سينما

نهى إبراهيم: متى يحين وقت الاعتزال؟

نهى إبراهيم ★
يا إلهي ما أصعب تلك اللحظات؛ التى يواجه بها الفرد ذاته بغضب معلنًا انتهاء فترة طويلة من حياته؛ بعمل ما أو مهنة معينة،  يبتسم للآخرين بصبر؛ لكنه بتلك اللحظة يقاوم ذلك الاحتراق داخله، عيونه تبرق وزملاؤه يودعونه بحزن، وهو يتحامل على ذاته المكلومة؛ بابتسامة فاترة، وأيدٍ باردة لا تستطيع أن تستدير بكاملها حول أحدهم، ذلك العمر، وهو ينساب أمام أعينهم؛ وكأنه سراب لم يكن يومًا ما؛ التاريخ الطويل، وتلك المناقشات مع هؤلاء الشخصيات؛معارك ،حروب، وانكسارات، فنجاحات تقوده فى النهاية  أن يترك ذلك الكرسي مرغمًا؛ لكنها الحقيقة؛ فقد حان الوقت الاعتزال !

نهاية الفصول

لقد عايشنا كثيرًا من حالات يتوارى بها البطل عن مسرحه؛ تاركًا إياه بجميع شخوصه وأحداثه، البعض يكون مكترثًا، والآخر متواريًا بعيدًا جدًا خلف الستار؛ ليعيش مرحلة جديدة بعمره؛ الذي قد يكون هو نهاية الفصول بكتاب أحدهم؛ فى حين هو البداية برواية الآخر 
بعالم الفنون كانت حالات الانزواء كثيرة، ومتعددة بعضها قديم، والآخر حديث .

“ليلى مراد” ..الاختفاء الذكي

قيثارة الغناء “ليلى مراد” كانت من أروع التجارب النسائية الفنية بذاك الوقت، وحتى وقتنا هذا، اِمتلكت صوتًا ملائكيًا رقيقًا مختلطًا بابتسامتها الساحرة؛ التى أكسبتها رونقًا ليس كسابقه من المطربات بتلك المرحلة، أو ما قبلها، تعددت محاولات “ليلى مراد” بالسينما، والغناء؛ فكان لها سيلٌ من النجاحات المتتالية، كانت هي من أوائل الفنانات اللواتي لحق اسم الفيلم باسمهن، فكانت ( ليلى بنت الشاطئ، ليلى بنت الريف، ليلى بنت الأغنياء) وغيرها من الأفلام الناجحة؛ التى لا تزل من العلامات بالأفلام الاستعراضية إلى يومنا هذا، لكن الحال لا يدوم كثيرًا؛ عندما تتحدث عن البريق، فهو ببعض الأحيان ينطفئ قليلًا،  وهناك من يتجاوزه بالإدراك التام  لتلك الحقيقة ،  وغيره لا يستطيع، ويتوقف حائرًا أمامه، اِنتبهت “ليلى مراد” لعدم تحقيق أكثر من فيلم لها النجاح البراق المعتاد؛ ففهمت الدرس جيدًا، واتخذت طريق الاعتزال مبكرًا جدًا؛ تاركة خلفها إرثًا من الأعمال الغنائية؛ التي تُعد من الأيقونات الخالدة، اِستكملت حكايتها برعاية أبنائها؛ مكتفية بما قدمت بالسابق …فظلت، وستظل كقطعة ألماس رائعة؛ يحتفظ بها صاحبها بعيدًا كى لا تضيع هباء ..


“سعاد حسني” …ذكرى مؤلمة

كانت سعاد (أخت القمر) هي الأولى بعصرها؛ التى طغت براءتها على أي اعتبارات أخرى، اِستحوذت على القلوب بسهولة كبرى، صنعت تاريخًا طويلًا من الأفلام التي بدأت خفيفة (شباب مجنون جدًا ، عائلة زيزي ، إشاعة حب) ثم استكملت الرحلة بأفلام ( صغيرة على الحب، خلى بالك من زوزو ، أميرة حبي أنا، شفيقة ومتولي، حب فى الزنزانة)، ثم أنهت السلسلة بفيلمي الراعي والنساء، والدرجة الثالثة) اللذين تشعر خلالهما بهالة الاعتزال، وهي تدور حولها، فنجد ذلك الحزن على شريط سينما محبوب؛ لكنه المرض هو ما يضعف المرء لكثير من الأحيان؛ ليحيله إلى انسان غير قادر على الإدراك، أو استيعاب خطورة موقفه،  فهى لا تزل تمتلك الكثير؛ لكن ثَمَّةَ عائق كبير يحول دون إتمام ذلك الأمر، فكان التواري أثر رحلة علاجية طويلة؛ كانت تحاول فيها العودة إلى الوراء لسنوات طوال؛ لكن من بيده أن يعيد دقات الساعة إلى الأمام، إنه العمر سريعًا ما يتدفق كنهر سريع؛ يلتهم بسرعة كل ما يأتى أمامه؛ ليترسب بنهاية الطريق، حتى صعق الجميع بمصرع السندريلا الجميلة، وخبر إلقائها من شرفة الدور السادس بمبنى “ستوارت تاور” في لندن، بالمملكة المتحدة يوم 21 يونيو (2001)، فكان لصوت الاعتزال دوي كبير هذه المرة، فهذه المرة يتحطم كائن بشري بكامل قوته؛ سواء بإرادته، أو رغمًا عنه كونه غير قادر على المواصلة …لقد كانت السندريلا تعزف بعيون حزينة، وكنا دائمًا فى حيرة من حزن عيونها؛ لكن لم تلبث نهايتها إلا أن تثبت ما قامت به الأقدار بسطور حياتها .


“صلاح السعدني”، و”عادل إمام”

تاريخ طويل ربط بين أسطورتين عظيمتين؛ جمعتهما أروقة كلية الزراعة، فتقاسما الشغف؛ فكان الظهور المتدرج لـ”عادل إمام”؛ الذي سرعان ما ذاع صيته؛ فى حين بدأ “صلاح ” متأثرًا بطريق أخيه الصحفي الكبير الساخر “محمود السعدني”؛ فكانت خطواته متأرجحة نوعًا ما؛ حتى توالت أعمال الثنائي، وكان السعدني” و”إمام” كما لم يكن فنانَيْن من قبل، أحدهما امتلك الدهاء الفني، فى حين تقلَّد الآخر الثقافة والإدراك؛ اللذين جعلا منه نسخة لم ولن تتكرر، أحدهما انتزع الضحكات، وصال بعقول المشاهدين؛ عابرًا لكل الأدوار،  فى حين رسم الآخر طريقًا كان من الصعب المضي به؛ فكانت سلسلة من الأعمال الخالدة لكليهما، دارت السنوات؛ والعمدة يسيطر على خارطة الدراما؛ فى حين يصعد الزعيم ببدلته عاليًا جدًا بقلوب الجماهير العريضة، اِمتلك أحدهما مكانة محترمة لكل من ينظر إليه؛ بسحر كلماته، وتسلسلها بالفصحى؛ فى حين تربَّع الآخر على العرش بكل قوة …توقَّفَ “السعدني” بعد مسلسل “القاصرات” واكتفى بما قدَّم من أعمال لم يكن لها شبيه من قبل؛ فى حين تلاه صديق العمر بعد سنوات معلنًا الاكتفاء هو الآخر.

الاعتزال والتقاعد وجهان لعملة واحدة؛ تضرب بقلب صاحبها، تجعله حزينًا تارة، وتائهًا تارة أخرى، متخبطًا ببعض الأوقات، راضيًا بوقت آخر ، إنه الوقت الذي سريعًا ما ينفذ؛ ككل شيء بتلك الحياة .


★كاتبة-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى