رأي

د.سعداء الدعاس: ليلة القبض على ” د.سيد علي”!

د. سعداء الدعاس★

هذا ما كان سيحدث بالضبط:     

“بابتسامته المعهودة، سيخترق د. سيد علي إسماعيل مطار الكويت الدولي، سعيداً بوصوله للبلد الذي يُحب، والذي ترك في ثناياه الكثير من ذكرياته، حين كان يُقيم فيه لسنوات طويلة، يُعلِّم أبناءه، كأستاذ في قسم النقد والأدب المسرحي، في المعهد العالي للفنون المسرحية.
بخطواته المميزة، سيَشبُر د. سيد أرض المطار، باتجاه بوابات العبور، بنوايا طيبة واستعداد كبير للقاء الأحبة والأصدقاء من ضيوف المهرجان، الذي دُعي إليه هذا العام، ودون أن يعلم بالكارثة التي تنتظره، سيمد يده بجواز سفره، الذي يُزين غلافه (نسر) أرض الكنانة، تلك البلاد، التي لولا ابنها (زكي طليمات) لما كان في الكويت معهداً مسرحياً من الأساس.

سينظر د. سيد، للفتاة الكويتية الجميلة، التي تجلس خلف كاونتر الجوازات، والتي ستخبره بأدب جم، ولطف كبير:”حضرتك ستنتظر معنا قليلاً”!
وبلا تذمر أو قلق، سينتظر د. سيد، لأنه يدرك تماماً أن هناك لبس ما، فأرض الكويت دائماً تفتح ذراعيها له، ولجميع المسرحيين، والضيوف العرب… لكن الانتظار سيطول، ومن ثَمَّ ستأتي الصاعقة: “عفواً دكتور.. عليك أمر قبض وإحضار”!

عندها.. حتماً ستدور الدنيا بالدكتور سيد علي إسماعيل ، وستتصارع الأسئلة في رأسه المكتظ بعلامات الاستفهام: كيف؟! ولماذا؟!

ستتضاعف حيرة موظفي المهرجان، الذين جاؤوا لاستقبال د. سيد، وجميع الضيوف، وستمر عليهم ساعات الانتظار كالأيام، لكنهم سيخفون وجوههم حرجاً، بعد أن يكتشفوا السبب الذي لم يتوقعوه على الإطلاق: أحد أبناء المعهد الذي كان يعمل به د.سيد، وأحد المشاركين في مهرجان العام الماضي، تقدَّم بشكوى ضد د. سيد، بسبب تعليق قاله في إحدى الندوات التطبيقية للمهرجان، وقد كسب القضية!”

نعم.. كل ما سبق ذكره في (المشهد المُتخيل) السابق، كان بانتظار د. سيد علي إسماعيل، أحد ضيوف مهرجان هذا العام، لولا أن أنقذته عدالة القضاء الكويتي… فما الذي حدث منذ البداية؟!

قبل عام، تقدَّم أحدهم بشكوى للنيابة العامة الكويتية، ضد د. سيد علي إسماعيل، والسبب حسب ما ورد في الدعوى، أن د. سيد، ذكر اسم الشاكي في إحدى الندوات التطبيقية لمهرجان العام الماضي قائلاً: “فين فلان؟ ليه مش موجود في الندوة؟!”… نعم ذكر اسمه فقط!؟ وتساءل عن سبب عدم وجوده في الندوة فقط ؟! لم يشتمه، ولم يُهِنْه، ولم يسيء إليه!

أمام هذا النوع من الشكاوى التي لا ترقى للمناقشة حتى، قامت النيابة العامة الكويتية الواعية، بحفظ القضية، ومن ثَمَّ قام القضاء الكويتي العادل، بتأييد الحفظ، ورفض تظلُّم الشاكي، شكلاً وموضوعاً.
رغم الإنصاف الذي كنت على يقين من أنه سيكون من نصيب د. سيد، ومن نصيبي (كون الشكوى شملتني أيضاً، إضافة إلى شكوى، وقضية أخرى، سنأتي على ذكرها لاحقاً)، إلا أن المؤلم في الأمر، أن د. سيد، لم يكن يعلم عن تلك القضية على الإطلاق، حتى أنا، كنت أعتقد لشهور عديدة، بأن ورود اسمه أثناء التحقيق معي في تلك القضية في المباحث الجنائية، والنيابة العامة، جاء بصورة عرضية، لا أكثر.

