مسرحمشاركات شبابية

حنين سالمة: “المحترمين” آراء ورؤى متعددة لمجموعة من الطلبة والخريجين

حنين ناصر سالمة★ 

في يوم الخميس الموافق 25 مايو 2023 اتصلت بي د. سعداء الدعاس، حيث دعتني أنا وزملائي إلى حضور مسرحية (المحترمين) في اليوم التالي الساعة السابعة مساءً.

تلقيت الدعوة بفرحة غامرة، وسرور وشوق للعرض، ولقاء المجموعة، حيث حضر من زملائي كل من: الحر حسين عبدال، وآلاء السليم، وحسن حاجيه، وعبد العزيز الذويب، وعبد الملك الذويب، وعلي صالح، ومحسن النجدي، ومصعب السالم، ومنيرة العبد الجادر، ونواف ماجد، ويونس الشرهان.

اجتمعنا قبل ساعة من العرض في أحد المقاهي، وذهبنا كمجموعة حين حان موعد العرض لمقابلة د. سعداء وأ. علاء الجابر في المسرح، وتأخر البعض بالحضور، ولكن نظراً لأن المسرحية بدأت متأخرة عن موعدها بنصف ساعة، فلم تفوت بداية المسرحية لأي شخص منا.

عندما أبلغت د. سعداء رجال التنظيم بأنها تحتاج لشراء عدد كبير من التذاكر، سألها الشاب عن السبب، وعندما علم أن عدداً من طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية قادمون لمشاهدة العرض، رحب بنا ترحيباً واسعاً، ووفروا لنا موقعاً جيداً للفرجة، حتى يتنسَ لنا الاستمتاع بالعرض، ونظراً أن منيرة كانت حالة خاصة، اِهتم بالأمر المخرج عبد العزيز صفر، حيث خصص لها طاقم التنظيم مكاناً في الصف الأول من المسرح، فكان فريق التنظيم بمجمله، لطيفاً وودوداً في تعامله معنا.

في ظل بهجة الجمهور، بدأ العرض الذي استمتعنا به كثيراً، وعند الانتهاء من العرض أصطحبتنا د. سعداء وصعدنا جميعاً على خشبة المسرح، حيث توسطنا المخرج وطاقم العمل، الذين احتفوا بنا وحيونا أمام الجمهور، ووزعوا علينا أوراق نقود “مزيفة” تحمل صورة بطل العرض،  كتذكار بسيط لهذا اليوم الجميل، ومن ثم التقطنا صورة تذكارية تجمعنا مع الطاقم، بعد العرض دعتنا د. سعداء إلى أحد المقاهي المحيطة، نتحاور فيها عن العرض، ونتشارك وجهات النظر والآراء بين بعضنا البعض، بالنسبة لي وكي أعطي زملائي مساحتهم، أختزل العرض بجملة قصيرة مفادها: إن الحياة تناقض ذاتها، فلكل كينونة انعكاس يناقضها، والشر يناقض الخير، والكذب يناقض الصدق، والخيانة تناقض الأمانة، والسفاسف تناقض المحترمين.

ثيمة التناقض تلازمنا منذ بداية الخليقة، ولم تتوارَ عن مسرحية (المحترمين) تأليف وإخراج عبد العزيز صفر من بطولة خالد المظفر، وإيمان فيصل، وزينب بهمن، ومحمد الدوسري، وأحمد المظفر، وهيا السعيد، ومهدي دشتي، وإبراهيم الشيخلي، وسلمان كايد.

أما آراء زملائي حضور العرض فجاءت كالتالي:

آلاء السليم

العمل خفيف وممتع، هذه كانت المرة الثانية التي أشاهد فيها العرض، ورغم ذلك كنت مستمتعة به، وكانت هناك بعض الإضافات والتغيرات في العرض الثاني، وكان العرض طويلاً إلى حد ما، حتى بدأت أضجر قليلاً، كانت الشخصيات لطيفة، ولكن هناك بعض الممثلين بالغوا نوعاً ما في أدائهم للدور.

الحر حسين عبدال

تدور أحداث المسرحية حول عدد من شخصيات، يقودون جزيرة سلمار، وهم محضر خير، المختار، معتمد، ضابط الأمن، وتركيز وهي مساعدة محضر خير، وهي التي تدون الاجتماعات الخاصة بهم، وكل منهم يعمل لمصلحته الخاصة، تاركين سكان المدينة في المعمعة، حتى تصل ” فترة”، التي جاءت لتضع حداً لما يحصل بالمدينة، وتفتش عن اسباب الظلم الواقع على سكان المدينة، من سرقة مال عام، و فوضى، وعند متابعة المسرحية، تأخذنا أحداثها المشابهة لمسرحية (المفتش العام) لغوغول، وقد نجح المؤلف المخرج عبد العزيز صفر باقتباس القصة، وجعلها بسياق جديد، ومناسب للعرض المسرحي، ووظف بعض المشاهد الكوميدية في المسرحية، مما جعلها غير مملة، وجعل شخصية الضابط الأول (المظفر)، هي التي تقود المسرحية منذ البداية حتى النهاية، ومزج بها الخير والشر مما جعل نهايتها أسطورية.

حسن حاجيه

المسرحية سارت على سرعتين وزمنين، سرعة مايكروسكوبية، بمعنى بداية المسرحية كانت الأحداث كبيرة، اِغتيالات تعذيب في المونتاج، الذي حصل في بداية العرض، وكان مؤثراً على الحبكة، ولكن كان هناك مقاطع، أصبحت فيها الحبكة بطيئة، اِنتقلنا من سرعة حدوث التحركات السياسية، إلى حبكة كيف يقوم “محضر” بإغواء “فترة”، فأخذ هذا الحدث جانباً كبيراً من وقت المسرحية الكلي، وكان من الممكن أن يسمح هذا الوقت أن يكون هناك أحداث أخرى تحصل.

عبد العزيز الذويب

أكثر ما جذبني للعرض هو الممثل (خالد المظفر) بشخصية محضر خير، والكوميديا التي قدمها في المسرحية بشكل عام، وتحديداً المشهد الذي حاول فيه محضر، الإيقاع بالمفتشة، والزواج منها لكسبها في صفه، المفتشة التي جاءت من العاصمة، لكشف حقيقة الفساد في القرية.

قدم (المظفر) كوميديا بطريقة مختلفة، ممزوجة بطابع تعليمي، لتوصيل رسالة بنهاية المسرحية وهي (الفساد والسرقة)، وأن الفاسد مهما جاءت له الفرص ليتوب عن فساده، يبقى كما هو لا يتغير.

عبد الملك الذويب

بادئ ذي بدء، نجد بأن المسرحية كانت تمتاز بالجانب الكوميدي التجاري، بالإضافة إلي الجانب التعليمي الفني، والذي كان يهدف المخرج (عبدالعزيز صفر) إلى طرحه بشكل كوميدي، فرأينا تلك الأفكار بشكلها البريختي، حاضرة كإظهار (الفساد الإداري، والرشوة والمحسوبيات)، وهذا يدل على أن الملامح الملحمية، كانت جلية في المسرحية منذ البداية، فقد سمعنا الراوي، ولم نشاهد الستارة، ورأينا الإضاءة الثابتة على جميع مناطق المسرح، وكذلك الإضاءة المرتكزة في بعض الأحيان، والغناء والموسيقى.

ولا مناص من ذكر أن مسرحية المفتش العام، لغوغول كانت حاضرة، في فكرة المسرحية وشخصياتها، وخاصةً في شخصية (محضر خير) الذي يمثل الحاكم الفاسد، وشخصية (فترة) والتي تمثل المفتش العام المكذوب، خليستاكوف.

ومن الجدير بالذكر، أن أكثر ما شد انتباهي حركة الممثل – خالد المظفر – وطريقته السلسة في التنقل على الخشبة، فقد كانت – حركته – تفوق أقرانه الممثلين، فلا مانع من ذكر الحس الكوميدي، والذي – برأيي – كان يقدم من خلاله بطريقة أكثر تحفظاً وتهذيباً.

وبالنهاية، يجب ذكر أن بعض المقاعد – ومنها مقعدي – لا يرى منها المسرح كاملاً، فقد كان قليلاً من الجانب الأيمن في المسرح، محجوباً تماماً.

علي صالح

رمزية المحترم تتجلى في قناع السلطة المحترمة في ظاهرها، وغير المحترمة في باطنها، ففي ظل وجود السلطة السلمارية (نسبة لسلمار) المجردة من المشاعر، لا يمكن القضاء على فساد هي أساسه متمثلة بديكتاتورية ”محضر خير”، الذي يفقد قيم الحق والخير.

محسن النجدي

تركيز (زينب بهمن)، وهي أحد أعضاء لجنة المحترمين، تميزت في تحويل شخصيتها من مجرد كاتبة وموثقه للأحداث، إلى إحدى أهم عناصر الكوميديا، كما كانت تركيز لها طابع مختلف بالمزيج ما بين الشخصية العاطفية والشخصية المرحة، ولم تكن تركيز فقط مجرد عنصر للكوميديا، وإنما أيضاً كانت مفتاحاً لحل اللغز القائم، بالعمل المسرحي.

أما شخصية صمدي الملقب بـ “يبس” أحمد المظفر، أثبت بأن الكوميديا، قد تصنع ولو بمدة قصيرة، دخول شخصية صمدي كمُفسد للقرية، صنع فوارق ليست فقط على نطاق الأحداث والقصة، وإنما كذلك قام بإحياء كوميديا مختلفة، بجهل وغفلة صمدي.

عبد العزيز صفر، المخرج الذي تسيد بإخراج رؤية عرض مسرحي متكامل بعناصره الفنية، بحيث تم تعايش المتفرج مع أحداث القرية، وتم تحقيق متعة وفائدة، رغم بساطة رحلة “محضر خير”، صنع المخرج رؤية، جعل فيها هذه الرحلة، محطة مهمة لكل محترم.

مصعب السالم

الفكرة والحوارات: الفكرة جميلة تطرح في سياق يتطرق لبعض القضايا والمشكلات المهمة، التي تلامس المجتمعات العربية بشكل عام، وفكرة تزييف وتشويه التاريخ، لرفع اسم الطاغية، فكرة تستحق الطرح والنقاش، خاصة وأن معظم تاريخنا العربي مزور.

الحوارات: مكتوبة بطريقة جيدة، تتفق مع الإيقاع الإخراجي، الذي تَوَجَّهَ له المخرج، وكانت حوارات بسيطة ومفهومة، وفي الوقت ذاته خفيفة وسريعة.

الإخراج: يحسب لعبد العزيز صفر احترامه للمتلقي، حيث لجأ لبعض التقنيات الإخراجية المعقدة – نسبياً -، والتي لم يَعْتَدْ عليها المتلقي في المسرح التجاري، لم يقدم المخرج المعلومات والحلول للمتلقي بملعقة، وإنما أشار إلى المشكلة بشكل واضح، وترك الاستنتاج، والحل للجمهور.

تحريك الممثلين كان رائعاً في المشاهد الغنائية، بينما كان هناك رتابة وتكرار في بعض تحركات الممثلين، وخطوط الحركة.

الممثلون: خالد المظفر كان رائعاً ومتمكناً من ضبط إيقاعه الشخصي من إيقاع العمل ككل، ولكنه توجه للتعبير بالجسد والوجه بشكل كبير، فمن وجهة نظري هو يحتاج لتدريب الجسد بشكل أكبر، للوصول للنتيجة المطلوبة، والمظفر اتجه للتمثيل الكلاسيكي في بعض المشاهد، والمبالغة التي أفقدت أداءه الصدق، وما ميَّزَ المظفر هي العفوية والإحساس الصادق، ولكنه حاول أن يجتهد في الأداء التمثيلي، وهي نقطة تحترم، ولكنه للأسف تَوَجَّهَ للمبالغة، والانفعالات غير الصادقة بعض الأحيان.

محمد الدوسري: يوجد ضعف في كتابة الشخصية، حيث طرح الكاتب بعض العقد في شخصيته، ولكن لم يتم استثمار هذه العقد وصفات الشخصية بالشكل الصحيح، ولم نلاحظ أي نتائج أو تأثيرات واضحة، لصراعه مع شخصية محضر خير، وبالتالي أصبحت الشخصية جامدة، ومع ذلك لم يوفق المخرج في اختيار محمد الدوسري، لأنه افتقد الأدوات التي تساعده على كسر جمود الشخصية.

مهدي دشتي: تمتع مهدي بحضور مميز وقبول، ساعده على كسر جمود شخصيته، التي تعاني من المشاكل ذاتها، حيث لم تكن أبعاد الشخصية وهدفها واضحاً، هذه أول مرة أرى فيها مهدي دشتي، وقد كان ظهوره مميزاً، وكان متمكناً بشكل كبير.

ابراهيم الشيخلي: من أروع وأجمل إضافات العمل، كعادته كان الشيخلي مميزاً، وميزته أنه فنان ذكي، وممثل فطن، حيث يدرك ما يفعله، ويعرف لماذا، ومتى يفعل ما يفعل.

إيمان فيصل: كان اختيارها في هذا الدور موفقاً، ظهورها كان مميزاً، إلا أنها بالغت في ردود أفعالها في بعض المشاهد، ولكنها كانت متمكنة مما تفعل في معظم ظهورها على خشبة المسرح.

زينب بهمن: الأفضل في الفريق، تتمتع زينب بهالة رائعة، وحضور جذاب، كما أنها تتمتع بحس كوميدي عالٍ، فهي قادرة على السيطرة على نفسها، دون أن تنجرف في الهزل، وهي كذلك قادرة على قياس تفاعل الجمهور، في اللحظات التي تتطلب ذلك.

سليمان كايد: ظهوره مميز، وتفاعله مع الجمهور جيد، إلا أنه انجرف مع الجمهور في بعض الأماكن، ولكن قام المظفر بذكاء باستغلال لحظات انجرافه مع الجمهور، لصالح المشهد، ورغم ذلك أعجبت جداً بكايد، مع تحفظي على بعض الحركات، غير اللائقة، وكوميديا “السمنة”، التي كانت مقبولة في بعض الأحيان ومنفرة في البعض الآخر.

هيا السعيد: حضور مميز، وإحساس عالٍ، ولكنها واجهت مشكلة بسبب طبيعة الشخصية، فالشخصية جوهرية في الحبكة، ووجودها ضروري وأساسي، ولكن كنت أتمنى لو رأينا نتيجة أو تأثيراً، من خلال الشخصية نفسها.

وفي النهاية أشكر المحترمين على هذا الجهد الرائع، وعلى هذا العمل المحترم، لأنه احترم فكر المتلقي وعقليته، وأتمنى أن يستمر هذا الفريق على هذا النهج، وبهذا الأسلوب.

منيرة العبد الجادر

لفت انتباهي، مشهد ماتع، قائم على المفارقة الدرامية بسبب (سوء الفهم) يجمع كلاً من شخصية محضر، وشخصية تركيز المعجبة به، وهو ممسك بكف يدها، ثم تدخل شخصية مندوب الشركة المتطفلة إن صح القول، تتصرف وكأنها تحاول إيجاد أي مستمسك على محضر، بعدها تأتي زوجته (فترة) يتكرر ذات الموقف للمرة الثانية، وفي المرة الثالثة يختلف الأمر، بحيث تتطور الحركة إلى وضع يده على وجه شخصية أخرى، وهو الرجل المساند لمحضر، فيتم اقتحام المتطفل، بردة فعل تتسم بالمبالغة، حتى يثبت انحراف أخلاق محضر.

نواف ماجد

عمل وظف فيه عنصر التغريب، كل جزء على الخشبة خامداً كان، أو نابضاً، فهو جسد منفي من بيئته، ويعمل على فعل التغريب، استخدم تقنية الأبعاد (زمكاني) وكأنه متوقف قصداً في عالم صدئ! سياسة ملعونة تنحر الوطن في وطنه، وتقطع رجليه من الهرولة وراء الزمن، تنفي الوطن من الوطن، وتنظر الأرض لمن يدوس عليها موحشَّاً، فالنص كان هنا المحترم الوحيد، لم يتحذلق، لم يصعد على ظهر اللغة، فتقدم الحوار كما هو، دون تكلف أو حذر، بما هو مخزن من ثقافة سلطة دنيئة، وفاسدة، وأعطى للمكان والزمان – ما كان صعباً على السلطة أن تعطيه – حقه في تعريفه وانتشاله من غربته.

يونس الشرهان

كانت المسرحية مختلفة اختلافاً جذرياً عن المسرحيات الأخرى، كان الطاقم فعلاً محترمين، وعلى قدر ثقة الجمهور، قاموا بإسعادنا وإمتاعنا دون تهريج، أو انحطاط، وكان العرض جميلاً، وكان هناك بعض النكات العفوية، التي ألقاها الممثلون ببساطة وكوميديا الموقف، كانت جميلة دون تهريج أو إسفاف، كوميديا الموقف كان لها دور كبير في نجاح هذه المسرحية، الديكور كان متناسقاً مع أحداث المسرحية، وتشرفنا واستمتعنا بالحضور أنا وزملائي طلبة قسم التمثيل والنقد، تحت إدارة وإشراف الدكتورة سعداء، شكرا على دعوتها، نتمنى لهم المزيد من الازدهار والنجاح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ قسم النقد والأدب المسرحي ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى