نهلة إيهاب: “الأسد الملك” ..مسرح الطفل المصري كما ينبغي أن يكون !
نهلة إيهاب ★
جزء كبير من خيال طفولتنا، التي تظل كامنة في القلب، وعالقة بالروح؛ ينشأ من وحي قصص الأطفال والأساطير وحكايات الشعوب القديمة، ومن بين الكثير من الأشكال المتنوعة للقصص تلك ؛ فقد ظلت القصص المرئية التي تأتي في هيئة رسوم متحركة الأثيرة لدى الكثيرين؛ وعلى رأسها تأتي أفلام ديزني؛ التي تتمتع بالكثير من الإبداع سواء على مستوى المحتوى، أو الطرح؛ ومن بين مئات الأفلام التي صنعتها ديزني؛ يظل فيلم بعينه يحمل مكانة خاصة عند الأطفال؛ وخاصةً جيل أطفال التسعينيات ؛ ذلك الفيلم هو Lion King فيلم ” الأسد الملك”
ومن هذا المنطلق يطالعنا العرض المسرحي” الأسد الملك” للمخرج المميز “باسم كرم” برؤية فنية جديدة تستهدف الجيل الحالي من الأطفال، وتحترم عقلية الكبار، وذلك على مسرح الفن، “مسرح جلال الشرقاوي” إنتاج وإشراف عام ” تامر جلال الشرقاوي” .
حيث تدور أحداث العرض حول قصة الفيلم تلك التي يعرفها الكثيرون، والتي تأثرت بشكل، أو بآخر بمسرحية “هاملت” لويليام شكسبير؛ التي سبقت الفيلم بمئات الأعوام ؛ وذلك من حيث قصة الأمير، الذي يتم حرمانه من عرشه بعد موت، أو مقتل والده الملك، ثم يعود لينتقم ، كما نجدها أيضًا منذ الأساطير القديمة على غرار أسطورة إيزيس وأوزوريس وحورس .
فيبدو لمن يقرأ مسرحية “هاملت “، ويشاهد فيلم ” الأسد الملك ” أنه عبارة عن نسخة مناسبة للأطفال من مسرحية “هاملت” .
وهذا ما طرح علينا من خلال العرض المسرحي “الأسد الملك ” للمخرج “باسم كرم ” من خلال المعالجة الدرامية الواعية للمُعدة ” فدوى نافذ”، التي استطاعت بحرص شديد أن تحافظ على الخطوط الدرامية الرئيسية للفيلم، و الشخصيات المحورية، وذلك بالدمج المسرحي لملامح مسرحية ” هاملت ” بالإضافة إلى بعض الإسقاطات الاجتماعية والسياسية أحيانًا؛ كل هذا داخل إطار مسرح الطفل، ومسرح العرائس البشرية دون ركاكة، أو تهميش لعقلية المتفرج بشكل عام.
” فمسرحة النص ” هنا لا تعني تنفيذ النص الدرامي ” للفيلم” على المسرح في ثوب جديد؛ بل يعني إعادة إنتاج النص الدرامي من خلال إرسال، واستقبال يشترك فيها الممثل والجمهور، وتدور في مكان معين تؤثر خصائصه في مسارها، ذلك أن فن العرض ليس نشاطًا تنفيذيًا؛ بل هو فن إبداعي ، ينشئ شيئًا أصيلًا ، ويتحول فيه الإبداع السابق” أي الفيلم ” إلى وسيلة لتحقيق غاية جديدة مبتكرة؛ هي العرض المسرحي نفسه.
قدَّم المخرج “باسم كرم ” رؤية مسرحية شديدة الاحترافية من خلال اهتمامة بالحركة المسرحية، التي نسج من خلالها العديد من التكوينات الحركية ذات الأبعاد التشكيلية والجمالية داخل الفضاء المسرحي، وذلك بالتعاون مع مصمم الحركة والاِستعراضات ” أحمد سمير” .
كما نجح في تقديم رؤية بصرية رائعة من خلال”سينوغرافيا العمل المسرحي”، وذلك باستخدام الديكور المسرحي، الذي أشغل من خلاله عمق خشبة المسرح بشكل واعِ، كما استخدم مستويات خشبة المسرح بشكل يجذب عين الأطفال والكبار أيضًا، وذلك بالتعاون مع مصمم الديكور “شادي قطامش”
وكذلك جاءت الإضاءة المسرحية للمصمم الواعي والمحترف “عز حلمي”، والتي أضافت للعرض الكثير من الجماليات، والحيوية لروح وجوهر العرض المسرحي؛ كما فعلت الأثر ذاته الملابس لـ ” عمر حمدي”، والميكياج لـ “رامي جمال”، والإعداد الموسيقي لـ ” كريم العربي” .
كما اهتم المخرج ” باسم كرم ” بإعداد الممثلين بشكل واضح، فقد استخدم العديد من المناهج المسرحية لإعداد الممثل داخليًا وخارجيًا؛ كما جاء الأداء التمثيلي لكلٍ من أيمن هاني ، إيمان رجائي، راماج محمد ، ياسين محمد ، بروين أحمد ، هنا علي، يوسف إبراهيم، أحمد مصطفى ، صبري محمد ” معبرًا عن مكنون الشخصية، وأبعادها الجسدية والحركية.
كما تميز كلٌ من (عمر محمود في دور” سكار” ، وحسين عشماوي في دور” زازو “، ومحمد إبراهيم في دور ” رفيقي ” ، ومحمد صفاء في دور” تيمون ” ، وأحمد رضا في دور “بومبا”) بالطاقة التمثيلية الرائعة، والحضور المسرحي القوي .
وبهذا فقد قدَّم مسرح الفن، “مسرح جلال الشرقاوي” عرض “الأسد الملك ” إخراج” باسم كرم” عرضًا مسرحيًا ماتعًا للصغار والكبار ، كما يعتبر نموذجًا حيًا لمسرح الطفل “كما ينبغي أن يكون” .
★ناقدة-مصر.