إذاعة وتليفزيون

شيماء مصطفى: “جودر”  بين جرأة التمرد على المألوف ومصيدة المقارنات!

شيماء مصطفى ★

تظل ألف ليلة وليلة أرض خصبة ومادة خيالية ثرية لا تنفد، إذ ينهل منها الجميع أفكارهم ، ويستمد منها المؤلفون معالجتهم الدرامية التي ينتظرها المشاهدون، كون أبطالها نجحوا في هزيمة الواقع.

في النصف الثاني من السباق الرمضاني تم عرض مسلسل (جودر)  بطولة:  ياسر جلال، ياسمين رئيس، نور، وأيتن عامر، بالإضافة إلى النجوم الكبار رشوان توفيق، وعبد العزيز مخيون، و عايدة رياض، ومن تأليف أنور عبد المغيث، وإخراج إسلام خيري.


العمل معالجة جديدة لحكاية “جودر بن عمر المصري” الموجودة ضمن حكايات ألف ليلة وليلة،  ويدور  حول  جودر بن عمر المصري الذي يتمتع بكل صفات البطل في مخيلة المشاهد كونه شخص خيّر، وشجاع فتنقذه أعماله وصدق نواياه من قوى الشر التي لاحقته عقب فض شراكة محل بيع الأقمشة مع شقيقه، وتتوالى الأحداث ويضطر جودر للهروب من المركب ويذهب لمدينة النحاس ويفك سحر الملك بيناس، ثم يعود لحبيبته ووالدته ثم يخسر أمواله مرة أخرى بعد حرق شقيقه لمحله التجاري.


لعب صناع العمل في معالجة جودر على عدة ثيمات بدايةً من اسم العمل الذي حمل اسم جودر على عكس الأعمال السابقة التي حملت اسم ألف ليلة وليلة، وتعددت بها الحكايات، فأصبح جودر البطل الرئيسي المحرك للأحداث وليس شهريار، فكان ذلك بداية التمرد على المألوف في مخيلة المشاهد، ولزيادة جرعة التمرد فإن جودر مصريًّا والأحداث تدور بأرض مصر، تمرد آخر برز خلال العمل وهو التحرر من الحوار المسجوع الذي اعتدناه في ألف ليلة وليلة، حتى في مرات ظهوره القليلة كان مألوفًا، ولا يزيد عن المقدمة المعروفة بلغني أيها الملك السعيد…، كما اختلف في عرضه عن الحلقات التي تألقت بها الحكاءة “جنة عادل” في برنامجها على اليوتيوب (السحلة).

أهم ما يميز الدراما الخيالية هي أنها لديها فرصة أكبر لتفادي فخ المقارنات التي تقع فيها الدراما التاريخية، ومع ذلك وقع العمل في مقارنة أخرى، إذ وضع ياسر جلال في مقارنة مع حسين فهمي، وياسمين رئيس مع نجلاء فتحي، رغم أن العملين مختلفين بشكل كبير، ليس فقط على مستوى الأداء ولكن في الكتابة والديكور والإخراج أيضًا.

سبق وأن قدم ياسر جلال من قبل أدوارًا تاريخية إذ قام بدور البطولة في مسلسل بيبرس عن سيرة السلطان المملوكي بيبرس البندقداري، ولهذا فكونه يؤدي دور شهريار فأداء دور السلطان ليس بجديد عليه، وإن كنا بصدد مقارنة كان من الأجدر أن تكون مقارنة أداء ياسر جلال في العمل نفسه في التنقل بين شخصيتي شهريار وجودر، فلا يمكن غض الطرف عن الجهد الذي بذله ليقنع الجمهور بقدرته على الخروج من عباءة كل شخصية حين يجسد الأخرى، ورغم ذلك كان هناك بعض الهنات، ليست بأداء ياسر قدر وجودها في رسم شخصية البطل كشخصية مثالية،  لم ترتكب خطأً سوى ثقتها التامة وحنينها الجارف للشقيقين اللذين لا يتوقفان عن المكر وتوريط جودر، فبدا جودر متخاذلًا أكثر من كونه حريصًا على شقيقيه؛لذا فالسؤال هنا لماذا لم يشمل التمرد شخصية جودر نفسه، إذ كنا تمردنا على ما هو أصعب؟ ولماذا اعتقد صناع العمل بأن الاختلاف بين شكل ذقن شهريار، وذقن جودر  كفيل بأن يقنع المشاهد بأنه أمام شخصيتين متباينتين؟ أو أنه يرتدي طاقية الفلاحين رغم أنه صياد؟

حاولت ياسمين رئيس هي الأخرى تقديم أفضل ما لديها – وإن تشابهت ملابسها بملابس ناعومي سكوب في دور الأميرة چاسمين في فيلم علاء الدين مع ويل سميث ومينا مسعود- خاصة أنها  أمام أول تجربة لها مع هذه الأعمال ، ولكن آفة خيالنا أننا نختزل شهزاد في الجمال، فلم تتشبع ياسمين بالشخصية وتكوينها الأيدلوچي وعقليتها الثعلبية وثقافتها الواسعة التي سحرت شهريار ، فالعلاقة بينهما تجاوزت الجمال، والرقص، والتدلل الذي حاولت أن تبديه شهرزاد في مشاهدها مع شهريار؛ لذلك كنا نود لو كانت شهرزاد كتلك التي طبعتها في مخيلتنا فاطمة المرنيسي في إصدارها (شهرزاد ليست مغربية) التي توغلت بشكل أعمق داخل عقل شهرزاد.


أما نور فقد تشابه أداؤها في تجسيدها للشر بدورها في فيلم الرهينة أمام أحمد عز وماجد الكدواني،صلاح عبد الله.

وبخصوص وليد فواز فلا جدال على أدائه، إذ نجح في تقديم دوره بشكل متقن ، فهو يمتلك موهبة متفردة يتمكن من خلالها في إقناع المشاهد به.



وعن موسيقى شارة البداية فقد مزج عزيز الشافعي بسلاسة بين القديم والمعاصر فاستطاع أن يمهد للمشاهد الولوج في أجواء العمل دون اغتراب، ثم انتقلت باقي أجزاء المهمة إلى الموسيقى التصويرية والجرافيكس الذي شكل نوعًا من الإبهار إضافة إلى الملابس، أما عن الديكور لأحمد الفايز  فقد كان متميزًا في فنتازيته متناغمًا مع باقي العناصر. وبالنسبة إلى الإضاءة فرغم أنها جزء من درامية الأحداث إذ تمنحها الإيحاء المناسب في الوقت المناسب، لكنها في بعض المشاهد لم تكن مبررة في سياقها بسبب إظلامها وغموضها في بعض المشاهد أو وجود إضاءة من خلال الشموع رغم تسلل الضوء الطبيعي عبر النوافذ الزجاجية ،وهي بالمناسبة انتشرت في معظم الأعمال الدرامية هذا الموسم، فلم يقتصر الأمر على جودر وحسب.

أما بخصوص الشجرة المتحدثة فثمة تقارب شكلي بينها وبين شجرة سلسلة هاري بوتر  تحديدًا هاري بوتر وسجين أزكابان، لولا أداء إنعام سالوسة الصوتي الذي جعلنا نغض الطرف عن هذا التقارب.

لكن وبالرغم من  تلك  الملاحظات إلا أن جودر تجربة جديدة حملت في طياتها روح التمرد، وهو واحد من أفضل الأعمال التي تم عرضها في الموسم الحالي.


★سكرتير التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى