نهلة إيهاب: مسرحية “بيت روز” متعة فنية تهدف إلى التغيير.


نهلة إيهاب ★
من خلال العودة لعالم واقعية الفن، وشاعرية الكلمة، وصدق الإحساس، يطالعنا العرض المسرحي “بيت روز”، الذي يقدِّمه مسرح الطليعة في القاهرة، تأليف وإخراج محمود جمال حديني.
عرض مسرحي فني، يأخذنا في رحلة مع الممثل، ومن الممثل باعتباره حقلاً حافلاً بالمشاعر، والأحاسيس، والاِنفعالات، فالقضية التي يثيرها العرض، قضية متعلقة بالمرأة، التي بدورها ترمز لما هو أبعد وأشمل من ذلك.
يُطِلُّ علينا العرض بأربع فتيات تربطهن صداقة قوية منذ فترة ليست بقصيرة، يلتقين في مقهى (كافيه) تدور بينهن حوارات ومناقشات حول الكثير من قضايا المرأة، فالقضية الرئيسية في العرض، تتعلق بفكرة الزواج بحثاً عن السند والشريك، حيث يبدأ العرض بمناقشة فتاة على موعد للقاء بشاب تقدَّم لخطبتها على الطريقة التقليدية (زواج الصالونات) تحاول أخذ آراء صديقاتها التلاث، فمنهن من تؤيد، وتتمثل في (الفتاة المتزوجة)، ومنهن من ترفض وبشدة، وتتمثل في (الفتاة المنفصلة لأكثر من مرة)، وهناك من تتأرجح بين القبول والرفض، وتتمثل في (الفتاة التي لم يسبق لها الارتباط بأي شكل من أشكاله) من هنا يطرح العرض، العديد من القضايا الأخرى مثل ( العنوسة ، والعنف الزوجي، ونظرة المجتمع للمطلقة …)

كما يتناول العرض قضايا مجتمعية، مثل السوشيال ميديا، وآثارها على الطبيعة الإنسانية، ومن هنا تخترق طبقات أعمق من معنى الوجود الإنساني داخل دائرة الوجود الاجتماعي، فترجم ذلك على خشبة المسرح، من خلال الديكور المسرحي (ذي الشكل الطبيعي، لا الهندسي) الذي اعتمد على منضدة دائرية، تجلس حولها الفتيات، والجمهور ملتف حولهن في وضع المراقب المحلل، وأحياناً الحكم المصدر للأحكام، فالجمهورهنا بالفعل مشارك في أحداث المسرحية، وجزء من الديكور المسرحي، وقد حرص على ذلك المخرج والمؤلف، للعمل من خلال مشاركة بعض عبارات الممثلين للجمهور.
كما نرى على خلفية المشهد ؛ شاشة عرض متوسطة الحجم، تعرض فيلم” الباب المفتوح” للمخرج هنري بركات، والذي تم إنتاجه عام 1963، بطولة سيدة الشاشة “فاتن حمامة” ، وهنا عرض المخرج المَشاهد فقط، دون صوت حتى لا يشتت ذهن المتفرج، ويتيح الفرصة لخياله، لكي ينسج دلالات جمالية جديدة للعرض المسرحي ؛ كما لو أنه أراد أيضاً أن يعيد طرح الكثير من قضايا ومشكلات المرأة، التي طرحها الفيلم في ذلك الوقت، ولم نجد لها حلولاً حتى الآن.

فهذا التكنيك يجعل المتفرج في حالة يقظة دائمة، متأملًا ما يحدث ثم مفكراً ثم مغيراً، ولذلك جاءت جميع عناصر العرض من( ديكور ، وموسيقى ، وإضاءة ….) متضافرة لخدمة الحدث المسرحي الأهم.
من المؤكد أن العنصر الأبرز في هذا العرض، بعد النص المسرحي الرائع – الذي ليس بجديد على كاتبه – هو العنصر التمثيلي المعبِّر بشكل راقٍ، بإحساس مفعم بطاقة الممثل الواعي، باستخدام أدواته الداخلية والخارجية، متمثلاً هنا في بطلاته: (سالي سعيد ، سماح سليم ، نادية حسن، هاجر حاتم بالاشتراك مع مريم عيد ).

وفي النهاية يقودنا العرض المسرحي “بيت روز”، إلى التوغل داخل أعماق النفس البشرية، وبالأخص (المرأة) في موقف شعوري يجمع بين بطلاته، في محاولة كلٍ منهن لخلق حلقة من التواصل مع الذات ، والآخر والمجتمع، من خلال مجموعة من الحوارات والمناقشات الصادقة، وما يتخللها من شد وجذب، وكأنها أسهم من الحقيقة، تنفذ إلى أعماق المتفرج، لتحقيق مرحلة الوعي المطلوب.
★ناقدة-مصر.