مسرح

عبد الجبار خمران: هل مهرجان الهيئة العربية للمسرح أكبر من مجرد مهرجان؟

ما الرؤية الجديدة في تصورات الهيئة؟

عبد الجبار خمران★

لم أكن في الدار البيضاء فترة مهرجان الهيئة، لكنني تابعت أنشطته عروضاً وندوات، عبر البث المباشر، وعشت المهرجان مثل باقي المسرحيين والمهتمين بالشأن المسرحي البعيدين عن الدار البيضاء، كما أنني تابعته أيضاً بعيون وآراء بعض الأصدقاء والزملاء والإعلاميين المسرحيين من المشاركين فيه.

ليست المرة الأولى التي أجرب فيها معنى أن أتابع مهرجاناً من خلال البث المباشر، فهناك العديد من المهرجانات والتظاهرات التي تبث فعالياتها مباشرة عبر الإنترنت لتجعلك تعيش لحظة بلحظة كافة أنشطتها، فلا استغناء اليوم عن التواصل عبر الفضاء الأزرق، وعدم استثمار الإمكانيات التي يتيحها للبث والتسجيل والتوثيق، يعتبره الكثيرون في حاضرنا نقيصة.

وإذا ما كان محتوى الندوات والمؤتمرات بمداخلاتها وأجوائها قد يصل أي متتبع لها، بشكل كامل، عبر بث مباشر جيد، فحضور العروض ومشاهدتها بشكل حي ومباشر لا غنى عنه ولا يعوضه بديل، ناهيك على أننا لم نصل في وطننا العربي بعد، إلى تلك الإمكانيات التقنية الكبيرة والدقيقة التي تُنقل بها العروض الفنية المحترفة في الغرب، والتي تجعلك تعيش العرض المسرحي بكثير من المتعة، وتعدد زوايا الرؤية التي تصل إلى حد يجعلك تحس، وكأنك فوق الخشبة، وليس في الصالة فحسب.

ليست ورقتنا هذه، مقام حديث عن العروض أو تقييمها، ولا حتى متابعةً للندوات فهماً ومناقشة، رغم أننا تابعنا كل جلسات الندوة الفكرية والندوات التطبيقية، وشاهدنا كل العروض المسرحية المشاركة عبر البث المباشر، بل سنحت لنا فرص كثيرة لمشاهدة جلها بشكل حي ومباشر في مناسبات مسرحية، وثقافية أخرى قبل أن تقدم في مهرجان الهيئة.

ما نقدمه في هذه الورقة هو مناقشة لبعض التصورات والأفكار، أثيرت حول المهرجان المذكور، وحول بعض من جوانب اشتغال الهيئة، وبسط لمقترحات متفاعلة مع بعض وجهات نظر تروج بين المسرحيين والنقاد والباحثين بهذا الخصوص، وقد طرحنا هذه الآراء والتصورات داخل الهيئة العربية للمسرح، وها نحن نطرحها من خارجها.

انتهت الدورة الثالثة عشرة من مهرجان الهيئة المسرحي، والتي نظمتها الهيئة العربية للمسرح في مدينة الدار البيضاء بالمملكة المغربية، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، وتحت رعاية سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي امتدت (من 10 إلى 16 يناير 2023) وهي المرة الثانية التي تستضيف فيها المملكة المغربية مهرجان الهيئة، بعد أن احتضن العام 2015 دورته السابعة في مدينة الرباط، والتي اعتبرت واحدة من أنجح دورات المهرجان، إن لم تكن أنجحها على الإطلاق.

بوستر مهرجان الهيئة العربية للمسرح في دورته الثالثة عشر بالرباط

استقبلت العاصمة الاقتصادية المغربية آنفاً، على امتداد سبعة أيام، مسرحيين وباحثين ونقاداً؛ مشاركين وضيوفاً من بلدان عربية، بالإضافة طبعاً إلى مبدعين، وباحثين مغاربة.

قدم المهرجان ضمن فعالياته عدداً من الأنشطة، ومنها العروض المسرحية، وهو ما يعد نواة برنامجه الصلبة، والتي عرضت على خشبات ثلاثة مسارح، والتي كانت أربعة قبل إلغاء مسرح بن مسيك، وهي: مسرح محمد السادس، مركب محمد زفزاف، ومسرح مولاي رشيد.

بلغ عدد العروض المسرحية التي شاركت في هذه الدورة خمسة عشر عرضاً، والتي كانت في المقترح الأول واحداً وعشرين عرضاً مسرحياً، مع تسجيل غياب مسرحية “الجاثوم” للمسرح الوطني الجزائري، ولم تعلن الهيئة العربية للمسرح رسمياً عن سبب عدم حضور أعضاء الفرقة الجزائرية، للمشاركة ضمن فعاليات المهرجان، كما كان مبرمجاً.

استغرب كثير من المسرحيين كيف تشارك فرق مسرحية من أربع دول عربية فقط، في مسار مسابقة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي في الوطن العربي، وهي المرة الأولى التي يشارك هذا العدد القليل على مستوى الدول العربية في مسار مسابقة القاسمي المسرحية على امتداد نسخها التسعة السابقة (تراوحت المشاركة في مسار المسابقة في النسخ السابقة ما بين 6 إلى 9 دول عربية)، علماً أن هذه الدورة تأتي بعد سنتين من التوقف بسبب كورونا، وقد فتحت الهيئة المشاركة أمام العروض المنتجة على مدى ما يناهز ثلاث سنوات (من 1 / 1 / 2020 إلى 20 / 11 / 2022) كما جاء في إعلان الهيئة للمشاركة في الدورة الثالثة عشرة من المهرجان، الأمر الذي لم يترجم على مستوى تمثيل  الدول العربية مسرحياً في المهرجان.

وعلى الرغم من أن القائمين على الهيئة لا يأخذون بعين الاعتبار، فيما يخص مشاركة الفرق المسرحية، تمثيل الدول!، فمشروع الهيئة مبني على توفير منصة مسرحية عربية لتلاقح التجارب من مختلف الدول العربية، إنها المرة الأولى في تاريخ مسابقة سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي، لا تشارك إلا أربع دول عربية فقط في مسار المسابقة، فقد تحضر عروض أكثر من دولة ما في المسارين معاً للمهرجان، لكن العروض المتنافسة ضمن مسار المسابقة، لم يحدث في تاريخ مهرجان الهيئة أن كان تمثيلها على مستوى الدول العربية بهذا الضمور.

فحتى في الدورة الثامنة بالكويت العام 2016 التي شاركت فيها تونس بخمسة عروض مسرحية، لم يكن إلا عرض تونسي واحد فقط ضمن مسار المسابقة، الذي شاركت فيه سبع دول أخرى حيث حضرت في المسابقة إلى جانب تونس عروض من: سوريا – مصر – العراق – الإمارات – الكويت – الجزائر والمغرب.

وبما أن دورة الدار البيضاء شملت تنافس عروض أنجزت على امتداد قرابة ثلاث سنوات من إبداع الفرق المسرحية العربية (من 1 / 1 / 2020 إلى 20 / 11 / 2022)، وبما أنه أيضاً – ورغم عائق كورونا – كانت هناك على امتداد الوطن العربي عروض مسرحية برزت منها أعمال مهمة، وقد تابعنا العديد منها هذا الموسم، في مهرجان الأردن، ومهرجان العراق، وفي مهرجان الشارقة، وفي مهرجاني أيام قرطاج المسرحية، والقاهرة التجريبي…الخ، إذن فالأعمال المسرحية العربية موجودة، وبكثرة، وجودة.

عرض هاملت بالمقلوب تأليف سامح مهران اخراج مازن الغرباوي

ولكي يكون لمهرجان الهيئة الصفة العربية كما يليق باسمه، كان من المفترض أن يكون هناك حد أدنى من الدول العربية في مسار المسابقة التي تحمل اسم صاحب هذا المشروع النبيل.. أي على الأقل أن يحضر عدد لا بأس به من الدول العربية، وإن كانت الأعمال المسرحية متفاوتة في الجودة… مثلاً هذا الموسم من مصر نجد عرض “هاملت بالمقلوب”، ومن العروض المسرحية التونسية المهمة عربياً أيضاً، والتي لم تحضر في مهرجان الهيئة، عرض “آخر مرة”، كما أن هناك غيابُ عرض قدم هذا الموسم في إحدى المهرجانات العربية المهمة لأحد مسرحيي المهجر (والذي لم يبرمج ولو في مسار العروض خارج المسابقة في مهرجان الهيئة)، وهو عرض “آخر 15 ثانية” لمخرجه اللبناني الراحل المقيم في كندا مجدي أبو مطر، وحضور هذا العرض المسرحي في مهرجان الهيئة، ناهيك عن أنه يستحق ذلك بحسب آراء العديد من المسرحيين، الذين شاهدوه في اللقاء المسرحي في هانوفر بألمانيا، أو ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية، كان سيعتبر بمثابة “تكريم رمزي” لروح المخرج الراحل مجدي أبو مطر الذي كان من الأعضاء المؤسسين لـ “شبكة المسرحيين العرب في المهجر” التي أطلقتها الهيئة، والتي ذهبت أدراج الرياح، شأنها شأن العديد من الفعاليات، التي لم تحمها الهيئة من الزوال، ولم ترعَ وجودها حتى اختفت وتلاشت، كتعاونية الإعلام الإلكتروني المسرحي العربي، وشبكة السينوغرافيين العرب وتجمعات المنظرين المسرحيين والنقاد؟ هذا إلى جانب أعمال مسرحية كان بالإمكان برمجتها في المهرجان من فلسطينية، وأخرى بحرينية، وكويتية، وإماراتية كمسرحية “أشوفك” للمخرج حسن رجب، وفرقة أم القيوين… الخ.

عرض اخر 15 ثانية لـمجدي ابو مطر

مهم أن يكون تمثيل الجودة حاضراً، ومهم أيضاً أن يكون معيار تمثيل الدول العربية حاضراً بمقاربة، تكون فيها العروض قريبة من الجودة.. حتى لا تتنافس أربع دول عربية فقط – من كامل الوطن العربي – على جائزة سلطان القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي.. ثم لماذا لم يشارك مثلاً ستة عشر عرضاً في المسابقة، وخمس عروض خارجها، كما كان مقرراً ومسجلاً في الملف المقدم لوزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، بخصوص دورة الدار البيضاء؟ لتبقى الهيئة في أرقام العروض التي تبرمجها في مهرجان المسرح العربي.

وما المانع أن يكون حضور فلسطين وسوريا والكويت، وتحضر الإمارات بعملين مثلاً (مسرحية “رحل النهار” ومسرحية “أشوفك” الآنفة الذكر) …؟ لا جدال في أن معيار الجودة أساسي هنا، لكن يجب أن يكون للهيئة مقاربة مسرحية مختلفة، وبصمة مغايرة باعتبارها “بيت كل المسرحيين العرب” خلافاً للمهرجانات الأخرى بمعنى ما، فشروط اشتغال الفرق في الدول العربية ليست متكافئة.. هناك دول تساعد وتدعم الفرق المسرحية، وهناك دول لا إمكانيات حقيقية فيها لدعم المسرح، ويحمل المسرحيون فيها على كاهلهم ثقل إنتاج أعمالهم كالسودان ولبنان وليبيا…وغيرها، ولِمَ لا يوجد خلق مسار ثالث لحضور تجارب من دول لا يصلنا منها أي شيء عن المسرح، وأخرى يغيب حضورها لدورات عديدة.. وهنا يمكن استثمار العروض الفائزة في المهرجانات الوطنية التي تدعمها الهيئة بكل من السودان واليمن وموريتانيا وفلسطين ولبنان والعراق والبحرين والأردن والمغرب.

وجوب التأمل والتفكير في استحضار معيار الحضور العربي، تمليه ضرورة تجاوز أن تجد الهيئة نفسها أمام أربع دول، أو ثلاث، أو ربما دولتين (بدرعي الجودة) تتنافسان على مسابقة الشيخ القاسمي “العربية”.

كما يجب التفكير في أن يكون معيار الجودة نسبي على المستوى العام للمهرجان، وعلى مستوى كل دولة على حدة، أو يتم خلق مسار ثالث في المهرجان لعروض خاصة، حتى تعطى فرص للدول العربية كافة… وها نحن نلاحظ بأن حتى معيار “الجودة” يختلف من مهرجان لآخر، ومن تظاهرة لأخرى، فالعرض الفائز بجوائز عديدة في إحدى المهرجانات لا يرشح في مهرجان آخر للجائزة حتى، ومن يفوز في دولة عربية ما، تجده يتوارى في مهرجان وطني أو عربي آخر.. ويحضر عرض في مهرجان الهيئة لم يفز بأي جائزة في بلده… ويغيب عرض مقابل ذلك في مهرجان الهيئة فاز بجائزة وطنية كبرى… وهكذا.

إذن هو ذوق أعضاء اللجنة (ولربما المزاجية أيضاً) واختلاف المعايير العامة والخاصة المتحكمة في الترشيح وفي الفوز، بل يمكن القول إنه في مرات عديدة، تتحكم وجهة نظر أعضاء اللجنة في التحكيم، وليس شيء آخر.

هنا يطرح بجدية شرط “الجودة”!! عن أي جودة نتحدث أمام عروض تختلف أمامها معايير تقييم غير ثابتة…؟ ها قد فاز العرض الإماراتي “رحل النهار” في دورة الدار البيضاء مثلاً، فهل هناك توافق للمسرحيين من نقادٍ ومبدعين وأكاديميين وجمهور على فوز العرض؟

وهل هناك اتفاق شامل على المعايير التي ذكرت اللجنة في بلاغها وبموجبها استحق الفوز؟ وهل اتفق أغلب المسرحيين على فوز عرض “الطوق والإسورة” في دورة مصر مثلاً، أو مسرحية “زهايمر” في الدورة الرابعة في الأردن؟

وعن أي عرض فائز اتفقوا في الدورات السابقة كلها؟ أو في أي مهرجان عربي أو وطني آخر؟

معيار الجودة في سياق الجوائز المسرحية العربية زئبقي، فمرة تفوز مسرحية “لتوظيفها اللغة العربية”، ومرة تفوز أخرى “لتشابكها مع الموروث الشعبي”، ومرة تفوز المسرحية “لوضوح المفهوم الوظيفي للمسرح!”، وفي مناسبة أخرى تقول اللجنة إنها منحت الجائزة لمسرحية ما “لتوفر مساحة من الاشتباك مع الظرف المعاش”…الخ والتعابير تلك مقتبسة من تقارير اللجان المحكمة لبعض دورات مهرجان الهيئة.

تكريم الفنان العراقي جواد الأسدي

ثم أين هو أثر الورشات التي تنظمها الهيئة في السودان وموريتانيا وجزر القمر على سبيل المثال، على المنتوج المسرحي العربي، أو حتى الوطني؟

وأين عروض السودان وموريتانيا وجزر القمر (التي تأسست فيها الهيئة القمرية العربية للمسرح في شهر أغسطس 2009!)

وأين اليمن والسعودية وقطر وليبيا وعُمان والصومال وجيبوتي؟! عروضاً أو تنظيراً أو حتى ضيوفاً!؟ وفي الدورة الأخيرة مثلاً في الدار البيضاء، أين في مسار المسابقة مصر ولبنان وفلسطين والكويت والبحرين وسوريا وقطر والأردن وليبيا… أو بعضها على الأقل؟ هل تحفر الهيئة جدياً في تربة كل البلدان العربية مسرحياً؟

ولماذا تم إلغاء اللجان المسرحية المحلية التي ترشح عروضاً وطنية لمهرجان الهيئة؟ ألا يمكن توسيع دور الهيئة كبيت للمسرحيين العرب في أن تكون أنشطتها مختلفة عن طبيعة المهرجانات العربية الأخرى؟ وأن يكون مهرجانها يحمل بصمة مبتكرة، تختلف عن كل المهرجانات العربية الأخرى؟

أم أن مهرجان الهيئة يريد فقط أن يقلد نهجاً متداولاً قبله، ويتفوق فيه؟! (حتى وإن تفوق مهرجان الهيئة على المهرجانات العربية الأخرى…! وبعد؟!)، التفوق في المسرح والتنظيم، يكون في الأثر الذي يمكن أن نلمسه في المشهد المسرحي العربي، وفي اختلاف بيت المسرحيين العرب اختلاف مبادئه وآفاقه، التي رسمها له باعثه وصانع تميزه كمبادرة متفردة في العالم العربي، سمو الشيخ القاسمي.

كل تلك الأسئلة والمقترحات وغيرها، يطرحها المسرحيون، ويتداولونها فيما بينهم، ومنهم من صرح بها للقائمين عن الهيئة.. وقد طرحناها داخل الهيئة، وها نحن نطرحها من خارجها… عرفت أنشطة المهرجان أيضاً تنظيم ندوة فكرية حول “التجارب المسرحية المغربية، الامتداد والتجديد..

مساءلات علمية وعملية لتجارب مسرحية مغربية “توزعت جلساتها الثمانية على خمسة أيام، وشارك فيها مسرحيون مبدعون وباحثون، وتمت فيها مساءلة ست عشرة تجربة مسرحية لمخرجين، وسينوغرافيين مغاربة من طرف ثمانية باحثين وأكاديميين، وشارك في إدارة الجلسات مجموعة من النقاد والباحثين، كما ساهم في تقرير الجلسات الباحثون المغاربة الشباب الفائزون في مسابقات البحث العلمي المسرحي، التي نظمتها الهيئة في السنوات السابقة، وهذا أمر محمود للهيئة لاستثمارها للشباب الباحثين الفائزين في جوائز البحث العلمي المسرحي، ومهم أن تتكرر التجربة مع شباب باحثين في الدول العربية الأخرى في الدورات القادمة.

استؤنفت الندوة الفكرية بجلسة افتتاحية، وأنهيت بأخرى اختتاميه، حاولت جلسات “المساءلة” للمبدعين المسرحيين المغاربة أن تخرج من “الرتابة” التي تعرفها الندوات غالباً، بحيث تم اقتراح تقديم مشاهد مسرحية من إنجاز المُدخلين، والحديث عنها، وعن طريقة اشتغالهم عليها كنموذج لأعمالهم، هذا هو الهدف المنشود (على ما يبدو) من الندوة، حتى تقدم سير عملية ونظرية للمسرحيين، وتتضمن مثيرات تحفز المبدعين والدارسين والباحثين لمساءلة، ومناقشة التجارب المقدمة بشكل نظري وتطبيقي.

وبخصوص هذا المؤتمر الفكري، سجل عدد المُدخلين والحضور المتابعين غياباً ملحوظاً على مستوى متابعة الجلسات، كما سجلوا أيضاً ضغط الوقت، مما ترتب عنه عدم منح المشاركين والمعقبين (على غير العادة في ندوات الهيئة) حيزاً زمنياً مناسباً للتعبير بأريحية عما يخالجهم من أفكار وآراء ومقترحات، مما جعل المخرج المغربي محمد الحر مثلاً، يُعَبِّرُ بصراحة بأنه “أحس بالغبن في النقاشات الدائرة في الندوة، فطرْح الأفكار يحتاج مساحة زمنية، وإلا فلا داعي للنقاش ولننصرف، لأنه سيبدو كأننا نكذب على أنفسنا وعلى الناس – كما عبر – لنظهر بأننا التقينا وتكلمنا ونفذنا برنامجاً فكرياً وانتهى… ورد مدير الجلسة على محمد الحر: “أنا أيضا لست مرتاحاً، ومستعد أن أعطي وقتاً أكثر ، لكنني لا أعرف!!”. ومثل رد الفعل هذا، عبر عنه العديد من المتدخلين، ومن الحضور، ومنهم المسرحي التونسي عبد الحليم المسعودي الذي انزعج من مقاطعته، وهَمَّ بمغادرة القاعة قبل أن يعود نزولاً عند رغبة المسرحيين…الخ.

عرض آخر مرة تأليف واخراج وفاء الطبوبي

واحتضنت جامعة بن مسيك ندوة صاحب كلمة اليوم العربي للمسرح المبدع العراقي جواد الأسدي، الذي كتب، وألقى كلمة متفردة متسائلة عن أي مسرح وأي ثقافة نتحدث، ورصعها بأسئلة تفتح آفاقاً على أمل منشود، فحيث لا يوجد أمل علينا خلقه، تلك الرسالة المبطنة في كلمة الأسدي، وهنا يُطرح سؤال: كيف نفسر انتظار قامة وقيمة مسرحية عراقية كجواد الأسدي اثنتي عشرة دورة ليكتب، ويلقي كلمة اليوم العربي للمسرح؟

وفي سياق ذكر غياب القامات المسرحية، نتساءل لماذا تغيب أسماء مسرحية عربية مهمة عن دورات عديدة من المهرجان.. وعن أنشطة الهيئة عامة؟ وكيف تم تغييب قامة مسرحية مغربية مثلاً، في دورة الدار البيضاء، لها تاريخها ومُنْتَجَها المسرحي، والمتمثلة في المسرحي والكاتب د. عبد الكريم برشيد؟

وإذا كانت ندوة الأسدي نقطة مضيئة ضمن فعاليات المهرجان، فقد كانت ندوة المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي، التي احتضنتها نفس الجامعة، ضامرة الحضور الطلابي كما لم يتم بثها مباشرة شأن الندوة الأولى، حيث تم تسجيل لحظة النطق بالنتائج دوناً عن الندوة كاملة شأن الندوات الأخرى، ناهيك عن أنه لم يحضر كل أعضاء لجنة تحكيم المسابقة، حيث غاب عنها الباحث المسرحي المغربي د. سعيد الناجي، ولم تعلن الهيئة رسمياً عن غيابه، أو عن أسباب هذا الغياب على موقعها أو على صفحاتها في شبكات التواصل الاجتماعي.

يبدو أن رهان الهيئة في دورة المهرجان في الدار البيضاء كان أن تحقق منجزاً بمستوى الدورة السابعة في الرباط العام 2015 على الأقل، لكن كما لاحظ المسرحيون المغاربة، والعرب العارفون بمستويات المهرجانات المسرحية العربية، فإن نجاح الدورة لم يتجاوز حدود مهرجان مسرحي عربي عادي، برمج عروضاً وندوات وورشاً ومسابقات ومطبوعات، ما يعزز هذه الملاحظة، العروض المسرحية التي تم عرض مجملها في مهرجانات عربية سابقة، طبعاً هذا لا يقلل من العروض، ولا من برمجتها، لكنه يضعف من خطاب القائمين على الهيئة، المُصِرُّ على أن مهرجان هذه الأخيرة أكبر من مجرد مهرجان!، وبأنه أهم وأعظم تظاهرة مسرحية عربية تقدم عروضاً مسرحية عربية.

الفنان جواد الأسدي

ما يتضح جلياً اليوم هو أن مهرجان الهيئة مهرجان سبقته مهرجانات أخرى إلى برمجة العروض المشاركة فيه، ونظمت ندوات فكرية قيمة أيضاً وورشات دولية في مستوى محترم، ونظمت مسابقات للنصوص وأصدرت بحوثاً وكتباً علمية مسرحية مهمة… فها هو برنامج مهرجان القاهرة التجريبي أمامنا، وكذلك مهرجان أيام قرطاج المسرحية، ومهرجان بغداد المسرحي الذي سجل نجاحاً مهماً في دوراته الأخيرة على مستوى العروض والتنظيم، ومهرجان الأردن أيضاً… وغيرها.

إنه مهرجان مسرحي عربي، وتظاهرة فنية مسرحية فكرية، تضيف موعداً للمسرحيين لعرض التجارب والتلاقي وتبادل الأفكار والرؤى.

فعروض المهرجان سبق برمجتها، كما أشرنا، في المهرجانات السابق ذكرها، بل هناك عروض بارزة لم تبرمج في مهرجان الهيئة، ومنها أعمال مهمة لم يقدمها صناعها للمشاركة فيه.. كعرض “مرة أخرى” لوفاء طبوبي على سبيل المثال.

وقد عرفت هذه الدورة أيضاً، إقامة ورشات مسرحية، منها خمس ورشات أطرها مسرحيون عرب، تم اختيارهم من طرف الهيئة العربية للمسرح، وليس من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية كما يشاع، فالوزارة نظمت ورشات أخرى لمؤطرين مغاربة بادرت باختيارهم كمشرفين عليها، ولم تتجاوز هذه الورشات ثلاث ساعات لكل مؤطر، ولم نسمع عنها شيئاً، ولا عن ورشات الهيئة الخمسة، لا بخصوص سيرها، ولا عدد المستفيدين منها.

بعد دورة المهرجان الثالثة عشرة هذه، ومع المديح الذي رافقها علناً، حتماً وصلت القائمين على الهيئة همهمات النقد من بعض المسرحيين، والتي يتداولونها لا ريب، في أروقة الهيئة، فأهل “بيت المسرحيين العرب” يعرفون أكثر من غيرهم، ما شاب تنظيم الدورة الثالثة عشرة من المهرجان، وما عرفته جلسات المؤتمر الفكري من غياب للحضور.. فحتى إدارة المهرجان مما استطاعوا إليه سبيلاً من الشارقة لم يقِ الدورة الثالثة عشرة عثرات التنظيم التي عرفها المهرجان.

لجنة تحكيم الدورة الثالثة عشر من مهرجان الهيئة العربية للمسرح

واضح للعيان بأن الأمر أكبر من إنجاح تنظيم مهرجان مسرحي عابر، بل وجب التفكير في إعادة البناء من الداخل والخارج… وقد سبق أن أشار المسرحي والإعلامي التونسي العربي السنوسي في إحدى مقالاته في سياق حديث عن الهيئة “أن ثمة في الهيئة ما يجب هدمه برمته، وإعادة بنائه بما يليق بـ «البيت» حتى تكون الإقامة فيه مريحة ومفتوحة على العالم الرحب”.

مما لا شك فيه أنه تلزم مراجعات آنية لكيفية اشتغال الهيئة، ومنها ضرورة تعيين مجلس أمنائها، والذي تم حله منذ مدة، إذ يعتبر برلمانها وقوتها الاقتراحية (إن منحت له مساحة الاشتغال اللازمة والحرية في التعبير عن الآراء، واقتراح الأفكار، وتداول المشاريع)، وكما هو مسطر في أدبياتها: “يدير الهيئة مجلس أمناء يعين بمرسوم أميري من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، يرأس هذا المجلس الأمين العام للهيئة”، فعدم وجود مسرحيين مبدعين وباحثين وأكاديميين في طاقم الهيئة ، كأعضاء مجلس للأمانة العامة، وعدم وجود لجنة قراءة أيضاً للكتب التي تصل الهيئة طلباً للطبع، ولجان أخرى موازية تتكلف بملفات التنظيم الإداري والإعلام والتأهيل والتكوين والمسرح المدرسي…الخ يضعفها، ويجعلها أمام رهان الصمود، وترك الأثر والارتكاز إلى سند (حقيقي) من صناع المشهد المسرحي العربي، مبدعين وباحثين ونقاد وإعلاميين ومهتمين بالشأن المسرحي، الذين يجب أن يكونوا مُمَثَلين في الهيئة في مجلس أمانتها، وهذا أمر غير بعيد عن تنظيم مهرجان الهيئة وأنشطتها الإشعاعية التي ليست إلا انعكاساً لنظامها الداخلي، ورؤيتها الفلسفية والعملية لكيفية اشتغالها وعملها،  على فتح نافذة فكرية وجمالية تطل منها على العالم الرحب، ويطل العالم أيضاً منها عليها..

ولكي تكون مفتوحاً على العالم الرحب منفتحاً عليه، وجب بداهة الانفتاح أولاً، وبما يفي ويكفي على الكفاءات المسرحية المختلفة من المحيط إلى الخليج، وعلى مسرحييه المقيمين في المهجر بشكل حقيقي وفعال، وإشراك ما أمكن من الطاقات المسرحية في الاختيار والاقتراح، فكيف تتم مثلاً عملية اختيار أعضاء لجان الانتقاء، وتحكيم العروض؟

ومن هم أعضاء لجنة اختيار العروض في الدورتين الحادية عشرة والثانية عشرة من مهرجان الهيئة، والذين لم تعلن عنهم الهيئة دوناً عن غيرهم من أعضاء كل دورات مهرجانها منذ بدايته وحتى الآن؟

وكيف يتم اختيار أعضاء لجان مسابقات النصوص الموجهة للأطفال والنصوص الموجهة للكبار؟ وأي منهجية تتبع لفرز نتائج هذه المسابقات؟ ولماذا في هذه المسابقات بالضبط لا يتناقش المحكمون في النصوص والبحوث فيما بينهم بشكل مباشر؟

ولماذا يشرف محكم رابع من الهيئة – كما أشار مرة الممثل والمخرج السوري هشام كفارنة – على عمل محكمين من الباحثين والأكاديميين في النصوص والبحوث المرشحة للتنافس؟

أسئلة عديدة يحق للمسرحيين طرحها ومعرفة حيثياتها، (فالجديد والمتجدد) يقتضي التحول، وعدم الثبات مثلما يقتضي التكيف مع الواقع المسرحي وتجدده وتطوره، والسعي إلى الانفتاح على المقترحات الجادة، وفتح نقاش رصين وحقيقي حول عمل الهيئة (بيت المسرحيين العرب) كما أراد لها أن تكون صاحب مبادرة إطلاق المؤسسة، وواضع أهدافها النبيلة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو مجلس الاتحاد حاكم الشارقة الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح.

عرض رحل النهار لـمحمد العامري

دورات مسابقة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي

– الدورات الثلاث الأولى لمهرجان المسرح العربي الذي أطلقته الهيئة العربية للمسرح العام 2009، لم يعرف تنافساً للفرق المشاركة على أي جائزة، وقد نظمت تلك الدورات في مصر، وتونس ولبنان على التوالي.

– في دورة المهرجان الرابعة في الأردن العام 2012، عرف المهرجان مسارين: مسار عروض المهرجان، وانطلق مسار ثانٍ خاصٌّ بالنسخة الأولى للمسابقة، بمبادرة من سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، لتتنافس عروض الفرق المسرحية العربية المشاركة على جائزة القاسمي لأفضل عرض مسرحي، والتي جاءت نسخها العشرة من 2012 إلى 2023، بالترتيب التالي:

* النسخة 1 في الأردن 2012: (شاركت فيها 7 دول)

/ الإمارات / المغرب / الجزائر / تونس / قطر / الأردن / السودان /

فازت بها مسرحية “زهايمر” – تونس

* النسخة 2 في قطر 2013: (شاركت فيها 8 دول)

/ الإمارات / المغرب / الجزائر / تونس / قطر / لبنان / العراق / الكويت /

فازت بها مسرحية “الديكتاتور” – لبنان

* النسخة 3 في الشارقة 2014: (شاركت فيها 8 دول)

/ الإمارات / الجزائر / تونس / الأردن / مصر / لبنان / العراق / البحرين /

فازت بها مسرحية “ريتشارد الثالث” – تونس

* النسخة 4 في المغرب 2015: (شاركت فيها 8 دول)

/ الإمارات / المغرب / الجزائر / تونس / الأردن / مصر / فلسطين / العراق/

فازت بها مسرحية “خيل تايهة” – فلسطين

* النسخة 5 في الكويت 2016: (شاركت فيها 8 دول)

/ الإمارات / المغرب/ الجزائر / تونس/ مصر / سوريا / العراق / الكويت /

فازت بها مسرحية “صدى الصمت” – الكويت

* النسخة 6 في الجزائر 2017: (شاركت فيها 7 دول):

/ المغرب / الجزائر / تونس / الأردن / مصر / الكويت / العراق /

فازت بها مسرحية “خريف” – المغرب

* النسخة 7 في تونس 2018: (شاركت فيها 9 دول):

/ الإمارات / المغرب / الجزائر/ تونس / الأردن / مصر / العراق / سوريا / السعودية /

فازت بها مسرحية “صولو” – المغرب

* النسخة 8 في مصر 2019: (شاركت فيها 6 دول):

/ الإمارات / المغرب/ تونس / الأردن / مصر/ الكويت /

فازت بها مسرحية “الطوق والإسورة” – مصر.

* النسخة 9 في الأردن2020: (شاركت فيها 6 دول)

/ الإمارات / المغرب / الجزائر / تونس / الأردن / الكويت /

فازت بها مسرحية “جي بي إس” – الجزائر

* (توقف موسمين بسبب كورونا)

* النسخة 10 في المغرب 2023 (شاركت فيها 4 دول)

/ الإمارات / المغرب / تونس / العراق /

فازت بها مسرحية “رحل النهار” – الإمارات

ــــــــــــــــــــــ

★مسرحي مغربي أكاديمي ــ بــاريس

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى