مي سيد: آليات التأليف والإنتاج المسرحي
مي سيد★
للتأليف المسرحي عدة تقنيات، أو أليات تُساعد المؤلف في اختيار موضوعاته، والنص الذي سيعمل عليه، ليس فقط مصدر الفكرة التي سيكتب عنها، بل مصادر قد تكون في النهاية هي النص ذاته الذي سينتجه، أي أن المؤلف المسرحي قبل بدايته في كتابة نص ليتم عرضه، قد يذهب إلى نصوص أدبية أخرى قديمة ليأخذ منها مادة ذلك العرض، وقد يصل ذلك إلى أخذ نص أدبي كامل، وإعادة عرضه مع بعض التعديلات عليه، وأحياناً توكل تلك المهمة إلى شخص أخر غير المؤلف، قد يكون المُخرج، أو المُعِدُّ، أو الدراماتورج ــ حديثاً ــ، وليقوم المؤلف أو أيٌ منهم بذلك، فهو لدية عدة تقنيات وهي: الإعداد، والدراماتورجية، والاقتباس، والتناص، والتعريب، والتمصير.
تلك التقنيات تختلف وتتشابه بين بعضها في المعنى، وطريقة العمل بها، لكن تشترك جميعها كطرق لإنتاج عرض مسرحي جديد من نصوص أدبية سابقة، فأحدها يعتمد على أخذ نص كامل، وعرضه بلغة أخرى، والآخر يعني تجميع عدة نصوص، لإنتاج نص واحد نهائي، والآخر يعني أخذ نص من نوع أدبي آخر، وتقديمه في شكل مسرحي، وبعض تلك التقنيات لا تُعتبر تأليفاً مثل التعريب والتمصير، وبعضها يُعتبر مهمة أخرى غير التأليف، مثل الإعداد، والدراماتورجية، فقد تكون مهمة المخرج أو المُعِدُّ كما ذكرنا.
تقنيات خاصة بالنص المسرحي (التعريب، والتمصير، والاقتباس، والتناص)
هناك أربع مصطلحات، تخص بدورها المؤلف في بداية كتابته للنص، فالمؤلف هو الذي يقوم بكلٍ من التقنيات الأربعة، حيث يبدأ المؤلف قبل الكتابة في اختيار الموضوع الذي سيعرضه من خلال نصه، وأثناء ذلك الاختيار قد يجد نفسه أمام نصوص تُلبي غرضه، ولا ينقصها سوى إضافة، أو حذف بعض التفاصيل، أو دمج نصوص مع بعضها البعض، أو الأخذ من عدة نصوص لاستكمال نصه، وفي تعريف كل مصطلح، سيتم توضيح الفرق بين كلٍ منهما.
التعريب والتمصير
يوجد مصطلحات مسرحية تتشابه مع بعضها البعض في المسمى، وتكنيك تنفيذها، تلك المصطلحات هي الترجمة، والتعريب، والتمصير، وتجتمع في أن جميعها تتعلق ببدايات المسرح، حيث كانت بداية المسرح عبارة عن ترجمة للنصوص الأجنبية، وخاصة الفرنسية، ثم بدأ التعريب، والتمصير، ويعتبر بعض النقاد أن التعريب، والتمصير هما أحد درجات وأنواع الترجمة، حيث كانت الترجمة هي المعين الأساسي، لنضج تيارات جديدة، لدى المؤلفين الكبار.
الترجمة والتعريب:
للوهلة الأولى نظن أن التعريب هو الترجمة، أي تحويل نص من لغة إلى لغة أخرى؛ لكن في الحقيقة يوجد بينهما اختلاف كبير حيث: “الترجمة هي نقل مسرحية بالترتيب ذاته، من دون زيادة ولا نقصان، ومن دون بتر، وتطوير، وقلب المشاهد، وإعادة صياغة الشخصيات، أو تغيير ردود الممثلين خلال الحوار” (1) أي أن الترجمة تكون نقلاً حرفياً للنص ومفرداته، ربما يتفاوت فيها بعض المترجمين، وقد يغير أحدهم بعض الأشياء، أو يختصر في الحوار، أو تغيير طفيف في البنية؛ لكنه بذلك يكون مترجماً غير دقيق ويصنع تشويهاً في النص الأصلي، حيث تُملي عليهم الدقة والأمانة ترجمة النص كما هو، فبذلك تقتصر الترجمة على نقل المفردات من لغة إلى لغة أخرى ، ليس أكثر.
ولكن ذلك لا يعني أن الترجمة كانت تنقل كل موضوعات الغرب إلى المجتمع العربي، بل “اعتمدت هذه الترجمة على مبدأ حاكم هو اختيار ما يتلاءم مع روح الفترة وشواغل العصر، وإشباع الحاجات الجمالية والإنسانية بالتوازي مع التأليف الخلاق.”(2) بينما التعريب اتخذ شكلاً أكبر، وأكثر حرية من الترجمة، فهو لا يقتصر على تحويل اللغة فقط، بل هو باختصار يقوم بتحويل النص بكل عناصره، أسماء شخصياته، وحواره، ولغته، إلى البيئة التي يُنقل إليها، وهي بيئة المجتمع العربي؛ لتكون مناسبة لمعتقدات وتقاليد المجتمع. “فمثلما شهد المسرح العربي في نشأته الأولى تيار الترجمة، شهد أيضا تيار التعريب، وهو يقوم على نقل البيئة التي تدور فيها أحداث المسرحية، بعد تحويلها إلى بيئة عربية عصرية أو تاريخية تبعاً لموضوع المسرحية، ومن الطبيعي أن يتم تغيير أسماء الشخصيات، وتعديل الأحداث، لتتوافق مع طبائعها وتصرفاتها بحسب البيئة الجديدة التي نقلها إليهم المُعَرِّب.”(3) ولذلك يجب من البداية اختيار موضوعات وأفكار تتلاءم مع المجتمع العربي وتقاليده، فبعدما يتم تعريب عناصر النص يُصبح، وكأنه من البداية يعالج قضية غربية، وليس مأخوذاً من قضية وفكرة غربية.
“فإن عمليات التعريب لنصوص المسرح الفرنسي والإيطالي على الخشبات العربية، كانت تأخذ في اعتبارها الواقع ومشكلاته، فتنتقي ما يتلاءم معه ويعبر عنه، وساعد على ذلك أن كبار الكُتَّاب الذين أسسوا للأدب المسرحي العربي، قد عكسوا تاريخ الفن، فبدأ شعراء الإحياء تأليف المسرح الشعري، مستلهمين التراث العربي في موضوعاته وتجاربه، والإطار الغربي في أشكاله وبنيته.” (4)
أي أن التعريب يأخذ من النص الأصلي _الغربي_ بنيته الأساسية التي ينقل من خلالها فكرته، ويضيف إليها الطابع العربي بثقافته وتقاليده، ويظهر ذلك عند قراءة النص الأصلي مترجماً ترجمة حرفية، ثم قراءة نفس النص بعد تعريبه، هنا يظهر مجهود المُعَرِّب الذي غيَّر في النص الأصلي، وجعله نصاً مقبولاً في مجتمع مختلف، من أبسط مظاهر التعريب، تعريب الأسماء والشخصيات، ويتم ذلك “باستبدال الاسم الأجنبي باسم عربي يشابهه صوتياً إلى حد ما، ويكتسب صفات وملامح مصرية أو عربية، وهذا هو ما فعله مترجمو الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير موليير الذين حوّلوا شخصيته المسرحية الشهيرة ترتوف الى الشيخ متلوف.” (5)
التمصير:
يعني التعريب المجتمع العربي بأكمله، بينما التمصير فيكون في حدود أضيق داخل بلد واحدة هي (مصر) ويراه بعض المسرحيين المصريون أنه كما ذكرنا سابقاً درجة من درجات الترجمة مثل التعريب، “إذ ينقل المترجم المسرحية، لتدور في بيئة مصرية، تعتمد على العادات والتقاليد المصرية، ويعطي الشخصيات أسماء مصرية، ويغير من سلوكها وطبائعها لتوائم البيئة المصرية، ومن الطبيعي أن يجري الحوار بالعامية المصرية، حتى تتم صورة التمصير على أكمل وجه.”(6) ويميل تعريف أ. د. إبراهيم حمادة أيضاً إلى أن التمصير، هو نوع من الترجمة حيث عرَّفه بأنه: ” ترجمة نص مسرحي أجنبي إلى البيئة المصرية، بشرط ملاءمة موضوع النص المنقول حدثاً، وفكراً، ومناخاً ، للمنطقة الاجتماعية المحلية. وتترتب على تلك الترجمة تغييرات تناسب ذوق المتفرج المصري، وعصره، وتشمل: اللغة، وأسماء الشخصيات، والأماكن، والأزمنة، والعبارات الشائعة كالحكم والأمثال، والمضحكات، وبعض الأحداث والتقاليد.”
ويمكن تطبيق ما سبق على التعريب أيضاً، مع تعميم ذلك على باقي المجتمعات، والبلدان العربية، وليس مصر فقط، أي أن تكون الأسماء مثلاً عربية بشكل عام، وليست مصرية بالتحديد، وقد عَرَّف محمود تيمور التمصير تعريفاً مختصراً، يوضح معناه بإيجاز، حيث عرَّفه بأنه: “صبغ الأشياء بالصبغة المصرية” (7) ومما سبق يتضح الفرق بين الترجمة، والتعريب، والتمصير
الاقتباس:
الاقتباس أيضاً من التقنيات التي أعتمد عليها الأدباء في بداياتهم، وفي بداية النشاط المسرحي، مثلما كانت الأعمال الأدبية في عصر النهضة، تُقتبس من الأعمال الإغريقية، ثم في المسرح العربي، أصبحت الأعمال الأدبية في بداية الأمر، تٌقتبس من الأعمال الأجنبية مع تغيير الشخصيات، وبعض التفاصيل، لتناسب العقلية المحلية، “فالاقتباس مرتبط بالبدايات، إذ أنه ازدهر مع بدايات تعرُّف العرب على الشكل المسرحي الأوروبي، وقد حدث ذلك في مصر، عند بداية نقلها لفن المسرح عن الغرب، كما حدث في الكثير من الدول العربية؛ إذ طغت ظاهرة الاقتباس بشكل عام، ثم تقلص دورها مع مرور الزمن ، وحلول التأليف محلها.” (8)
وفي ذلك تشابه مع التعريب والتمصير، ولكن الاختلاف هنا، أن الاقتباس لا يكون للنص كاملاً مثل التعريب، بل يكون أخذ بعض أجزاء من نص، وإعادة كتابتها، “فالاقتباس هو كتابة مسرحية أخرى، وأخذ مكان الكاتب”
وللتعرُّف أكثر على الاقتباس ومعناه ووظيفته، يجب معرفة معناه اللغوي أولاً، ومعناه الاصطلاحي / الفني ثانياً المعني اللغوي لكلمة اقتباس – اقتبس: أخذ؛ ومن هنا يتضح المعنى الفني والأدبي للكلمة، حيث يعني الاقتباس في معجم المسرح: “الاقتباس هو عملية نقل، أو تحويل أثر أدبي من نوع إلى آخر (من رواية إلى مسرحية مثلاً)” (9) ومن ذلك المعنى يتضح فرق آخر بين الاقتباس، والتعريب / التمصير، حيث يتم التعريب، والتمصير على نصوص مسرحية فقط، أما الاقتباس، فقد يكون من نصوص أدبية أخرى غير المسرحية، أو من مسرحيات سابقة.
وقد لخص أ. د. إبراهيم حمادة الاقتباس بشكل وجيز حيث قال إن الاقتباس هو: “عملية تكوين نص مسرحي من عمل روائي، أو أقصوصي، أو مسرحي، أو غير ذلك، وتتضمن هذه العملية الجديدة عناصر بنائية، وأخرى فكرية وردت في الأصل المقتبَس، ولا يمكن تحديد مدي تصرف المقتبسِ في المصدر، الذي قد يكون محلياً أو أجنبياً؛ لأن كمية الاقتباس والتصرف فيها بالحذف أو الإضافة، تتفاوت من كاتب لآخر”
إذاً فإن الاقتباس ــ بالنسبة إلي المسرح ــ هو: أخذ أفكار، أو مواضيع، أو شخصيات، أو حوار، وغيرها من عناصر النص الأدبي، من نص أدبي، أو عدة نصوص، لتكوين عرض مسرحي جديد، فقد يكون العرض مُكَوَّنَاً من عدة نصوص مختلفة، ومعتمد بالكامل علي الاقتباسات، وقد يكون نصاً مؤلفاً بذاته، وتتخلله بعض الاقتباسات، ولذلك تتعدد أنواع الاقتباس حسب الجزء الُمُقتبس في النص.
“ا- اقتباس فكرة، كفكرة الخلود، أو الحساب، والعقاب الأخروية
2 – اقتباس صفة من صفات شخصية مسرحية دون مسماها.
3- اقتباس ذات وهيئة، اقتباس شخصية بأبعادها، وظروفها، وسلوكها ومسماها.
4 – اقتباس ذات، اقتباس شخصية أوديب، دون مسماه.
5 – اقتباس هيكلي تام، مثل اقتباس أسلوب كتابة، أو تجسيد فني (البناء الفني الدرامي).
6 – اقتباس هيكلي جزئي مثل مقدمة مسرحية الأرانب.
7 – اقتباس مغزى موضوعي، اقتباس الموضوع، أو المغزى دون الهيكل.
8 – اقتباس ناقص، قد يكون الاقتباس الناقص جزءاً من قول، أو فعل، أو فكرة، لتحدث أثراً نقيضاً للأثر الذي وضعت من أجله الجملة، أو العبارة، أو القول، أو الفكرة كأن تقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ..) وتترك بقية الآية.” (10)
إذاً فالاقتباس بشكل مختصر، هو أخذ بعض العناصر من عمل أدبي، وادخالها في عمل مسرحي جديد، وليس أخذ العمل كاملاً بكل عناصره مثل: الحبكة، والفكرة، والشخصيات، والصراع، وبذلك يكون للمؤلف دور مُختلف عن التعريب، أو الترجمة، فيظهر في الاقتباس إبداع المؤلف الشخصي، في بناء بقية العناصرغير المقتبسة.
التناص:
مصطلح التناص من المصطلحات النقدية المهمة، والتي تشير إلى ترابط، وتداخل النصوص، والأعمال الأدبية مع بعضها البعض، ويوجد خلط بينه، وبين مفاهيم نقدية أخرى، ومنها الاقتباس؛ ولكن بعد التعرف على التناص، سيتضح الفرق بينها، “إن التناص في النقد العربي الحديث هو ترجمة للمصطلح الفرنسي « text inter » حيث تعني كلمة «inter» في الفرنسية: التبادل، بينما كلمة «text»: النص، وأصلها مشتق من الفعل اللاتيني «textere» وهو متعدٍ ويعني “نسج” وبذلك يصبح معني «intertext»: التبادل الفني، وقد تُرجم إلى العربية: بالتناص الديني يعني: تعالق النصوص بعضها ببعض، وصيغته التناصيص مصدر الفعل على زنة “تفاعيل” تأتي علي اثنين أو أکثر، وهو تداخل النصوص ببعضها عند الکاتب طلباً لتقوية الأثر.” (11)
أي أن التناص هو أن يُدخل الكاتب في نصه الأدبي أجزاءاً من نصوص أخرى مثل: (بيت من قصيدة، أو أية من كتاب مقدس)، ليقوي فكرته، ويؤكد عليها، بل يرى بعض النقاد، أن النص يُفهم من خلال النصوص الأخرى، وقد كانت بداية ظهور ذلك المصطلح، ونظريته علي يد الناقدة الفرنسية جوليا كريستيفا، “تُشير نظرية التناص kristeva 1969 إلى أن النص لا يُفهم إلا من خلال النصوص التي تسبقه، والتي من خلال تحولاتها، تؤثر فيه، وتعمل عليه.” (12)
حيث ترى كريستيفا أن النص لا ينطلق من العدم، أو من تلقاء نفسه، بل يكون للنص الأدبي نصوص سابقة ينطلق من خلالها، أي أن النص الأدبي ما هو إلا أجزاء من نصوص أدبية سابقة ــ سواء كانت كاملة، أو شذرات نصوص ــ تجمعت مع بعضها لتُخرج نصاً جديداً بفكرة أعمق وأوسع، وتؤكد كريستيفا أنه لا يوجد نص إبداعي بشكل كامل، لا يخلو من نصوص أدبية سابقة له، وبذلك يكون النص الجديد هو تداخل، وتقاطع مع نصوص بطرق مختلفة “يتفاعل بواسطتها النص مع الماضي، والحاضر، والمستقبل، وتفاعله مع القراء، والنصوص الأخرى”
وفي رأيي أن مصطلح التناص يعتبر مصطلحاً نقدياً تحليلياً له علاقة بالقارئ أكثر من المؤلف نفسه، وأنه ليس تكنيكاً للكتابة، فالمؤلف تكون لديه ثقافته الخاصة، وذخيرة أدبية كبيرة، بالكاد تؤثر تلك الثقافة على كتابته، ربما دون قصد، فيظن أنه يكتب عملاً إبداعياً خالصاً، لكنه في الحقيقة يتشابه بشكل، أو بآخر مع نصوص أخرى من المختزنة في ذاكرته، ويوجد عديد من النقاد يتبنون ذلك الرأي، ويرون أن التعرُّف على التناص في النص، هو مهمة القارئ.
لقد اشترط عبد القاهر الجرجاني للتمييز بين التناص، وبين الانتحال، والسرقة، والنسخ، تحقيق الإضافة والتجديد، قائلاً في ذلك ما يدل على أن التناص قد يكون غير مقصود من المؤلف، وإنما مبني على ما في ذاكرته من نصوص، “فمتى أجهد أحدنا نفسه، وأعمل فكره، وأتعب خاطره وذهنه، في تحصيل معنى يظنه غريباً مبتدعاً، ونظم بيتاً يحسبه فرداً مخترعاً، ثم يتصفح الدواوين لم يخطئه أن يجده بعينه، أو يجد له مثالاً يغض من حسنه، ولهذا السبب أحظر على نفسي، ولا أرى لغيري بتُّ الحكم على شاعر بالسرقة” (13)
أي أنه لا يمكن الحكم علي أحد الكُتّاب بالسرقة، إذا كان نصه متشابهاً مع نصوص أخرى، مادام قد جدد فيه، وأضاف إليه، وأنه عند التدقيق في النصوص من القارئ المُثقف والمحلل، نجد أن النص به تشابهات مع نصوص أخرى لغوياً وبنيوياً، وهذا هو ما يسمي التناص.
مما سبق يمكن القول إن التشابه بين التناص والاقتباس، يكمن في أخذ الاثنين أجزاءاً من نصوص أدبية سابقة، مسرحية أو غيرها من الأنواع الأدبية، أما اختلافهما يكمن في أن التناص قد يكون غير مقصود، بينما الاقتباس يكون مقصوداً، كذلك فالتناص يعني أن النص مكون بالكامل من نصوص أخرى، أما الاقتباس فهو مكون من عناصر مقتبسه من نصوص قديمة، وعناصر أخرى جديدة من إبداع المؤلف.
تقنيات خاصة بالعرض المسرحي (الدراماتورج والإعداد)
هناك مصطلحان أو تقنيتان لهما علاقة بإعداد العرض المسرحي، وليس التأليف المسرحي، فالاثنان يعتمدان على نصوص أدبية، تكون مؤلفة بالفعل، ويتم أخذها والتعديل عليها للعرض المسرحي، ويدخل في ذلك بالطبع جزء إبداعي، قد يشبه التأليف، أو يكون بالفعل تأليفاً، لكن في الأصل يكون العرض مأخوذاً عن نص أدبي أخر.
الإعداد:
يُعرف الإعداد في بعض المعاجم بالمسرحة، ويتم تعريفه كما يلي: “الإعداد بوجه عام هو إعادة كتابة شكل أدبي، أو غير أدبي في شكل أخر، وعادة ما يكون المقصود من الإعداد، هو إعادة تنفيذ عمل، طبقاً لمتطلبات وسيلة أدائية جديدة، غير الوسيلة التي أُبْدِعَ لها العمل المعد أصلاً، وعلى هذا يمكن إعادة صياغة رواية طويلة، كتبت للقراءة في شكل مسرحية، ومن الملاحظ أن معظم الإعدادات تتم على يد كُتَّاب، ليسوا هم مبدعي العمل الأصلي ذاته، يستهدف الإعداد الاجتهاد في استبقاء الشخصيات، والفكرة، واللغة، والجو العام، ونحو تلك العناصر الموجودة في العمل الأصلي، أو المصدري في الشكل الجديد الجاري إعداده.” (14)
ومن ذلك يمكن القول بأن الإعداد ُيُشبه الاقتباس في استعانته بالنصوص الأدبية المختلفة عن المسرحية مثل الرواية؛ لكنهما يختلفان من حيث أن المقتبس يأخذ عنصراً، أو اثنين من الرواية مثلاً، ويُكمل المؤلف البناء الدرامي.
أما المُعِدُّ فهو يأخذ الرواية كاملة بجميع عناصرها، ويحاول حذف أجزاء منها لا تُخِلُّ بالبناء الدرامي، لتحويلها إلى مسرحية، لذلك يُعرف الإعداد بمسرحة الرواية.
وقد قيل في الفرق بين الاقتباس والإعداد إن: “إعداد الصياغة بتناول جديد تأسس على التناول الأصلي، ولا يشذ عنه إلا في عنصر أو أكثر، وهذا مغاير للاقتباس الذي لا يطابق الأصل، إلا في عنصر رئيسي أو عنصرين.”
كما توجد أراء تقول: إن الإعداد يكون للنصوص المسرحية فقط، أي إعداد عرض مسرحي من نص مسرحي، وفي كل الحالات يُعتبر المُعِدُّ مؤلفاً ومبدعاً، فعملية نقل وتحويل نوع أدبي إلى نوع أدبي أخر ليست بالعملية السهلة؛ فإن المُعِدُّ قد يأخذ قصة قصيرة، ويحولها إلي مسرحية طويلة، وبالتالي فهو يقوم بتأليف أجزاء جديدة، وحوارات لتوضيح فكرته، والعكس صحيح إذا كان النقل عن رواية طويلة؛ فيحاول المُعِدُّ اختزالها دون إخلال ببنائها الدرامي، كما أنه يلتزم بكل قواعد البناء الدرامي والتي قد لا تتوافر كلها في الرواية، فيضطر المُعِدُّ إلى خلق البناء الدرامي بنفسه.
الدراماتورج:
يشكل مصطلح الدراماتورج جدلاً كبيراً في عالم المسرح، حيث يختلف النقاد والمؤلفون على معناه، وأهميته، وضرورة وجوده في فريق العمل المسرحي، ومن هنا يتعين علينا أن نعرف من هو الدراماتورج؟ وماهي وظيفته؟
أولاً: المعني اللغوي لكلمة الدراماتورج، كما تمت ترجمته في المعاجم الخاصة بمصطلحات الدراما والمسرح.
“المصطلح الإنجليزي مأخوذ عن اليونانية: عمل ergon + دراما drama, ويعني فنية، أو تقنية التأليف المسرحي، وإنتاجه.” (15) وفي قاموس أخر:
“كلمة تُستعمل بلفظها الأجنبي في كل اللغات، بما فيها اللغة العربية، وهي مأخوذة من اليونانية dramaturgos التي تتألف من dramto = العمل المسرحي، وergos = الصانع أو العامل، أي أن الكلمة معنى التأليف كصنعة.”
من ذلك التعريف يتضح المعنى المبدئي الأولي لكلمة الدراماتورج، وهو المؤلف أو صانع العمل المسرحي، كما يتضح أنه مصطلح قديم، منذ بدايات المسرح عند الإغريق، لكنه ظل يتطور باختلاف العصور والبلدان.
“في البداية كانت كلمة دراماتورج تُطلق على من يؤلف الدراما، ومع انتشار المدلول الألماني لكلمة دراماتورجية، تطور المعنى، ودخل عليه مدلول جديد، وهو الشخص الذي يهتم بالعرض المسرحي. يعتبر الكاتب الألماني غوتولد لسنغ أول دراماتورج بالمعنى الحديث، لأنه فتح الباب أمام تصور جديد للعملية المسرحية على الصعيد العملي، من خلال ربطها بخصوصية الجمهور الذي تتوجه إليه… وقد أوصل بريخت الدراماتورج إلى أهميته القصوى، لأنه جعله أهم من الكاتب ومن المُخرج، لقد اعتبر بريخت الدراماتورج مسؤولاً عن الجانب التقني والعملي، مقابل الفيلسوف الذي يهتم بالجانب الفكري في العمل. ” (16)
أي أن الدراماتورج اختلف معناه واختلفت وظيفته، فلم يعد هو مؤلف النص فقط، بل هو المسؤول عن تحويل النص إلى عرض مسرحي، أي أنه مسؤول عن جانب عملي، وليس نظري، فهو يهتم بكل ما يخص النص، وتحليله من أجل عرضه إلى الجمهور، فيقوم بإعداد النص بشكل مناسب للجمهور، الذي يُعرض أمامه العرض. وقد اختصر باتريس بافي ذلك في تعريفه للدراماتورج ومهماته عندما قال: “إن المؤلف المسرحي ــ الدراماتورج ــ هو إذن الناقد الأول من داخل العرض الذي يتم تحضيره” (17)
وظيفة ومهمة الدراماتورج، وأهميته:
وفقاً لما سبق من تعريفات للدراماتورج، تبين أن مهمته هي تحضير النص ليكون صالحاً للعرض، ولكن هناك تنوع في طريقة إتمام تلك المهمة/ الوظيفة حسب المهمات التي تسند إليه، وهذا التنوع، وفقاً لما جاء ببعض المعاجم المسرحية التي أدرجت مهمات الدراماتورج تحت عنوانين رئيسيين:
“- دراماتورج الإنتاج، لا يرتبط عمله مباشرة بالعملية الإخراجية، وينتهي دوره مع بداية التدريبات، فهو المسؤول عن تحديد الربرتوار، ورسم سياسة المسرح، واختيار النص وتوثيقه، وإجراء بحوث تاريخية، ومسرحية حوله، وتحضير الدعاية له، وكتابة البرشور، وتوثيق العمل بعد عرضه.
– دراماتورج المنصة، يدخل عمله في صلب العملية الإخراجية، ويتراوح ما بين ترجمة النص، أو إعادة ترجمته لعرض معين، أو نقله من اللغة الأدبية إلى اللغة المحكية، وإعداد النص أو توليفه، بالتعاون مع بقية صناع العمل، وقد يقوم بذلك أثناء التحضير للعمل فقط، أو يستمر خلال التدريبات.” (18)
إذن فإن مهمة الدراماتورج تختلف حسب ما يُكلف به من صناع العمل، فإما أن تتوقف عند الأعمال الكتابية الخاصة بالعرض، وإما أن تصل إلى جميع عناصر العرض، حيث يكون شريكاً لكلٍ من المخرج والمؤلف والممثلين وحتى السينوغراف.
وبالرغم من الاختلاف على ضرورة وجود دراماتورج ضمن فريق العمل من عدمه، إلا أنه له أهمية كبيرة في إخراج النصوص المسرحية إلى خشبة المسرح، وأعترف بتلك الأهمية المؤيدون له ولضرورته، وقد ناقش ذلك د. أيمن الشيوي في مقاله عن الدراماتورج حيث قال عنه: “إنه فن التكوين الدرامي، وتقديم العناصر الرئيسية للدراما، وبلورتها على خشبة المسرح، وأن هذه الوظيفة يمكن اعتبارها وسيلة مهمة لفض النزاع التقليدي بين المؤلف والمخرج، وحول علاقة النص المسرحي بالعرض، والمساحة الإبداعية المتاحة للمخرج، بوصفه يقوم بعمل يختلف عن النص المسرحي، وأنه لن يقدم مجرد ترجمة حرفية له، أو محاكاة باهتة له، ومن ثم فإن وظيفة الدراماتورج ترتبط بمفهوم (مخرج مؤلف العرض المسرحي)، ومحاولات بث الحياة في نصوص مسرحية، قد تكون انتهت صلاحيتها، أو محاولة تجديدها لتصبح صالحة للعرض في زمن ومكان وجمهور معين .” (19)
ومن هذا يتبين أن للدراماتورج وظيفة قد تكون أكثر أهمية من المؤلف والمخرج، وهي إعداد النصوص القديمة للعرض بشكل عصري بعد اختلاف الزمن والثقافات، كذلك يتضح سبب معارضة البعض لتلك الوظيفة، وهو أن بعض الناس لا تحب مشاركة عملها مع الآخرين، والدراماتورج هو شريك للمؤلف والمخرج، فيرى البعض أنه دخيل على العمل المسرحي، ولا يوجد ضرورة لوجوده، وفي جميع الأحوال، يعتبر وجود الدراماتورج أمراً اختيارياً حسب أهمية الإضافات والتجديدات التي سيعطيها للعمل، وحسب قابلية المخرج، والمؤلف لوجود شريك لكلٍ منهما.
ومن هنا يتضح تشابه الدراماتورج مع الإعداد، ومع الاقتباس، وكل ما سبق من مصطلحات وتقنيات، فقد نعتبر أن الدراماتورج جامعاً لكل ما سبق حتى الترجمة.
النتائج:
تتلخص نتائج ذلك البحث في توضيح الفروق ما بين المصطلحات الستة، التي تناولها البحث، حيث تم توضيح الفرق بين التعريب، والتمصير، والترجمة، فالترجمة تقتصر على النقل الحرفي بين اللغات، أما التعريب، والتمصير، فهما ينقلان ثقافة العمل كلها، من غربية إلى عربية أو مصرية.
كما تم التفريق بين التناص والاقتباس، حيث يجمع التناص بين عدة نصوص مختلفة، أما الاقتباس فيأخذ عنصراً أو أثنين من نص، ويبني بقية العناصر المؤلف بنفسه.
وأيضاً الفرق بين الإعداد والاقتباس من حيث نقل العناصر، فالإعداد يأخذ العناصر كلها مع تعديل في بعض العناصر من العمل الرئيسي، أما الاقتباس فيأخذ عدداً قليلاً من عناصر العمل الرئيسي.
وفي النهاية يُعتبر الدراماتورج جامعاً بين كل تلك العناصر، حيث يعتني الدراماتورج بالترجمة، وإعداد النصوص القديمة، والاقتباس من نصوص أخرى، وربما تعريب، أو تمصير نصوص أجنبية، فالدراماتورج رغم الاختلاف على أهميته، إلا أنه هو أكثر الوظائف اهتماماً، بإنتاج عرض مسرحي متكامل.
المراجــــــع
- إبراهيم حمادة: معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط3، 1334.
- أبو الحسن عبد الحميد سلام: حيرة النص المسرحي بين الترجمة والاقتباس والأعداد والتأليف، مركز الاسكندرية للكتاب، الإسكندرية، 1333.
- أحمد صقر: مقال الخصائص الفنية لمرحلة نشأة المسرح العربي وإقراره، الحوار المتمدن، العدد: 3243 – 2111 / 11 / 17 – 13:24.
- أيمن الشيوي: مقال الدراماتورج ودوره في الوساطة بين المؤلف والمخرج 1، مجلة مسرحنا، 2111، عدد 231.
5- باتريس بافي: معجم المسرح، ت: ميشال ف. خطار، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2112.
6ـ حنان قصاب حسن، ماري الياس: المعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض، مكتبة لبنان، بيروت، ط1، 1337.
7ـ حسي ميرزائي: مقال التناص الأدبي؛ ومفهومه في النقد العربي الحديث، ديوان العرب، 2111.
8- صلاح فضل: مقال ترجمة المسرح، صحيفة الاتحاد
9 – محمود تيمور: مشكلات اللغة العربية، مكتبة الأدب.
10- محمد عزام: النقد والدلالة نحو تحليل سيميائي للأدب، منشورات وزارة الثقافة، 1336.
11ـ مليكة فريحي: مقال مفهوم التناص: المصطلح والإشكالية، مجلة عود الند، العدد 52، 2113.
12ـ مجلة الآداب اللبنانية- العدد 1-2 كانون الثاني وشباط – السنة 46- 1335
13 ـ التعريب والترجمة، صحيفة الاتحاد، 13 ديسمبر 2117 11:46.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ كاتبة ــ مصــر