفت نظري في تلك المشاريع، تطور الطلبة على مستوى الأداء، لعل أكثرهم اختلافًا “سلمى شريف” التي ما إن بدأت مشاهدها في عرض “اِغتصاب”، حتى وجدتني أتذكر مباشرة قدراتها البسيطة في عرض “كسوف”، وبدأت تلقائيًا أقارن بين “سلمى” الأمس؛ التي كان الخجل يسيطر على صوتها وحركتها، و”سلمى” اليوم؛ التي ملأت الخشبة إحساسًا وتفاعلًا.

سلمى شريف ما بين الأمس واليوم.

شباب الدفعة أيضًا تميزوا بقدراتهم التمثيلية التي لم يشوبها الانفعال المبالغ به، حيث أدى “سلطان المذن” شخصية “جدعون” بتميز ملحوظ، وفوجئت بذلك الشاب الصغير،  وهو يُحوّل ابتسامته البريئة، إلى النقيض تمامًا على الخشبة، مؤديًّا دور أحد الصهاينة الذين لم يكتفوا باغتصاب الأرض، وهكذا استمتعتُ بأداء أحمد الرشيدي، في دور الأب مائير، كما لفت محمد الرقادي الأنظار بأدائه للحالة النفسية العميقة للجندي الصهيوني في مشهده المُميز مع علي قاسم؛ الذي أدى شخصية الطبيب النفسي بهدوء ذكي يدل على وعي كبير بأبعاد الشخصية، وفرحتُ كثيرًا برؤية رشاد كُمبال، الذي قاد المشهد بأكمله بانسيابية الحكّاء.

علي قاسم ومحمد الرقادي.

وهكذا بذل ممثلو العرض الثاني جل طاقتهم، خاصة نوح الحسني، وضاري الرشدان، وهبة حمادة، في “لا تقصص رؤياك”. 

كما أسهم بقية الممثلين – من الخريجين وغيرهم- في خلق حالة من الحماس في العرضين، مهما كان حجم الدور، كما فعل مصعب السالم، ونورة العزاز، وأسرار الدوسري، وحمود الصلال، وإسحاق أيوب، وحسين الفارس، وحمد الكندري، وصقر الشحي، وعبد الله حكيم، ومحمد الحجي، ومحمد الكليبي، وجهاد البلوشي، ويحيى الحراصي، وسليمان عوض، ومنيرة قوشتي، وحصة الفضالة، وريهام أحمد، وسعاد الشطي.

من عرضي “اغتصاب” و”لا تقصص رؤياك “.

بعد عروض التخرج، التي ودعت من خلالها الدفعة خشبة المعهد، أتوقع وأتمنى أن تظل القلوب الصغيرة مغلفة بالشغف، وأنتظر أن أرى تلك الطاقات الجميلة تأخذ فرصتها في الساحة المسرحية الكويتية والخليجية، لنسعد بها، قبل أن تلتهمها الماكينة التلفزيونية التي لا تعتق أحدًا من إغراءاتها.

★الصور بواسطة: ليلى العبد الله ، ويوسف العصفور.


★مديرة التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى