محسن النجدي: لماذا رسخت الأعمال التراثية في أذهان الجمهور؟!
محسن النجدي★
من أبرز الأعمال في الدراما الكويتية، التي برزت في الفترة بين الثمانينيات وأواخر التسعينيات، ورسخت في أذهان الجمهور، وحققت انتشاراً واسعاً، ونجاحاً كبيراً، منذ فترة تنفيذها إلى واقعنا الحالي “الغرباء” و”زمان الإسكافي” و”مدينة الرياح”، كما أن لكل عمل من هذه الأعمال طابعه، قد يختلف اختلافاً كلياً عن الآخر، من حيث القضايا المطروحة، والزمان الذي تدور من خلاله الأحداث، وكذلك السياق العام وتسلسل القصة، ولكن سوف نبرز أهم ملامح تميز، ونجاح هذا النوع.
لاسيما أن هذه الأعمال، تتميز عن بقية الأعمال، باختلاف حَيِّزَيْ المكان والزمان، وقد يكون ذلك هو علامة فارقة، ومهمة تضاف لهذا النوع من الأعمال، بحيث تكون هذه الأعمال بذلك، خارج نطاق الواقع الحالي، ولكن بالمقابل قد تكون بعض الأفكار والقضايا المطروحة، هي المزيج والعامل المشترك، الذي سيجمع ما بين العمل نفسه، والواقع.
فقد كان الحَيِّزُ الزماني لهذه الأعمال على العهد القديم، ما بين العصر الأندلسي والعباسي، بذلك يتضح بأن هذه الإسقاطات، وهذه الصراعات موجودة منذ العصور القديمة، إلى واقعنا الحالي.
فما الذي جعل هذه الأعمال، راسخة في أذهان الناس خالدة إلى اليوم.
لقد سلطنا الضوء على مسلسل “الغرباء” الذي تناول عدة قضايا، منها احتكار السلطة والفساد الإداري، مما أدى إلى انتهاك وسلب حقوق الناس، تحديداً الفقراء والمساكين، وبشكل أدق فقد كان الصراع القائم بين الطيب، الذي يمثله “الفارس الملثم”، والخبيث الذي جسده “كامل الأوصاف” بأبشع الصفات، حيث عرفته المدينة بالجشع والطمع والاستبداد والخبث، على عكس “الفارس الملثم” الذي مثل معنى الفطرة السليمة والنفس الطيبة، ذلك الصراع الذي كان ضحيته أهل المدينة أنفسهم، بالإضافة إلى وجود “العم سالم” الذي كان بمثابة المرشد للناس وللصالحين رغم فقدانه للبصر، إلا أنه كان يتنعم بنعمة البصيرة، التي يسير عليها، ويساهم بكشف حقيقة كل شخصية فاسدة، وهروب وابتعاد كامل الاوصاف، بعدما سلب حقوق الآخرين، وجعلهم أغراب في مدينتهم، إلى أن أصبح هو الغريب.
أما مسلسل “زمان الإسكافي” الذي تناول قضايا مختلفة جداً من حيث الطرح، فقد نجد الصراع كان حول السلطة وقد يكون ذلك الصراع ما بين الإصلاح والفساد، ومن يكونون ضحايا في ذلك الصراع، هم أهل وأبناء الولاية، فقد نجد كل من له فرصة كالمتسلق والانتهازي، ينتهزونها ويستغلونها من أجل مصالح شخصية، وهنا يكون الناتج ما بين ظالم ومظلوم، أو “مُصلح” ومُفسد” ومن كانوا يمثلون ذلك الصراع كمفسدين (نطاح، ذياب، زجران) مقابل من يسعون للإصلاح من الوالي بوشجاع، وكان ممثله بحكم الشبه (معروف الإسكافي)
ونأتي أخيراً إلى مسلسل (مدينة الرياح) الذي يحمل اختلافاً كبيراً بطرحه، وتناوله للقضايا، وقد يكون شاملاً لجميع أنماط الشخصيات، التي ذكرت من خلال الأعمال الأخرى، ويعود السبب بأن الصراع الذي يدور حول هذا العمل، ما بين الخير والشر، لذا فقد يكون شاملاً فيه المستبد والظالم والانتهازي والمفسد والخبيث، وكذلك الطيب والمصلح والخَيِّر، وفعلاً (مدينة الرياح) هي المدينة التي عاش فيها الشياطين بشخوص “حيزبونة” و”علقم” مقابل “عجاج”و”ياسمين”، ذلك الصراع الذي يتمثل لكل نفس بشرية، لاسيما بأن المدينة سادها الظلم والكره والقسوة، وذلك بسبب إغواء الشياطين لهم، ولكن بتصدي عجاج وياسمين لهؤلاء الشياطين، فقد تكون نهايتهم هي الخلاص، خلاص المدينة من روح الشيطان، وطردها خارج مدينة الرياح، مما يؤكد تحقيق أهم أهداف الفطرة البشرية، بانتصار الخير على الشر .
جميع تلك الأعمال تحمل مفاهيم وقيماً إنسانية سامية، تبينت واتضحت وعُكست عن طريق كل شخصية، كما أنه كعامل مشترك فيما بينهم، نجد مفهوم الخلاص كان هو الأبرز، فقد نجد من خلال مسلسل “الغرباء” شخصية “كامل الأوصاف” الذي تنقلب عليه الأمور، حتى يصبح هو الغريب، فقد يتم التخلص منه من قِبَل أهل المدينة، وكذلك مسلسل “زمان الإسكافي” نجد أهل الولاية، يتخلصون من كل فاسد قد استخدم نفوذه، واستغل مركزه لمصالحه الشخصية، إلى الإبعاد، ومسلسل “مدينة الرياح ” الذي يتغلَّب فيه أهل الإيمان على أهل الشيطان وشرورهم، بطردهم إلى خارج المدينة.
اللغة المستخدمة، والأسلوب المتبع من خلال الأعمال التراثية، كانت اللغة هي اللغة العامية “الكويتية” الشعبية الدارجة، كنوع من التبسيط والتقريب، كما أن الخطاب الموجه، كان خطاباً إنسانياً خالصاً، ما يجعلنا نصنف الخطاب بأنه موجه للإنسان المجرد، الذي يحمل روحاً إنسانية، وصراع الواقع البشري، ما بين الطيب والخبيث، أو الخير والشر، وهو ليس موجهاً لفئة محددة، أو لأعمار معينة، وإنما صالح لجميع الأعمار، كما يمكن للصغير أن يشاهده قبل الكبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ ناقد فني ــ الكويت