إذاعة وتليفزيونمشاركات شبابية

طارق هاني: هل تعاني الدراما المحلية من أزمة نصوص؟!

طارق هاني★

في لقاء قصير أُجري معها – عام 2021 – في برنامج عالسيف، الذي يبث عبر تلفزيون ATV، سُئلت السيناريست الكويتية الشابة مريم القلاّف، عن مسؤولية كُتّاب السيناريو في تدني الدراما الكويتية، فكانت إجابتها: “صحيح […] المشكلة ليست في الكاتب […]، نحن نكتب، ونضع ما نريد، لكن نفاجأ بمنتج يريد عملا ركيكا، وغير مكلف، يقول: أنا لا أريد أن أصرف على هذا العمل، لا تفتحي اللوكيشن، لا تكثري من الشخصيات، لا تضعي شيئا يمكن أن أصرف عليه كثيرا، حاولي التلخيص…” ثم أشارت إلى قيود الرقابة التي من شأنها أن تقوّض احتمالات التجربة الإبداعية، إن شكلاً أو موضوعًا، وهو الأمر الذي لم ينتهِ، إلا ليبدأ في ثوب جديد.

لن يفوتني القول، بأنَّ صراحة مريم، في كلامها أعلاه، التي لم يبلغها كاتبٌ أو كاتبة من قبل – فيما أعلم – تدعو إلى احترامها، وإلى القلق على مصير كتاباتها، خصوصا وإني لم أرَ لها عملا جديدا بعد ذلك اللقاء سوى مسلسل ” نبض مؤقت” الذي كان قيد التصوير حينها، مما قد يلمح – ربما – إلى أن صناعة الدراما، في نظامها الداخلي العامّ، ساحة للعنت، والاعتساف، والاحتراب، كما هو الحال في معظم الصناعات التجاريّة التي لا ترفع راية الأخلاق المهنيّة، وذلك بما لا يليق بالفنّ. مع بعض الاستثناءات القليلة.

يحيلني ذلك، إلى كتاب (نظام التفاهة)، ترجمة د. مشاعل الهاجري، الذي تناول سيادة التفاهة على القيمة بمعناها المتّسع، الذي نجده – مثلا – لدى الفيلسوف الكنديّ آلان دونو حيث يقول: “…لأن القيمة في الثقافة الرأسمالية، تكون مسألة أصولٍ ماليّة، لأغراض رفاهيّة فيما هي للفقراء والمستهلكين الاعتياديين محض مسألة مساومات، ومقارنات، بين الجودة والسعر.”

لطالما، ردَّدَ العاملون في صناعة الدراما المحلية، عبارة مثل: “ما عندنا نصوص جيدة”، أو “ما في كُتّاب”، الأمر الذي – بحكم الملاحظة – لا أراه صحيحا، أو دقيقا على الأقل، لأن المعضلة الحقيقية لا ترتبط بانعدام الكتَّاب من حيث هم قوى بشرية، أو النصوص من حيث هي إنتاج لتلك القوى، بل في الآليةِ التي تؤدي (باثولوجيا أيضا) إلى صعود المؤلفين السيئين، أو الجيدين الذين لا يملكون – في ظروف كهذه – سوى إنتاج نصوص رديئة، إما لضيقِ الوقتِ المتاح للكتابةِ، أو تلبيةً لإملاءات المُنتج التي أشارت إليها مريم، أو القعود عن الكتابة.

خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار، ظاهرة شائعة عند الكتاب المحليين تتجسد في قيام السيناريست بكتابة 30 حلقة بمعدل 1200 صفحة تقريبا، في 3 – 5 أشهر، بل في شهرين أحيانا كما صرح بذلك كاتبٌ أعرفه شخصيا، الأمر الذي لا يبدو طبيعيًّا مُطلقا في صناعة كهذه، تقتضي من التحرير أو التعديل أكثر ما تقتضيه من الكتابة، كما علمنا أحد الكتّاب – فاتني اسمه – حينما قال في عبارته التي صارت قاعدة ثابتة: “إن الكتابة إعادة الكتابة”، وكما نتعلم من سيناريست مصريّ معاصر مثل عمرو سلامة الذي اطلعت له على نصّ سينمائيّ له (من ساعة ونصف بما يعادل: 146 صفحة)، جرى تعديله – قبل التصوير – ستّ مرات تقريبًا، ثم كان ما قرأته على الورق مُطابقا لما شاهدته على الشاشة، إلا بضع حوارات جرى تعميقها، إذ لا مجال للعبث أثناء التصوير كما هو شائع في الدراما المحليّة، مع أن السينما المصرية ذاتها محكومةٌ باعتبارات تجاريّة!

إن ذلك، وغيره من الأسباب، يؤدي إلى الضعف البنيوي للدراما المحلية، ونصوصها، بما يجعل أحداثها غير مترابطة، وشخصياتها سطحيّة، وحواراتها مباشرة ورتيبة، بالضرورة، لكنّ السبب الرئيس أعيده – على ضوء ما تقدم – إلى تجرّد الفن، من الفنِّ ذاته، والإبداع من بديهياته وشروطه، وتصييره – بسلطة الغائية الربحيّة للمنتجين – إلى نماذج وأشكال لا تنتمي إليه نظريا إلا بقدر انفصالها عنه عمليًّا، وأما تشدد الرقابة فذلك سبب – إن وجد – فهو عَرضيّ، ومما يدلُّ على ذلك، أن الأعمال التي أفلتت من مقصّ الرقابة، وصُوّرت في الخارج، لم تقدّم نموذجا بديلا، إلا على الطريق الذي لا نرجوه، أو نتطلع إليه، لذلك فإن النتيجة الحتمية لكل ذي ذوق أن يعزف عن ما كان بهذا المستوى من المسلسلات، التي يدافع عنها أصحابها، أو يرجعون أسباب فشلهم إلى شيء واحد فقط “ما عندنا نصوص”!

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتب ــ سلطنة عمان

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى