مسرح

عماد وديع: ما بين مسرح العبث وعبث الحياة!

عماد وديع ★


ظهر مسرح العبث  نتاج ظروف سياسية وعالمية كبرى أدت بالفلاسفة المحدثين إلى التفكير في الثوابت حيث حدث بعد الحرب العالمية الثانية ونتائجها التي أثبتت نضوب القيم الروحية والأخلاقية والدينية وجعلت النظام السائد في أوربا عرضة للانهيار برز مسرح العبث وأدب العبث واللا معقول للتعبير عن لا معقولية الوضع الإنساني وعن مأزق الفرد وعزلته وانفصام الروابط الإنسانية في المجتمع الأوربي وقد كان لفلسفة العبث التي طرحها ألبير كامو من خلال روايته أسطورة سيزيف أثرها الكبيرعلى كتّاب هذا المسرح إذ أصبحت فكرة اللا جدوى تسيطر على كل شيء وإن كل ما في الوجود هو عبث لا طائل منه وإن الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة.

مسرح العبث أو المسرح العبثي!

هو مصطلح تم صياغته على يد الناقد “مارتن إسلين”من خلال مؤلفات مسرحياته التي كُتب معظمها مابين الخمسينات والستينات من القرن العشرين.
فى عام 1942 حيث قدم فيها الموقف الإنساني بشكل أساسي على أنه موقفاً عبثياً لا معنى له.

والمسرح العبثي هو حركة فنية نشأت في أوروبا في خمسينيات القرن العشرين وقد تطور من خلال عدد من العوامل الإنسانية الجائعة بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان هناك شعور بالفراغ والعدم من قبل الشباب الطموحين الذين لم يجدوا هدفًا أو معنى في حياتهم

وكانت الحرب عاملاً رئيسياً في تأسيس الحركة حيث أنها أدت إلى خسارة الثقة في الإنسانية والعالم وبسبب الحروب والأضرار الجسيمة الناتجة عنها كان العالم بحاجة إلى تجاوز الواقعية والإيجابية الزائدة

وأيضاً هو  أسلوب من الدراما نشأ في منتصف القرن العشرين ويتميز باستخدام المواقف غير الواقعية أو غير المنطقية، والظروف غير المحتملة أو المستحيلة واستكشاف الحالة الإنسانية من خلال موضوعاته الوجودية  كما يستخدم مصطلح السخافة لوصف الطبيعة الغير المنطقية أو غير العقلانية للمواقف والأحداث التي تم تصويرها في هذه المسرحيات والتي غالبًا ما تفتقر إلى بنية سردية واضحة أو منطقية تدور أحداث المسرحيات عادةً في عالم مظلم أو فوضوي أو سريالي، وغالبًا ما تكافح الشخصيات لفهم مكانها فيه  كان المثال الأكثر شهرة للمسرح العبثي هو عمل الكاتب المسرحي الفرنسي “صامويل بيكيت” الذي تعتبر مسرحياته مثل “في انتظار جودو” و”نهاية اللعبة” من روائع هذا النوع من المسرح.

العبثيون!

هم مجموعة من الأدباء الشباب الذين تأثروا بنتائج الحروب العالمية فرأوا أن جميع النتائج التي نجمت عن تلك الحروب هي سلبية لأنها خلقت نفسية سيطر عليها انعدام الثقة في الآخرين فكان انعزال الإنسان الأوروبي وفرديته و الويلات والدمار المادي الذي طال أوروبا كلها ومن أعلام هذه المدرسة ألبرت كامو وصموئيل بيكيت

الفرق بين المسرح التقليدى ومسرح العبث

المسرح العبثي هو نوع مسرحي ظهر في منتصف القرن العشرين ويتميز برفضه للهياكل السردية التقليدية، والحبكات الخطية والشخصيات الواقعية غالبًا ما يركز على موضوعات الوجودية والعبثية والحالة الإنسانية، باستخدام تقنيات غير طبيعية مثل الارتجال والتكرار والحوار غير المنطقي.
في المقابل، يتبع المسرح التقليدي أساليب أكثر تقليدية في سرد القصص ويهدف إلى خلق شعور بالواقعية على المسرح.

يتميز مسرح العبث بأسلوبه الذي يعتمد على الفكاهة والسخرية والتشويق بينما يتميز المسرح التقليدي بأسلوبه الذي يعتمد على الدراما والتأمل.

يهدف مسرح العبث إلى الإضحاك والإستمتاع بالأداء، بينما يهدف المسرح التقليدي إلى تقديم الرسالة والتعبير عن المشاعر والأفكار  يميل مسرح العبث إلى استخدام الأدوات الجسدية والإيماءات الوجهية والحركات الكوميدية، بينما يعتمد المسرح التقليدي على الكلمة والموسيقى والعناصر المرئية المتقنة.

يتفاعل الممثلون مع الجمهور في مسرح العبث بطرق مباشرة وحيوية، بينما يتم تهيئة الممثلين في المسرح التقليدي للتفاعل بعيداً عن الجمهور.

السمات العامة لمسرح العبث

قلة عدد شخوص المسرحية التي غالباً ما تدور أحداثها في مكان ضيق أو محدود جداً كغرفة مثلاً وعلى سبيل المثال نرى كل مسرحيات هارولد بنتر تدور أحداثها داخل غرفة والغرفة عادة مظلمة موحشة أو باردة ورطبة لا يشعر من يعيش فيها براحة ولا باستقرار ولا بأمان على الإطلاق ويظل قلقاً دوماً يخاف من بداخلها من كل شيء فهي مصدر قلق لعدم ملاءمتها وفي الوقت نفسه ملجأ حماية من مخاطر خارجية محدقة دوماً.

أهمية مسرح العبث

يعتبر  مهماً للغاية عند الأوروبيون لأنه يعكس واقعهم الاجتماعي المؤلم ومن أهم المشكلات التي يعرض لها، معضلة الفردية فالأوروبي يعيش رغم حضارته المادية والتقدم العلمي إلا أنه يعاني من فرديته وانعزاليته نتيجة لعدم قدرته على بناء علاقات إنسانية اجتماعية أساسية ورصينة مع الآخرين.

لقد أثرت الحرب العالمية الأولى والثانية على تفائل عصر التنوير وإعادة مستوى طموح الرقي الأخلاقي إلى نفس مستوى العصور المظلمة للإنسان فتكشفت حياة الإنسان بالنسبة لبعض الأدباء إلى انها عبث محض يكاد يكون لا رجاء فيه.

دور المرآة في مسرح العبث

المراة تكون دوماً أقل أهمية من دور الرجل وتكون المرآة أكثر كآبة من الرجل لما تعانيه من اضطهاد مجتمعي واضح.

طبيعة اللغة المستخدمة فى مسرح العبث

  اللغة المستخدمة يوجد بها  تكرار في الموقف الواحد وهذا  يعطي مدلولات واضحة للخوف وعدم الطمأنينة والقلق الدائم تلك العناصر التي تؤدي إلى غياب التفريق بين الوهم والحقيقة وتؤدي أيضاً إلى عدم ثقة الشخصيات في المسرحية ببعضها البعض كما أنها تبين بما لا يدع مجالا للشك غياب الحلول الفعلية لمشاكل كثيرة وعدم القدرة على مواجهة الأمر الواقع مع حيرة مستمرة وقلق متواصل وخوف متجدد من كيف سيكون  المستقبل

أهم ما قدمه لنا هذا اللون الجديد من دراما العبث

هو دراسة نفسية وفكرية لأوروبا الحديثة وانعزالية مجتمعاتها وفي مسرح العبث غالبًا ما يلعب الممثلون أدوارًا متعددة وينخرطون في أعمال متكررة وغير مجدية و يشير مصطلح “العبث” إلى فكرة أن الحياة ليس لها معنى أو غرض وغالبًا ما تستكشف المسرحيات موضوعات الاغتراب والقلق الوجودي والحالة الإنسانية قد يصور الممثلون شخصيات عالقة في موقف ميؤوس منه تكافح من أجل العثور على معنى في عالم يبدو خاليًا منه قد تتضمن عروضهم حركات مبالغ فيها، وتحولات مفاجئة في الأداء وغيرها من العناصر التي تلفت الانتباه .

دور الممثلين في مسرح العبث 

هو خلق شعور بالإرتباك والغربة لدى الجمهور مما يجبرهم على مواجهة عبثية الوجود الإنساني.

وفشل الإنسان في بناء علاقات اجتماعية فالمادة هناك هي المقياس الأول وهي المعيار والمحك مع هذا الوجود المادى   العنيف تضاءلت قيم اجتماعية وتلاشت أخرى.

من أبرز كتاب العبث

يوجين يونيسكو البلغاري وبيكيت وارثر أداموف  الروسى  وجان جينيه الفرنسى  والانجليزيان هارولد بنتر وسمبسون والمخرج السينمائي والكاتب المسرحى الاسبانى فرناندو ارابال الذي اضاف لمسرح العبث من الاعمال الهامة ما يكفي كمسرحية فاندو و ليز و  المهندس و امبراطور آشور و قد قدم شكلاً مختلفاً للعبث  قام فيه بتوضيح المدرسة العبثية و تفاصيلها  كما اكد على طبيعة شخصياتها المتناقضة.

فقد حاول بيكيت أن يطرح من خلال نصوصه المسرحية أزمة الإنسان ووحدته، ويأسه في المجتمع الذي يعيش فيه وهذه النظرة التشاؤمية عند بيكيت جاءت نتيجة إحساسه بعبثية الحياة وخلوها من أي منطق لأن أحداث الحياة لها نفس الشكل المكرر والزمان أحداث متتابعة لامعنى لها يندمج كل منها بالآخر بلا وعي ليصعب تمييزها وهذا ما يمكن ملاحظته في مسرحيتي في انتظار جودو ونهاية اللعبة إذ يلاحظ فيهما ما تتسم به الحياة من تكرار ورتابة وانتظار وزمن خامل ليس له تأثير، فالشخصيات الرئيسة ستراجون وفلاديميرفي مسرحية في انتظار جودو وهام وكلوف في نهاية اللعبة يحاولون العيش لأن عليهم أن يعيشوا على الرغم من رفضهم الحياة، ورغبتهم بالموت لكنهم غير قادرين أن يقتلوا أنفسهم فيظلوا يعيشون ضجراً وسأماً.

ونرى أصبح هذا الأدب لا يهتم بمشكلات سلوكية أو أخلاقية ولا يهدف إلى عرض مصائر الشخصيات كما لايكترث بعرض الأحداث في شبكة تامة الخيوط تدور حولها قضية أو أزمة في صراع درامي هرمي وإنما يكتفي بإعطاء صورة حدسية في شكل مسرحي لموقف الإنسان في هذا العالم ويحاول الإجابة عن أسئلة ميتافيزيقية تؤرق روح الإنسان في بحثه عن معنى الوجود ويسعى لعرض العلاقات المفككة وانقطاع أواصر المحبة والتفاهم بين البشر وهذا ماحاول يونسكو طرحه، من خلال مسرحية اميديه التي صوّرت الزوجين اميديه ومادلين وهما منعزلان في شقتهما لسنوات مع جثة في إحدى غرف الشقة تنمو باستمرار حتى تملأ عليهما المكان لقد حاول يونسكو في هذا النص أن يصور مأساة الرجل والمرأة، اللذين لا يعرفان كيف يحبان بعضهما و لا يستطيعان أن يتبادلا الحب وذلك لوجود الجثة التي تنمو والتي ترمز الى اتساع رقعة البغضاء وانقطاع المحبة والتواصل وصوّريونسكومأساة الإنسانية التي يبحث عن نصفاها و قد انفصل كلا منهما عن الآخرليشكلا كائنا واحدا دون جدوى اميديه ومادلين في رأي يونسكو هما ادم وحواء أما الجثة فهي الخطيئة الأصلية وقد برز لهذا الأدب عدة سمات من خلال كتابات رواده، وهي إن هذا الأدب ساخر وناقد للأساليب الزائفة، في الحياة ولا يؤمن بالنظام الذي يخضع له الوضع الإنساني ويحاول أن يكشف وحشية الإنسان المخيفة المختفية وراء ظاهره  كذلك اعتمد كتّاب هذا المسرح على أسلوب التهكم ولاسيما عندما يحاولون تفريغ الواقع من إطاره المألوف والتعبير عمّا يدور في هذا الواقع من روابط وعلاقات غير عادية وغير متوقعة.

وقد برزت السخرية في هذا المسرح بوصفها سلاحا قويا في توجيه الازدراء إلى الرياء والنفاق في المجتمع

مسرح العبث في إفريقيا

العبثية في المسرح هي حالة عامة وجدت بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص بسبب أزمات الإنسان الوجودية وتصدّع المبنى والمعنى الانساني للوجود متأثرة بالمخاوف البشرية من التطورات السلبية العالمية الكبرى المتمثلة بالحرب وشبح الموت وانعدام الاستقرار الامني والاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي واولى المسرحيات العبثية هي مسرحية الطريق لكاتبها النيجيري وول سوينكا اول افريقى  حائز على جائزة  نوبل فى الادب (1986) وهو أول إفريقي يحصل على الجائزة .
وهى مسرحية عبثية يبحث فيها الأستاذ بطل المسرحية عن كلمة
وهى في الواقع مجاز للبحث عن أزمته الوجودية و المسرحية ليست سوى  عبارة فلسفية عن مشكلة الوجود.


تعرّف كتابات وول سوينكا الحياة على أنها فراغ في البحث عن المعنى نظرًا لأن وجود الإنسان لا معنى له  فإننا نجد أن بحث الأستاذ عن “الكلمة” يأتي عبثاً وينتهي بموته حيث يظل العثور على “الكلمة” أو معنى الوجود سؤالاً غامضاً.

أما إطار المسرحية العام فهو دراما فلسفية ذات معنى كوميدية  تدور حول الفساد السياسي والاقتصادي والضياع المجتمعي في محاولة ردع الفساد أو محاربتة أو على الأقل العيش بسلام في ظلّه.


★صحفي-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى