منيرة العبد الجادر: سهرة خارج النص، عرض يفجر الأسئلة؟!
منيرة العبد الجادر★
في ظل كبت الرقابة، والكثير من المحظورات، التي تنهال علينا في كل يوم، تفجر مسرحية سهرة خارج النص، التي عرضت على خشبة رابطة الأدباء الكويتيين بالعديلية، يوم السبت 30 سبتمبر الماضي ، الكثير من الأسئلة، خاصة قضية الدفاع عن حرية رأي الكاتب، أمام كل تلك المحاذير، والخطوط الحمراء.
المسرحية من تأليف تغريد الداود، وإخراج محمد جمال الشطي، ولعب دور البطولة، إبراهيم الشيخلي، وعلي ششتري، وسعد العوض، إلى جانب عدد من المجاميع.
اُكتب أنت
ناقش العرض قضية جدلية، تصب في الصراع القائم بين المخرج والمؤلف، بقالب واقعي نفسي، أي تم تصوير الحالة الشعورية للمؤلف، حينما يُطلب منه كتابة نص، بعيداً عن وجهة نظره الشخصية، وهذه المسألة يعاني منها المؤلفون بالفترة الحالية، بشكل أكبر من ذي قبل، حتى إن بعضهم، وهو يحادث نفسه، يتمنى لو يقول لصاحب السلطة، أو الرقيب (اُكتب أنت) كما فعل المؤلف مع المخرج في مشهد المواجهة، داخل حلبة المصارعة.
لذا نرى أن الكاتب ينتابه شعور اختطاف موهبته، التي قد تدفن على يد هؤلاء الأشخاص، الذين لا يدركون أن هناك فرقاً بين نص المؤلف، ونص العرض، وبالتالي يأخذ كل منهما دوره، والفهم الخاطئ لهذا الأمر، يجعل الكاتب يتبرأ من العمل، أو يأتي المخرج، ويلقي اللوم على ما سطرَّه قلم المؤلف.
يوحي بالفوضى
الصراع الذي يتمحور حوله الحدث، أحالني إلى مسرحية، لويجي بيرانديللو (6 شخصيات تبحث عن مؤلف) هذا من حيث التوثيق، بينما الواقع، فالأمر يعود إلى ما قبل الميلاد عند الإغريق، حينما كان المؤلف، هو من يخرج نصه، وصولاً لتفرد المخرج عن الكاتب، في أواخر القرن التاسع عشر.
للتأكيد على أن هذه المسرحية، هي سهرة قام المخرج فيها ، بكسر الحاجز الرابع، فكان الجو العام، يوحي بالفوضى، الناجمة عن المجاميع بطريقة موحدة، كما رسم الشطي صورة وظيفية للمجاميع، بمعنى أنهم حلُّوا مكان الديكور، وفي الوقت نفسه أضفى طابعاً جمالياً، هذا في مشهد الحلبة، حين وقفوا بشكل دائري، ممسكين بحبل يرمز للحلبة.
علاوةً على ذلك، دار نقاش بين المخرج والمؤلف عن البطولة النسائية، فقد كان المخرج يود أن يختار أحد الكومبارس، ليقوم بأداء الشخصية نسائية، بينما عارض المؤلف، واستعرض أسماء الممثلات، ابتداءً من مريم الصالح، ومريم الغضبان، اللتين كانت لهما الريادة، ومن أكمل مسيرتهن ، لكن هناك أمر لعله سقط سهواً، حيث لم يتم ذكر الفنان عبد العزيز النمش، الذي قدم لوناً مميزاً في لعبه للشخصيات النسائية، فمن البديهي أن الكومبارس لا يستطيعون إجادة الشخصية النسائية، بذات الاِحترافية، التي كان يقدمها النمش.
حرف x يطوق الكاتب!
لفت انتباهي توظيف الإضاءة بطريقة تعبر عن حرف (x)، وغالباً ما يرمز إلى الضد، أوما تبادر إلى مخيلتي أن هذا الحرف، يرسم على أرضية حلبة المصارعة كذلك، بالإضافة إلى أن هذا الحرف، يوضع على الأشياء حين يتم حذفها، أو تُلغى، فمن الممكن أن تكون محاولة لتطويقها أفكار الكاتب، سواء من قِبَل المخرج، الذي كان يود برمجة المؤلف على فكره هو، أو ربما يعود لأغلال الرقابة، التي اختلفت عن الشكل المعهود في الأعمال المسرحية القديمة، وتحديداً عدم التطرق للمواضيع السياسية، بينما يضرب المثل بعصر الحرية، على لسان شخصية المؤلف، بالأعمال التالية:”حرم سعادة الوزير، ودقت الساعة”، بيد أن المواضيع، التي يسمح بالتطرق إليها اليوم باتت محدودة، فكيف يمكن إعلاء مقولة الفن رسالة؟
مشهد يثير السخرية
من المشاهد الممتعة بالنسبة لي، إجبار المؤلف على الكتابة، بحيث إنه استخدم حجة ذكية، وهي تهيئة الجو، مما طلب منهم، وضع موسيقى، ومن ثم جعلهم يرقصون رغماً عنهم، ليتمكن من إتمام عملية الكتابة، هذا المشهد يثير السخرية، إلا أن المؤلف انتقم منهم بشكل غير مباشر.
مسرح غير مؤهل.. ولكن!
رغم أن المسرح غير مؤهل للعروض المسرحية، إلا أن ما شاهدناه من رؤية إخراجية، يشكر عليها المخرج في هكذا مسرح مخصص للندوات، لذا كان لجوؤه إلى الاِعتماد على الحيل الإخراجية، من إضاءة، وديكور بسيط -عبارة عن كرسي وطاولة-، ومجاميع، في محله.
وختاماً، فعرض “سهرة خارج النص” للمؤلفة تغريد الداود، يؤكد مقولة بريخت، التي افتُتِحَت بها المسرحية، “أعطني مسرحاً، أعطيك شعباً عظيماً”.
★خريجة قسم النقد والأدب المسرحي – الكويت.