سينما

أحمد المسيري: كيرة والجن.. هل سيصبح عملاً خالداً؟!

أحمد المسيري★

بتاريخ 10/6/2023، أصبح فيلم (كيرة والجن) العمل الأضخم على مستوى الإنتاج، والأعلى من حيث الإيرادات في تاريخ السينما المصرية متاحاً على منصة شاهد، ويعتبر هذا العمل، التعاون الخامس بين المخرج “مروان حامد”، والروائي “أحمد مراد” بعد (الفيل الأزرق1  والأصليين وتراب الماس والفيل الأزرق2)، والفيلم مأخوذ عن رواية 1919، لنفس الروائي، والتي حققت انتشاراً واسعاً، ويعتبر فيلم (كيرة والجن) عملاً تاريخياً، يصور ملحمة وطنية إبان فترة الِاحتلال البريطاني لمصر، تحديداَ منذ ثورة 1919، وتداعياتها.

 ورغم أن إنتاج الأعمال التاريخية يعد مجازفة كبيرة، ولكن هذا العمل كان متوقعاً له مسبقاً النجاح، لتوفر مقومات عديدة، بداية من الإنتاج الضخم، مروراً باختيار أبطال من نجوم الصف الأول، والأكثر شهرة وجماهيرية، وصولاً لصناع العمل نفسه، وعلى رأسهم مخرج متميز مثل “مروان حامد”، وباقي فريق العمل من الأسماء اللامعة في مجالها سواء على مستوى الكتابة أو التصوير أو الإضاءة، أو الموسيقى، أو الديكور، أو الصوت، أو الملابس، أو تصميم المعارك، أو المؤثرات البصرية، وغيرها.

تجنباً للجدل!

 بدأ الفيلم بعبارة مكتوبة على الشاشة (هذا الفيلم مبني على خيال مستوحى من أحداث حقيقية، وهو لا يعد وثيقة تاريخية)، ورغم أنه من الطبيعي في الأعمال الروائية، أن تعتمد على خيال المؤلف، على عكس الأعمال الوثائقية، التي تعتمد على الوثائق والمراجع التاريخية، ولكن المخرج لجأ لذلك تجنباً لحالة الجدل والهجوم المتوقع من البعض، خاصة بسبب وجود اختلافات كبيرة بين الأحداث الحقيقية وقصص أبطالها، وبين أحداث العمل المعروض، والذي تدور أحداثه حول خلية سرية لمجموعة من الفدائيين ، يقودها الطبيب المصري “أحمد كيرة”، والذي جَسَّد دوره الفنان “كريم عبد العزيز”، ويقع مقرها السري داخل مطعم وكافيه ريش بوسط القاهرة، والتي تقوم بعمليات اغتيال لبعض قادة قوات الِاحتلال البريطاني، حيث انضم إليها “عبد القادر الجن” لاحقاً، والذي جَسَّد دورة الفنان “أحمد عز”.

بعبع الإنجليز!

قام العمل بإلقاء الضوء على أهم الأحداث التاريخية إبان فترة الِاحتلال البريطاني، بداية من حادثة دنشواي عام 1906، مروراً بثورة 1919، ومجزرة مسجد الحسين في 14 مارس من نفس العام، والتي قام فيها الِاحتلال، بقتل وإصابة عدد من المصلين، ثم مذبحة قرية ميت القرشي وضربها بطائرتين حربيتين، لتفريق المتظاهرين في 23 و24 مارس 1919، وصولاً إلى نهاية الِاستعمار، وجلاء آخر جندي بريطاني عن مصر في 18 يونيو عام 1956، وكان للعمل الفضل في إعادة إحياء أسماء بعض الأبطال المنسيين، مثل الطبيب “أحمد عبد الحي كيرة”، والذي أطلق عليه الأديب “يحيى حقي”، الذي كان يعمل موظفاً بالقنصلية المصرية في إسطنبول، حين التقاه هناك، اسم “بعبع الإنجليز” في كتابه (ناس في الظل)، لما سَبَّبَه من رعب لِلِاحتلال البريطاني، بسبب قدرته العالية على التنكر، والتحدث بلغات عديدة، وصنع المتفجرات، واستخدام السلاح،  وقيامه باغتيال سردار الجيش البريطاني في السودان السير “لي ستاك” أثناء زيارته للقاهرة (في 20 نوفمبر 1924)، بينما كان يطلق عليه زملاؤه في الجامعة “ابن اللنبي” نسبة إلى القائد الإنجليزي الشهير “إدموند اللنبي ” بسبب عدم مشاركته في المظاهرات ضد الِاحتلال، وتقربه من الإنجليز، لإخفاء هويته النضالية.

اليد السوداء

 وشخصية “عبد القادر شحاتة” الشهير بالجن، وشهيدة النضال “دولت فهمي” التي جسدت شخصيتها الفنانة “هند صبري”، والتي كانت تعمل ناظرة بمدرسة الهلال الأحمر القبطية، وكانت منضمة لتنظيم سري يطلق عليه “اليد السوداء”، وكان لها دور كبير في توزيع المنشورات، وإنقاذ عبد القادر شحاتة، والتي لم تقابله في حياتها إلا مرتان فقط، والمرة الثانية، كانت أثناء ذهابها إلى النيابة بعد القبض عليه، للإدلاء بشهادتها، وادعاء أنها عشيقته، وأنه كان يبيت عندها ليلة تنفيذه لعملية فدائية، لإنقاذه من قبضة الإنجليز، حيث إنه كان وراء محاولة اغتيال فاشلة لـ “محمد شفيق باشا”، والذي تم اعتباره خائناً، بسبب قبوله لمنصب وزاري تحت حكم الِاحتلال البريطاني، وقد قام أهل “دولت فهمي” بقتلها بسبب إلحاقها العار لهم، رغم أنها كانت بريئة من هذا الِاتهام، وقد ذكرها الكاتب “جمال بدوي” في كتابة (نظرات في تاريخ مصر)، والذي صدر سنة (1994).

 وأخيراً شخصية “محمد نجيب الهلباوي”، والذي اشتهر باسم يهوذا المصري، وجَسَّد شخصيته الفنان “سيد رجب”، وبذلك كان من بين الجماعة الفدائية، التي تم تجسيدها في الفيلم أربعة شخصيات حقيقية فقط.

الوطنية ليست حكراً على أحد

في الدقائق الأولى من العمل، يقوم صناعه بتقديم أعضاء فريق المقاومة، فيتضح أنهم مجموعة من الأفراد من خلفيات ثقافية ودينية، وطبقات اجتماعية مختلفة، ولكنهم اجتمعوا على حب الوطن، فمنهم المسيحي، واليهودي، والطبيب، والعامل البسيط، والفقير، وابن الذوات، والمصري، والخواجة، فهذا النسيج الوطني المتنوع، كل فرد فيه على استعداد لتقديم روحه فداء للوطن، وتأكيداً على صدق الهتاف الشهير في هذا الوقت (نموت نموت ، وتحيا مصر)

التركيز الأكبر على كيرة والجن

 كان للثنائي كيرة والجن، النصيب الأكبر من العمل، وانعكس ذلك على دور باقي الشخصيات، والتي ظهرت أحياناً، وكأنها مجرد شخصيات فرعية، للدرجة التي جعلت اختفاء هذه الشخصيات غير مؤثر بالشكل الكافي، على عكس بعض الأعمال الأخرى، والتي تفاعل المشاهد مع موت بعض أبطالها على سبيل المثال، فيلم “شمس الزناتي”، ويستثنى من ذلك دور “دولت فهمي”، والتي كان لها التأثير الأكبر بعد بطلي العمل، فدورها كان يحمل العديد من الرمزيات، رمزية للدور النسائي في النضال، بما يحمله من تضحية وشجاعة وإخلاص، ورمزية الحب الصادق، ورمزية الضغوط، التي تتعرض لها المرأة دائماً بسبب التمييز ضدها،  خاصة فيما يتعلق بقضايا الشرف والسمعة، والتي تصل للقتل.

وقد اهتم المخرج بإبراز التناقض والتضاد بين البطلين، فالتضاد يبرز الصراع ويحرك الأحداث، ويخلق المفارقة التي تصنع الكوميديا، ورغم هذا التضاد، إلا أن الدوافع واحدة لهما، وهي الِانتقام من الِاحتلال البريطاني، الذي تسَبَّبَ في قتل والد كل منهما، ورغم الأداء المكرر للفنان “أحمد عز”، إلا أنه تناسب مع متطلبات الدور.

قصص الحب المستحيل

يقال إن الحب يصنع المعجزات، وهذا على مستوى الواقع، أما في الدراما فقصص الحب خاصة المستحيلة، تجعل القصة أكثر جاذبية، لأنها تكسر التابوهات التقليدية بخروجها عن المألوف، وكشفها أحياناً لبعض القضايا المسكوت عنها، ولم يغفل صناع العمل عن هذا في قصة الحب بين “عبد القادر الجن” المسلم، و”دولت فهمي” المسيحية، وأيضاً قصة الحب بين “أحمد كيرة” و”إيميلي” والتي جسدت دورها بحرفية الفنانة “رزان جمال” اِبنة القاضي الإنجليزي، والذي كان على رأس قوائم اغتيال التنظيم السري، وعلى غرار قصة الحب بين “عيسى العوام”، و”لويزا” في فيلم الناصر صلاح الدين الأيوبي، وقصة روميو وجولييت.

الصدف الدرامية

اللجوء للصدف له تأثير سلبي على البناء الدرامي، ورغم أننا أمام عمل فني احترافي في المقام الأول ، ولكن  صناع العمل لجأوا للصدف الدرامية، بداية من اللقاء الأول بين “كيرة والجن” أثناء محاولة كل منهما، اغتيال الكولونيل “دوغلاس”، مروراً بالصدفة، التي جمعت بين “كيرة” و”إيميلي”، وموت “زينب” زوجة “أحمد كيرة”، والتي جسدت شخصيتها الفنانة “روبي” ببراعة في مشاهد محدودة ، لإفساح المجال لولادة قصة حب بين “كيرة” و”إيميلي”.

هل يصبح فيلماً خالداً؟!

في مقارنة سريعة بين الأعمال التي من خلالها، عرف الجمهور، المخرج “مروان حامد”، مثل فيلم (عمارة يعقوبيان) المأخوذة عن رواية الدكتور “علاء الأسواني”، وفيلم (إبراهيم الأبيض) تأليف عباس أبو الحسن، والتي تعتبر أعمالاً خالدة في ذاكرة الجمهور، فسنجد أن هذه الأعمال كتب لها البقاء، ليس فقط لأنها مكتملة العناصر الفنية، ولكن أيضاً لأنها أعمال لها سمات أسلوبية معينة، تعبر عن مخرج مميز وغير نمطي، يستطيع توظيف الصورة، لخدمة الدراما، وليس فقط لجذب وإبهار الجمهور، واستطاع “مروان حامد” من خلال هذه الأعمال أن يحقق المعادلة الصعبة، وهي الموازنة بين الجدية والترفيه، أي تقديم عمل فني جاد، ولكن في نفس الوقت جاذب للجمهور، وبالرجوع لكيرة والجن، سنلاحظ وجود فجوة بين لحظات الذروة والتصاعد والصراع، كما أن الايقاع أحياناً بطيء، ثم يتجه إلى السرعة، ثم يعود للبطء مرة أخرى، وتلك القفزات الدرامية، كان لها تأثير سلبي على سيمتريه القصة، وفي النهاية سيجد المشاهد نفسه أمام تساؤل مهم، وهو لماذا قدم العمل بهذا الشكل؟

خلاصة القول فيلم (كيرة والجن) فيلم جماهيري ناجح، ولكنه أعطى الأولوية لعناصر الجذب والإبهار، وإذا كان الهدف الأساسي منه تحقيق إيرادات وجذب للجمهور، فقد تحقق بالفعل هذا الهدف، ولكن هل سيكتب له الخلود؟!

ـــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقــد سينمائي ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى