مسرح

رانا أبو العلا: سيب نفسك.. فالحلم مازال ممكن التحقق

رانا أبو العلا★

قد تكون المونودراما واحدة من أصعب الأشكال المسرحية، كونها تعتمد على ممثل واحد وحسب، وعليه أن يُبقي الجمهور مشدوداً للحدث طوال مدة العرض، ولهذا تعتمد عروض المونودراما بشكل كبير على الممثل.

فأن ترى عرضاً مسرحياً لمدة نصف ساعة وأكثر، دون أن يظهر به سوى ممثل واحد، يتوقف بقدر كبير على إمكانية الممثل وقدرته التمثيلية، ومن ثم نجد أن عرض (سيب نفسك) بقيادة المخرج جمال ياقوت، المأخوذ عن نص لمارك إيجيا، وترجمة د. نبيلة حسن، تَمَكَّن من أن يجذب المتلقي، ويخلق حالة حميمية بينه وبين ممثلة العرض فاطمة محمد علي، حيث يزج العرض بالمتلقي من اللحظة الأولى للمشاركة في الحدث، ليجعله جزءاً مما يحدث.

تدور دراما العرض حول عاملة نظافة، أوشك يومها على الانتهاء، ولكنها تفاجأ بشخص ما يُريد الانتحار، تحاول بشتى الطرائق أن توقفه، ليس فقط بدافع إنساني لمنع شخص من أن يودي بحياته إلى الهلاك، ولكن بدافع ذاتي أيضاً، فانتحاره يعني بقاءها في العمل فترة أطول، وذلك سوف يمنعها من تحقيق الحلم، الذي انتظرت شهراً كاملاً لتحققه، ومن ثم تبدأ العاملة في التحدث إلى هذا الشخص بموضوعات مختلفة، لتعطله عن الانتحار، حتى ينتهي يومها، ويأتي زميلها ليتسلم منها العمل وبالتالي تحقق حلمها، وفي تلك الأثناء تَتَطَرَّق إلى الكثير من الموضوعات الحياتية، ومنها تبدأ في تعريفه بقصتها، وكيف عانت طوال حياتها، ولكنها مع ذلك مازالت تحتفظ بسعادتها وبهجتها، التي تدفعها للاستمرار على قيد الحياة رغم ما مرت به، ومن ثم يكتشف المتلقي أبعاد شخصية عاملة النظافة، فقد كونت الأحداث التي مرت بها شخصيتها، التي تجمع بين الكثير من التناقضات، فعلى الرغم من بساطتها إلا أنها مثقفة ومرحة ومحبة للحياة، وهنا تجسد عاملة النظافة بحكايتها عن ذاتها، كل شخص مَرَّ بأحداث مؤلمة في حياته، ولكنه استمر مع استمرار الحياة، فقد تتباين قصصنا الشخصية، وتختلف المعاناة من شخص لآخر، لكن الأكيد أن كل شخص لديه قصة معاناة أو كفاح، فقد جاءت أطروحة العرض رغم بساطة الفكرة والطرح، إلا أنها دراما إنسانية لعبت على النفس البشرية، خاصة مع الفكرة الأساسية، التي انطلقت منها أحداث العرض، وهي إقبال شخص ما على الانتحار، وضعفه أمام ما يواجهه من مصاعب في الحياة، التي قد يكون الآخر مَرَّ بأكثر منها، لكنه لم يُنهِ حياته، بل استمر في مواجهة الحياة، والبدء من جديد، وهو أمر يتوقف على مدى قوة النفس البشرية في مواجه الحياة، وهذا ما جسَّده العرض من خلال التباين بين الثنائية، التي تدور حولها أحداث العرض، حيث شخصية عاملة النظافة أمام شخصية المنتحر، وما مَرَّ به كلٌّ منهما في حياته، واختيار أحدهما الاستمرار، والآخر إنهاء حياته بيده، فقد جاء هذا الطرح ملائماً لفكرة الانتحار، التي أصبحت تتردد كثيراً على مسامعنا في الآونة الأخيرة، وقد جسد المخرج جمال ياقوت هذا الطرح في إطار كوميدي مبهج، يجمع بين الغناء والرقص، وهو ما ساهم في أن يبقى إيقاع العرض مشدوداً طوال مده العرض، وأن يبقى المتلقي متابعاً ومتفاعلاً مع الحدث طوال مده العرض، وذلك يعود أيضاً إلى قدرة الممثلة فاطمة محمد علي على التلون في الأداء ببساطة بحسب طبيعة الشخصية، وقدرتها على التحدث إلى هذا الشخص المتخيل، وكأنه موجود أمامنا، ونراه رغم أن جسده الحقيقي غائب من الحدث، الذي يحدث أمامنا، فنحن أمام موهبة تمتلك العديد من الأدوات والمهارات، التي مَكَّنَتْهَا من أن تستقطب ذهن المتلقي معها طوال مدة العرض، فمثلاً نجدها تقوم بالغناء والرقص، ثم تنتقل بنا إلى مشهد تلون فيه طبقات صوتها، وذلك في مشهد عرائس الماريونت، التي صممها ونفذها د. نبيل الفيلكاوي، وكذلك الاستعراضات المختلفة، التي صممها مناضل عنتر، والتي جمعت بين رقصات من بلدان مختلفة، منها الهندي، والإسباني والصعيدي، وغيرها، بالإضافة إلى أشعار د. محمد مخيمر، التي عبَّر خلالها عن نظرة هذه العاملة للحياة وحبها لعملها، التي تنبش فيه عن المتعة بشتى الطرائق الممكنة، وعن موسيقى حاتم عزت، التي جاءت ملائمة لطبيعة العرض، حيث استخدم عزت أنغام موسيقية مبهجة، تتفق مع طبيعة العرض.

ورغم أن عرض (سيب نفسك) خلق حالة مبهجة كوميدية، إلا أنه سقط في أزمة المباشرة في الكثير من الأحيان، حيث الخطابات والرسائل المباشرة، التي تُلقن للمتلقي، وفي حقيقة الأمر لم يكن عرض (سيب نفسك) فقط، الذي سقط في هذا المحظور، بل شاهدت في الفترة الأخيرة الكثيرَ من العروض، التي تعتمد على المباشرة، والرسائل المقولبة، وقولها للمتلقي، بينما يكون من الأفضل أن يعتمد العرض على البعد عن المباشرة ، لِيُعمل المتلقي عقله في فهم دراما العرض، وما يرمي إليه الحدث، كما هو الحال في الخط الدرامي الرئيسي لعرض (سيب نفسك)، الذي يجمع بين ثنائية عاملة النظافة، والمنتحر، أما باقي الخطوط الثانوية، التي تَطَرَّق إليها العرض، فجاءت مباشرة أكثر من اللازم، وهو أمر به شيءٌ من الاستهانة بعقل المتلقي.

أما على مستوى الصورة المسرحية، فقد تَمَكَّن أحمد أمين مصمم ديكور العرض، من تجسيد تفاصيل سطح العمارة، الذي تدور عليه أحداث العرض بمهارة ودقة، فمع دخول المتلقي إلى القاعة يجد نفسه، وكأنه فوق سطح إحدى العمارات في حي شعبي، حيث تتبعثر نفايات شقق هذه العمارة في أرجاء السطح، ونجد أطباق الدش، والأعمدة المسلحة غير المكتملة، بالإضافة إلى الغرفة، التي يسكنها الحَكَّاء، التي تمتلئ بعرائس الماريونت، التي يستخدمها في عمله، وهي غرفة يبدو عليها البساطة، وهنا صنع أمين من فوضى السطح صورة جمالية، تفاصليها صُنعت بإتقان، وساهم في ذلك أيضاً إضاءة إبراهيم الفرن، التي اعتمدت في أغلبها على الألوان، التي تعكس روح العرض المبهج.

باختصار ورغم الملاحظات السابقة، عمل صنَّاع (سيب نفسك) بقيادة المخرج جمال ياقوت على صُنع مونودراما غنائية مبهجة، تتناول هذا الموضوع الجاد، بخفة ظل، وكوميديا.

(سيب نفسك)
دراماتورج وإخراج: د. جمال ياقوت، تأليف: مارك إيجيا، ترجمة: د. نبيلة حسن.
تمثيل: فاطمة محمد علي، ديكور: أحمد أمين، أزياء: نهاد السيد، إضاءة: إبراهيم الفرن، موسيقي وألحان:حاتم عزت، اِستعراضات: مناضل عنتر، أشعار: د. محمد مخيمر، تصميم وتنفيذ العرائس: د. نبيل الفليكاوي، دعاية وسوشيال ميديا: محمد فاضل القباني، تصوير البوستر :عادل صبري، هيئة الإخراج: نهي فؤاد – منال حامد – منى مهدي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ سكرتيــر التحريــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى