شيماء مصطفى: نجمة واحدة قد تكفي للكويتية”باسمة العنزي”.. حين يصبح كل شيء بين مخالب التقييم.
شيماء مصطفى ★
ماذا لو أصبحت أنت نفسك سلعة مستهلكة خاضعة للتقييم؟ هل سيمنحونك: اثنتين، ثلاثة، أربعة، خمسة؟! ماذا لو كانت نجمة؟
حين أتعامل مع منتج ما، أو عمل ما سواء المعروض سلعة أو خدمة أو منجز أدبي أميلُ بشكلٍ أكبر للتقيمات التي تمنح ثلاث نجوم لا نجمة لا خمسة حيث أعتبرها الأقرب للمصداقية فلا هي مجحفة ولا مجاملة كونها تتعامل مع المثالب والمناقب على حدٍ سواء.
وسواء كان موقع التقييم عربي أو أجنبي لا يهم، المهم أن أجد الثلاث نجوم قبل أن أقرر أنا هل سأضيف نجمة على الثلاث أم أختزل واحدة؟
في مجموعتها القصصية الحاملة لعنوان (نجمة واحدة قد تكفي) والصادرة عن منشورات تكوين تحاول “باسمة العنزي” الخروج من محدودية البيئة الجغرافيا للمجتمع الكويتي للتنوع الحكائي الدائري فتصنع من العالم الافتراضي مساحة جغرافية تتسع في المساحة وتتقاطع في الثيمة.
فرغم تقليدية الحبكة والنهاية المتوقعة الموجودة في قصتها الأولى(امرأة كل سبت) إلا أن امرأة كل سبت، نجد منها عشرات بل مئات النساء في كل يوم من أيام الأسبوع في مجتمعنا العربي.
«كانت موجودة في السوبر ماركت كاسمٍ صغير على صفحة الوفيات على حامل اللوح المعدني عند المدخل…»
وفي قصتها الثانية( نجمة واحدة قد تكفي) التي تحمل اسم المجموعة القصصية نفسها، ترصد لنا المجتمع الاستهلاكي من خلال رجل منصرف عن عمله عن ذاته متتبعًا الآخر ومنجزه، ليقوم بإخضاع كل شيء للتقييم فبمفارقة مذهلة تضعك أمام سؤال لا مفر منه ماذا لو هو نفسه خضع للتقييم؟
تضعنا العنزي أمام حقيقة لا مفر منها من خلال نجمة واحدة قد تكفي كقصة خاصة وللمجموعة ككل وهي التوجه المستهجن نحو تسليع البشر، وفرط الاستهلاك، والانصراف عن تطوير الذات بتقييم الآخر.
ثلاث آفات مجتمعية في قصة واحدة تحركها المفارقة ليس من خلال الأحداث وحسب، بل من خلال الاسم المستعار للبطل أيضًا “رضا سالم” فلا هو يرضى، ولا سَيسْلم من أنياب التقييم إذا خضع له، فاستحقت القصة أن تحمل اسم المجموعة، وتكون الأفضل بالنسبة لي.
سؤالٌ آخر فرض نفسه هل يمكن أن ننتقل بسلاسة بين الواقع والافتراض دون الحاجة للتستر خلف اسم مستعار؟ وإن استطعنا هل نخلع رداء المجاز، ونقتحم الواقع؟ أم سنكون كرضا سالم.
« يعبر البوابة الإلكترونية، نحو مكتبه، تاركًا خلفه “رضا سالم” (اسمه المستعار) يراقب المارة خارج المبنى، مدونًا انطباعاته السريعة عن سلع جديدة، قد لا تكفيها نجمة واحدة».
وفي قصة (الغائبون) استطاعت العنزي أن تتغلب على مباشرة الطرح بالاستعارة أحيانًا ومغايرة الوصف أحيانًا أخرى فتأتي لنا بلقطة مأسوية من هنا وأخرى من هناك عقب كل كلمة : كلمة المدرسة، كلمة راعي الحفل، كلمة أولياء الأمور، كلمة الطلبة، كلمات الأغنية.
كلماتٌ، كلماتٌ، كلماتٌ لا تتسق والواقع، لنعود إلى النصيحة النبوية شريفة « تخيروا لنطفكم» فلا تقتصر المعاناة على اليتامى وأبناء الانفصال وحدهم، فالغياب من منظورها أعمق من جسدية الحضور.
« يعبرون البوابات ببالونات ولوحات كتبت عليها أسماءهم كاملة، تعبر غمامة حزن على المناسبة التي يفترض أنها سعيدة جدًا، ولن تتكرر».
وفي (ستارة مثقوبة) تعيدنا ثانيةً للعوالم الافتراضية وسقاطاتها، فليس كل ما يرى يصدق، خاصة في عالم الافتراض، لاختلاف زوايا الرؤية، فالمعروض ما هو إلا ستارة تلهيك عن المفقود؛ فيأمرونك بالبر ناسين أنفسهم، فتجد نفسك أمام شخوص بالونية هشة تذروها الرياح،.
« عائلة تظن أنك تعرفها بشكل شخصي».
وفي (حقائق شائكة) تعاصر العنزي الواقع وتسبقه من خلال الضخ بآليات التوجه نحو التنمية المستدامة فتضعنا أمام واقع صادم يتصدره البلوجرز وصناع المحتوى بغض الطرف عن نوعية تأثيرهم، وبتجاهل وتهميش الفئة المستهدفة من الحفل( الطلبة) المهم أن تكون الأولوية لصناع المحتوى، ومحور الحديث التنمية المستدامة.
« سأعدل القائمة السنوية المتضمنة أسماء المدعوين من المؤثرين في مواقع التواصل، بضعة صحفيين يعملون في صحف تحتضر، ومصورين، والطلبة،……..»
« المتفوقون..نخبة المجتمع الطلابي، ستتلاشى أسماؤهم، ما إن يخطوا خطواتهم الأولى بعيدًا عن المدرسة».
تحاول العنزي تصحيح المسار على لسان القاص لكن دون جدوى
« لكن جميع ما سبق لن يحدث»، ورغم ذلك تحاول ثانية مستغلة البند ١٦ من أهداف التنمية المستدامة ( العدل السلام المؤسسات القوية).
«سنبحث عن بديل، فاختياره يخالف البند السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة، الأهداف التي نحرص دومًا على تبنيها»
وحين ننتقل إلى (عداءة الغرف) تؤكد لنا دراستها الوافية لعالم الافتراض من خلال الوقوع في فخ الإغواء عن اللهث من غرفة افتراضية لأخرى، فاريين من زيف ومطاردة الواقع بأسماء مستعارة وبماركات مستنسخة، مجاهدين لتحويل كل ما يحدث لموضوع جدال، حتى لو كان الموضوع يتطرق لمساحتهم الشخصية، فلا بأس طالما يستتر بين ثنايا اسم مستعار يتمسح بأمير وليز.
« تظاهرت بعدم الاهتمام، كما يليق بأنثى السرطان المتحفظة، مدونة في ذهنها فكرة الدردشة القادمة، « فجوة التواصل بين صانعي المحتوى الجاد، والباحثين عن فضائح جديدة»
وبخصوص قصة (عزيزي العميل) فهي كما استهلت النص القصصي « حتى في النهايات الحزينة هناك قدر من التوقعات المسبقة»، تستخدم العنزي أمام ثنائية موظف خدمة العملاء والعميل لتضع لكل منهما سؤالًا، فالبنسبة للعميل إذا تم استبدال المورد البشري بآلة صماء وهو أمر بات قريبًا جدًا لا شك في ذلك خاصةً مع التوغل الوحشي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، هل سيكون التعامل معها بعجرفة وتذمر واستعلاء مثلما يفعل مع موظفي خدمة العملاء،
وحين تتبدل الأدوار ويتحول الموظف إلى عميل هل سيتقمص دور العملاء أم أنه سيتسفيد من التجربة.
« أنت عميلنا ولست ضحيتنا»
« وقبل أن تتحرك سيارتها مبتعدة ستتحول من موظفة إلى عميلة».
ثمة نقطة إضافية أخرى تكمن في التقدير المعنوي من قبل أصحاب الشركات والعملاء، فرغم ما يواجه موظفو خدمة العملاء يوميًّا إلا أن الشركات العملاقة من ذوات العلامات التجارية الشهيرة يتنازلن عنهم بسهولة لمواكبة عصر الآلة.
وفي خبرية قصة (هناك إجابة لكل شيء) تستكمل طرحها عن مفارقات الافتراض والواقع
« ….فاقت انتشار صورتها عندما ارتدت عقد «شوبارد» بحبات زمرد كبيرة في حفل عشاء خيري»،
« والداها أشهر منها، بالتأكيد دون رغبة منه،…….بابتسامة عريضة، ونظرة غارقة في البراءة»
تضعنا العنزي أمام الفجوة أعمق من الفجوة الطبقية حيث الفجوة البينية للثوابت والادعاءات.
« لو قرر نايف الزواج منها، هل ستمانعين؟»
فرغم صعقها من السؤال، ورغم تعوذها كلما شاهدت صورها، ورغم الدعاء الدائم على والد N بالفقر والعذاب والمرض، أجابت بلا تردد، ودون مراوغة « لو ترضى به زوجًا، فسننسى مصيبة أبيها، على الأقل تتنقل الثروات».
حتى على لسان القاصة نفسها، فلا مانع أن تنضم للعائلة نفسها.
« وحلم يقظتي، أنا أكون يومًا ما، فردًا في عائلتها لنصبح Triple N » فطوبى لمن ينج من مخالب الغواية والإدعاء.
أما عن قصة( ولم يتوقف أحد) تعود بنا العنزي لفترة جائحة كورونا بتوظيف جيد لأغنية راشد الماجد « يا غالي الناس، وين الناس يا غالي» يتسق وعنوان القصة والأحداث، فتؤمن بما قيل على لسان البطل أن
«أقصى درجات الأمان والحيطة أحيانًا قد تعجل بهلاكنا»
فتعيش معه دقائق ليست بالهينة تتيقن من خلالها أنه لا بديل عن البشر فلا يقتصر الأمر على ترديدك للمقطع المفضل للبطل من أغنية راشد الماجد، بل تذهب للمثل المصري « جنة من غير ناس ما تنداس».
وتسحبنا العنزي مجددًا بقصة مخصصة عن الاستدامة وتحمل العنوان نفسه(استدامة) مستخدمة للتطبيقات التكنولوجيا وغرف الحوار لإنجاز المشروع القومي تحت شعار « الوعي كفيل بحل الأزمات، والذي لا يتسق بشكل كلي مع اختيار الممثلين له.
«مزيج من الأسماء المتنافرة، أخطاؤهم المتشابهة، طالت بآثارها الجميع».
المتتبع لأعمال العنزي سيجدها تميل للواقع والمفارقات، فعلى الطريقة الأركيولوچية لميشيل فوكو تنبش بتأمل على ما وراء الظاهر، تاركة الفانتازي، مستغلة لتفاصيل الواقع والافتراض لتنسج منها قصصًا (نجمة واحدة قد تكفي) وروايات ( قطط الانستجرام )، وستجد المجموعة القصصية مؤمنة بنهج زيجمونت باومان «المراقبة السائلة» بالمقولة المستهلة بها مجموعة العنزي « وصف الأشياء لا يفضى إلا تغييرها، واستشراف المستقبل لا يفضي إلى منعه من الحدوث».
★سكرتير التحرير.