في سبتمبر 2023، وأثناء تسلّمي للحكم النهائي من المحكمة، صُعقت بقراءة اسم د.سيد، تحت اسمي على ورقة الحكم، وتألمتُ كثيراً من الإحساس، الذي سينتابه عند معرفته بالمعلومة، التي لا بد أن يعرفها من خلالي قبل أي إنسان آخر؛ فكيف أخبره بأن أحد أبناء المعهد الذي عمل به د. سيد، أستاذاً لسنوات طوال، شكاه للنيابة العامة، فقط لأنه تساءل عن أسباب عدم وجوده في الندوة التطبيقية، وحينها أذكر أن هناك أصواتاً قفزت من بين الجمهور، ومنعت د.سيد (ضيف المهرجان، وضيف الدولة) من استكمال سؤاله.

أما الطامة الكبرى، فتكمن عند حسابي للسنوات الدراسية للشاكي، حيث اكتشفتُ أنه (ومن حرَّضته على تقديم الشكوى أيضاً) درسا على يد د. سيد علي إسماعيل، وتلك كارثة أخرى، ربما تحتاج لمقال آخر!

رغم بشاعة الموقف، إلا أن الألم وصل إلى أعلى مراحله – بالنسبة لي- حين تذكرتُ بأن د. سيد، كان مشاركاً في ندوة (افتراضية) مع الشاكي في يوليو 2023، دون أن يعرف د.سيد، بأن الشاكي لم يكتفِ بالشكوى الأولى، بل قام في هذا الشهر تحديداً (يوليو) بالتظلّم على حكم النيابة العامة، ساعياً بكل طاقته لإدانة د.سيد، الذي كان أثناء الندوة الافتراضية، كما نقول باللهجة الكويتية “يا غافلين لكم الله” يتناقش والشاكي حول محاور الندوة، ولا يعلم بأن الذي يتحاور معه، يخبئ خلف ظهره سكيناً حادة!

اِتصلت بالدكتور سيد، وأخبرته بالقضية، وتوابعها، وبالحكم النهائي، الذي جاء لصالحه ولصالحي، ورغم السعادة التي غلَّفت صوتي حينها، جَرَّاء حفظ القضية، إلا أن د.سيد، ظل لأكثر من نصف ساعة في حالة من الذهول، خاصة وأنه كان قد نسي تماماً ما قاله أثناء الندوة! وبعد أن ذكّرته بكلماته تلك (السؤال البسيط: فين فلان؟ ليه مش موجود في الندوة؟!)، لم يستوعب الحدث بأكمله؛ كيف لأستاذ في (النقد) أن يتجه للشكوى لدى النيابة العامة بسبب سؤال اعتيادي قيل في ندوة عامة!؟ رغم أن ذلك التساؤل لم يتضمن أية إساءة من أي نوع كان!؟ ماذا سيفعل هذا الشاكي، لو أنه حضر ندوات أخرى مشتعلة بالنقاش الحاد؟! هل سيشكو كل من يناقشه في الندوة!؟ ماذا سيفعل لو أن الجمهور اعترض على ورقة علمية قدَّمها في مناسبة عامة؟ هل سيشكو الجمهور في النيابة العامة؟!

حين تحدثت مع د. سيد، كنت خجلة جداً، كونه درَّسني، ودرَّس الشاكي يوماً ما، كما أنه حين طرح سؤاله ذاك (سبب الشكوى)، كان ضيفاً عزيزاً، مشاركاً ضمن فعاليات مهرجان محترم، يجدر به أن يحمي ضيوفه، ويمنحهم حصانة التعبير عن الرأي، دون أن يتضرروا بأي شكل من الأشكال.

هل يُعقل أن يصل بنا الأمر لأن نشكو ضيوفنا!؟ هل يصل الأمر بمن يُدرِّس (النقد) أن يعترض على (النقد)؟ لا عبر ميكروفون، أو عبر مقال، إنما عبر شكوى مقدمة للنيابة العامة، ضد أستاذه، وضد زميلته؟!
لكن الله دائماً بالمرصاد لكل من يرتاد مجالاً لا ينتمي إليه، ولا يؤمن به، وهذا ما حدث تماماً، فكل من أراد عبر تلك الشكاوى أن يقمع النقد الذي (يُفترض) به أن يمارسه في قاعة الدرس، قاصداً من وراء ذلك إيصال رسالة (ترهيبية) للوسط الثقافي، والنقدي على وجه الخصوص. وكل من يسعى – في محاولة بائسة – لتوجيه ضيوف الكويت للمجاملة والنفاق، جاءته رسائل النيابة العامة الكويتية، ومن ثَمَّ القضاء الكويتي العادل، واضحة، ومباشرة، ومنصفة، لتؤكد عبر قرار صريح على حرية الرأي، في بلاد الحرية والرأي.


★مدير التحرير .

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى