منيرة العبد الجادر: كيف يتحرك المخرج الساكن في عقلك، ويسلب إرادتك منك؟!
منيرة العبد الجادر★
أود مشاركتكم التكنيك الخاص بي، في استئصال انعدام الشغف، رغبتي تأمرني بأن أصطحبكم إلى رحلة للمخرج، الذي يعيش بداخلي، يتغذى على مشاهداتي، يتضخم حجمه، بقدر ما بنيت فوق أفكاري، أفكارًا.
قال المخرج لعقلي: ما رأيك أن نبدأ المقال، بمشاهدتك أنت؟.
تقف في محطة قطار مفعمة بالحيوية والسرعة، من حيث صخب الناس، واحتكاك القطار بالسكة الحديدية، وما شابه ذلك، بينما أنت مجمد، لا تقوى على الحركة، أما بالنسبة للمارة، فهم ليس لديهم ثانيةً واحدة، حتى لِلاِلتفات إليك، كأنك ساعة معلقة، عقاربها لا تعمل وسط الحشد، هل أدركتم عمق المفارقة؟.
حاول العقل أن يفتح فمه للتبرير، ولكن دوره انتهى عند هذا الحد، سلبت مني حريتي كمخرج، ولم أستفد اليوم، أصرخ عليك يكفي، حان دوري، لكي أنظم حياتك المبعثرة، التي حصلت بسببك، ولا أريد منك سوى هذا المقال، فلا تكن طمَّاعًا يا عزيزي.
أعلم بأن نشوة الملل تغلغلت في شرايينك، قلت لي سابقًا عن شعورك، وأنت مركونٌ على رف الحياة، مع من حولك، ولن ألومك على ثورة الِامتعاض؛ لذا سوف تحظى على عين ثالثة، تسحب منك المواقف، وتعيد صياغتها داخل رؤيتي أنا، مستعدون يا رفاق، على متن هذا المقال، اربطوا أحزمة التمعن، حتى لا تتشتتوا.
تبثق إضاءة وسط الخشبة، بطريقة عمودية، تنزل منها أنت، كأنك فضائي غريب عن هذا العالم، بينما أنت تشبههم، بهيئتك الخارجية فقط، في البداية سوف تأخذ تصفيقًا حارًّا من فضل جهودي الخلابة، أعني دخولك الذي صنعته أنا، ثم نجعلك تسير في أرجاء السوق، وتقف أمام أحد الباعة، تطلب منه المساعدة، تستقبل علامات الاستفهام على ملامح وجهه، مما يدفعك للإعادة دون جدوى، تتساءل عن الأمر، ولا تدرك أنهم يسمعونك تتحدث بلغة أخرى، لأنك تسمعهم بلغتك أنت يا أبله، نعم اللغة هي ذاتها، فيجب عليك تفقد الخلل.
ننتقل إلى الموقف الثاني، أو بالأحرى.
المشهد الثاني، بقعة إضاءة على يمين المسرح، حيث تقف أنت، تتشاجر مع مجموعة مترصدة لك، تعلو الأصوات غير المفهومة هذه المرة، رائع لربما يشن بعض النقاد هجومًا على مسألة اختلال التوازن المسرحي، لكنهم لا يدركوا فكرة اتساقها بالحياة الواقعية، فلا يمكن قطعها، دون المرور بتعرجات عدة.
حسنًا، الآن جاء دورك أنت أيها العقل، لديك مونولوج لن أعطيك ملاحظات أرني دهاءك، انطلق متحدثًا: لطالما تمنيت وأنا صغيرةـ، أن تأتي لي ساحرة ساندريلا، حاملة معها العصا السحرية، أو حتى أن أعثر على مصباح علاء الدين، الذي ينحصر في ثلاث أمنيات، هي قليلة من وجهة نظري، لكن في ذلك الوقت، ظننت أن كل هذه الأشياء، لن أحتاجها إذا أصبحت كبيرة؛لأن مخيلتي الواسعة، أوحت لي بأن الكبار يستطيعون فعل ما يريدون، بينما اكتشفت العكس.
أعتقد بأنني وقعت في دوامة، تأخذني أينما ذَهَبَت، ولا يمكنني مجادلتها، وبعد هدوئها، تمد لي سُلمًا،للنزول إلى سباق، أنظر لمن حولي، وهم على أتم استعداد، بدأ جرس الِانطلاق، وجدت نفسي أركض معهم، على الرغم من عدم التقاط أنفاسي بعد، ذلك جعلني أفقد التركيز، وأدّى بي إلى الوقوع في حفرة عميقة.
تعليق المخرج ليس بعيدًا عنك، هذا الأداء المميز، فأنا أستاذك وكبيرك، الذي علمك السحر، اعتقدت أنك ستتطور، فأنت العقل صديقي، تلازمني رغمًا عني، من أين لك القدرة على اصطياد مهارتي؟
لا أرغب مشاركتك المزيد، أنت لا تستحق ذلك، واقع تافه كيف تتجرأ للوصول إليّ؟! أنا الخيال والمخرج، من وجدت مفتاح الِارتجال، ماذا فعلت أنت؟.
يخمد صوت المخرج، بناءً على فعل العقل قائلًا : هذا ما فعلته أنت، وليس أنا، واقع وعقل مكبل، بين يديك؟
يا لسخرية القدر أيها المخرج، ما لا تعرفه أن وقتك مهما تضاعف قليلًا، فإنه بمزاجي أنا، بينما الخيال مؤقت، ومخدر أتسلى به، سوف أضعك في منتصف الخشبة، مكانك المفضل، وأفتح الإضاءة، لتأتي المركبة الفضائية؛لتسحبك لأعلى، وأقفل عليك الباب، ولن يفتح لك أحد غيري، وداعًا.
★خريجة قسم النقد والأدب المسرحي-المعهد العالي للفنون المسرحية-الكويت.