مسرح

منيرة العبد الجادر: هل “كان يومًا أسود”؟!

منيرة العبد الجادر ★
كثيرًا ما نسمع عبر اللقاءات التلفزيونية أنه من الصعب تقديم عروض المهرجانات ضمن المسرح الجماهيري في الكويت، لكني أعتقد بأن تلك المقولة قد نُسفت على يد مجموعة من المخرجين المسرحيين الشباب مثل: عبدالعزيز صفر، محمد الحملي، يوسف البغلي، وبدر الشعيبي الذي شاهدنا له مسرحية “يوم أسود” أيضًا، تأليف مريم نصير. وقد ذكرتني تلك المسرحية مباشرة، وبعد مرور ما يقارب النصف ساعة من أحداثها بمسرحية (الساعة التاسعة) التي قدمت ضمن مهرجان العام الماضي، ربما لكونها لنفس المؤلفة والمخرج.


بدأ عرض “يوم أسود” بتنبيه صدر عن شخصية (عزيز) الذي ردد كلمة “بدا العرض”، وما إن تفتح الإضاءة نجد عددًا من الممثلين يركضون بطريقة عشوائية، ومن ثم يجتمعون في بقعة دائرية منتصف الخشبة، كأنهم كرة ثلج، وهو المشهد الذي فاجأ الجمهور وجعلهم يتفاعلون بالتصفيق طويلًا.
تتناول المسرحية، المشاعر التي تعتري الأم (نوف) والأب (عبد الله) بشأن ذكرياتهم مع ابنهما الغائب عنهما، وكنوع من التعويض تقرر الأم الاتصال بشركة لتأجير ممثل بمواصفات محددة ليلعب دور ابنهما.

تتحقق المفارقة بحضور شخصية (عزيز) الحالم بالنجومية واعتلاء خشبة المسرح إلا أن أمنياته قد تبدلت بالنزول من العلبة الإيطالية وتسجيل الدخول إلى منزل ذو أربعة جدران.
طريقة الترحيب الحارة بعزيز جعلت العم وزوجته يأتون مع أبنائهم ولا يتركونه لوحده يتبعونه حتى للاستحمام يعيدنا هذا التصرف لطفولة الابن وتعلقهما به، وإذا بشخص غريب يقنع عزيز بأنه سارق ويود الهروب لكن حين يمشى أمام الأسرة لم يشاهده أحد وبالنهاية نكتشف بأنه مجنون والجميع يتجاهله ولا يراه.

لعب المخرج على تكنيك الإضاءة في أحد المشاهد عندما كانت شخصية عزيز غارقة في صخب الأسرة وإزعاجهم، حيث يتم تسليط إضاءة تعبر عن الحديث مع النفس، بينما يعم الهدوء، تُفتح الإضاءة فتزداد الضوضاء، وتتكرر الحركة مما خلق منها كوميديا موقف جميلة، ولا نغفل عن دور الأب عبد الله بحسه الفكاهي العالي الذي لم يخرج ‏عن إطار المسرحية.
لكننا في المقابل لاحظنا تكرار المواقف والحوارات التي ارتبطت بشخصية العامل من الجالية الهندية، والتي تعبر عن سوء الفهم في بعض الحوارات بهدف الوصول إلى الكوميديا، وهو أمر لم يخضع للتجديد ‏في أغلب المسرحيات.
أيضًا لاحظنا جمود الممثلين (عددهم 8 أشخاص)، ففي بعض المواقف كانوا يقفون إلى جانب بعضهم دون فعل، وأحيانًا أخرى يقومون بافتعال ضوضاء مبالغ بها، ربما المخرج تشبث بفكرة توظيف المجاميع كما كانت في عروض المهرجان إلا أنها وفقت جدًا بالمهرجان لكن جماهيريًّا سببت نوعًا من التشتت.


تميز السينوغرافيا
أجمل ما في سينوغرافيا العرض، فكرة الستار الفاصل بين قطع الديكور بحيث أكد للجمهور فكرة التمثيل الذي لا ينطوي على مكان أو زمان محدد، حيث جذب انتباهنا موضوع إسقاط أسماء الممثلين على الشخصيات مما خدم فكرة المسرحية للتأكيد على أن كل إنسان قد يتعرض لألم الفقد، وتحديدًا المعايشة في دوامة الإنكار ‏الناجمة عن الصدمة وعدم الخروج منها سواء كانت مؤقتة أم دائمة.
ختمت المسرحية بغناء الأسرة لأغنية عيد الميلاد، بالتزامن مع الساعة التاسعة، فتوقف (عزيز) عن التمثيل لتتبعه الأم وهي تبكي، طالبة منه البقاء قليلًا، بينما يرفض هو، فيستهزىء به الأب وبانفعالاته كممثل، وهنا عبر الممثل عن معاناته، للحصول على تقدير وتشجيع الجمهور، وقيمة الإنسان التي تتلاشى في ظل العالم المادي، حيث باع هذا الممثل جزءًا من حياته مقابل مبلغًا من المال لتقمص حياة شخص آخر طوال اليوم.. والذي كان بالنسبة لنا كمتلقين، يومًا ممتعًا وليس أسود!



فريق العمل:
إخراج: بدر الشعيبي
تأليف: مريم نصير
تمثيل: عبد الله الخضر، عبد العزيز النصار، خالد السجاري، خالد الثويني، حصة النبهان، نوف السلطان، وآخرين.


خريجة قسم النقد والأدب المسرحي-المعهد العالي للفنون المسرحية-الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى