رأي

د. سعداء الدعاس: ريم بسيوني.. تبحث عن السعادة أم الرضا!؟

د. سعداء الدعاس★ 

بأجواء عائلية، تتسق وروح صاحبة الأمسية، اِستقبلت الكاتبة ريم بسيوني وزوجها مارك وابنتهما الجميلة مها، جمهور كتاب “البحث عن السعادة”، بمناسبة توقيع طبعته الثانية، التي أقيمت في بيت السنّاري في السيدة زينب.

جدران بيت السناري تحتضن الجمهور

لم تفارق الابتسامة محيا بسيوني، التي استقبلت الجمهور، واحداً تلو الآخر كمن تستقبل ضيوفها في المنزل، تراها من بعيد ترحب بهذا، وتطمئن على صحة تلك، وتلتقط صوراً مع هؤلاء، وبين دقيقة وأخرى، تنادي على ابنتها مها، لتسلم على فلانة التي التقتها في الندوة الفلانية، وتطلب منها أن تلتقط لها الصور مع مجموعة أخرى، تتعرف عليهم للمرة الأولى، بل إن عينَيَّ التقطتها كثيراً، وهي تستمع لـ (حكاوي) بعض الضيوف بكل اهتمام، قبل بدء الأمسية، وبعد انتهائها، رغم ضيق الوقت، واكتظاظ المكان بالجمهور.

وبما يتسق مع تلك الأجواء، جاءت الأمسية، متجردة من الأوراق، تحدث فيها بأريحية كلٌّ من د. أحمد زايد مدير مكتبة الاسكندرية، والأستاذ سعيد عبده رئيس مجلس إدارة دار المعارف، اللذان تناولا علاقتهما بالكتاب وكاتبته، بروح مرحة، وبأسلوب بسيط لامس الحضور.

رانيا يحيى تُبدع في عزفها على الفلوت

بعد ذلك، ازدانت الأمسية بعزف مؤثر للفنانة الحاصلة مؤخراً على جائزة الدولة للتفوق في الفنون، أ. د. رانيا يحيى، التي أبدعت في العزف، رغم أن المكان غير مؤهل لذلك، حيث أمتعتنا باحترافيتها العالية، بدءاً بمقطوعتها الأولى للفنان الشهير محمود عفت، والتي جاءت متسقة تماماً مع تقاطيع المكان وأجواء الأمسية، ومن ثم انتقلت يحيى بمهارة إلى مقطوعة أخرى من تأليف الفنان جمال أسعد، ذكرتني شخصياً بواحدة من أشهر الابتهالات، وأكثرها قرباً إلى روحي “مولاي إني ببابك” للنقشبدي، كلمات عبدالفتاح مصطفى، وألحان بليغ حمدي، وقد استوحى أسعد المقطوعة بذكاء من موضوع الكتاب، حيث غزل النوتة بالحس الصوفي، ساهم في ذلك ترديد الحضور لكلمة (الله) أثناء العزف، الأمر الذي ميّز المقطوعة الثانية، لولا الخلل الإيقاعي الذي وقع فيه الجمهور، أثناء تفاعلهم معها.

المؤلف الموسيقي جمال أسعد مشاركا في مقطوعة من تأليفه

وبعيداً عن بعض التشعبات التي وقعت فيها الأمسية خارج إطار موضوعها، ربما بسبب عدم وجود عريف لها، والاكتفاء بالمتحدثين والمتداخلين فقط، إلا أن إقامة الفعالية داخل (حوش) بيت السنّاري، الذي احتضنت جدرانه، الجمهور المبتسم طوال الأمسية، تتقدمهم عائلة الشيخ الراحل عبدالحليم محمود، أضفى طعماً خاصاً عليها، هذا بجانب أهمية الموضوع، الذي يتعطش كثيرون للتعرف عليه من عدة جوانب، فعشاق الصوفية ومريدوها، أو متابعوها، لديهم شغف مستمر للقراءة حولها، وهذا هو الوتر الذي ضربت عليه بسيوني بنباهتها في التقاط تساؤلات الجمهور، والتي تسببت فعلياً في سعيها لتأليف هذا الكتاب، بمنحة بحثية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

والكتاب بحثٌ علمي عن الصوفية، حاولت بسيوني أن تقدمه ببساطة، تتناسب مع القارئ بجميع مستوياته، في محاولة منها لمعالجة صعوبة بعض المفردات وشرح “طرق” ومعطيات الفكر الصوفي المشبع بتنوع التأويل، وتناول أبرز رواده ومريديه. كل ذلك دبّجته بسيوني بمقدمة إنسانية ذات خصوصية تلامس القارئ، تمنيتُ أن تطول، بل توقعتُ أن يدور الكتاب حولها، لا العكس.

بعد أن استمعت لبسيوني في الأمسية، التي كانت أول فعالية أحضرها منذ وصلت مصر المحروسة هذا الصيف، وبعد أن تصفحت لاحقاً الكتاب الضخم (395 ص)، توقفت طويلاً أمام عنوانه “البحث عن السعادة”، وتذكرت إحدى محاضراتي قبل سنوات قليلة، في مادة “فن الكتابة”، حين كلفت طلبتي بكتابة مشهدٍ قصيرٍ يعبرعن “الرضا”، كانت صدمتهم كبيرة، حين ناقشنا تلك المشاهد في المحاضرة ذاتها، ليكتشفوا بأنفسهم، أن ما كتبوه عبّر عن السعادة، لا الرضا، باستثناء مشهد واحد، لا زلت أذكره تماماً، أعتقد أنه كان لابني صاحب الدم الخفيف، الطالب حينها “فواز المشعل”؛ المشهد باختصار لرجل عجوز يجلس أمام كشك مهشم لبيع الحلوى، يبدأ يومه برش الماء على بوابة المحل الصغير، وبجانبه زوجته، يحكيان ذكرياتهما، ويضحكان وهما يشربان الشاي باستمتاع، قانعان بما لديهما من زرق ضئيل، وصحة متواضعة.

الجميلة مها مع ضيوف الأمسية

أما بقية المشاهد التي كتبها الطلبة، فكانت تدور حول لحظة الفوز بمبلغ من المال، أو الحصول على شهادة عليا، أو اللقاء بشريك الحياة…إلخ.

وقتها سألتُ طلبتي عدة أسئلة عن كل مشهد، بمراوغة تروق لي، وتستفز دواخلهم الندية، فتوصلوا بأنفسهم إلى أن “الرضا” دائم، يتخلله الكثير من السعادة، لكن “السعادة” وقتية، قد لا يسكنها “الرضا”، وضربنا عدة أمثلة حينها، عن عشرات النجوم والمشاهير، الذين يعانون في حياتهم بسبب عدم بلوغهم مرحلة الرضا، رغم كل مصادر السعادة التي يحاطون بها.

جانب من الجمهور تتقدمهم عائلة الشيخ الراحل عبد الحليم محمود

وبالعودة للأمسية، ورغم أن د. ريم بسيوني، أشارت كثيراً لمفردة الرضا، بل إنها كررتها كثيراً في كتابها، لوعيها بأبعادها، إلا أنها اختارت لكتابها عنواناً يرتبط بـ “السعادة”، فلماذا لم يكن عنوان الكتاب “البحث عن الرضا”، ذلك الذي تغنت به ريم بسيوني، وكل المتصوفة العظام!؟ أليس هذا ما ينشده كل إنسان، وكل متصوف على وجه التحديد!؟

تبقى الإجابة لدى ريم بسيوني، التي أنهت أمسيتها بذات الابتسامة، التي بدأت بها عند استقبال جمهورها، حيث ودعتهم بامتنان الأصدقاء، رفقة عائلتها التي ما إن التقيتها حتى شعرت بأنها نموذج حي عن عشق ريم لتاريخ بلدها، حيث اللهجة المصرية في أجمل صورها على لسان زوجها الألماني مارك وابنتها مها، وهما يودعان الحضوربلطف شديد، وكأنهما يودعان أقربائهما في ختام أمسية عائلية.

ــــــــــــــــــــــــ

★ مدير التحرير

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى