فنون وآداب اخرى

رانده اللاهوني: عفواً أيها الأسوياء

رانده شريف اللاهوني★

أفكار كثيرة ومناقشات وأبحاث تسعى لفكرة مهمة وشديدة الحساسية على جميع المستويات لدمج (ذوي الهمم)، ولكن وفي رؤية مختلفة، ومن الاتجاه الأكثر خصوصية، وهو الإبداع الفني، نطلق العنان للنظر في الاتجاه المعاكس، ماذا لو أردنا نحن من نرى في أنفسنا أسوياء خوض تجربة دمجنا في عالم ذوي الهمم؟

رحمه ممدوح

سؤال ليس بخيالي ولا طرقاً على معنونات رنانة، ولكنه سؤال يأتي من معطيات ثابتة منذ بدء الخليقة، ها نحن أمام الإنسان بكل ما يحمله من تكوينات ومكونات، تكوينات في خلقه وخواصه الداخلية بقدراته ومشاعره، ومكونات من بواعثه الخارجية التي تشكل تطوره وحياته ، وهنا نقف عند التكوينات الطبيعية للإنسان، ومنها الحواس الخمسة والقدرة على الحركة والتفكير،  تلك هي المفردات التي من الممكن أن يفقدها الإنسان لأي سبب من الأسباب، ومن هنا نرى في الاعتبار الجمعي أنه منتقص إلا أن النظرة المتفحصة للأمر تضعنا أمام معادلة لابد من دراستها حقيقة وبصدق…أن الإنسان المُعَرَّضَ لفقدان حاسة الابصار نرى في أهم مميزاته الإبداعية أنه يتقن حالة التصوير بالكلمة، ويرتكز في تعرفه لما حوله على باقي حواسه الأخرى، وهكذا تتحرك عند مركز الأحاسيس والمشاعر دونما احتياج للحاسة الأساسية، وهكذا الحال في فقدان الحواس والقدرات الأخرى، ونقف أمام تلك الحالات المميزة، و التي تُشَكِّلُ في أذهاننا نقصاناً، ولكنها تُنتج إبداعاً داخلياً دونما دراسة للفكرة.

المذيعة هبه عز العرب

ماذا لو أننا نخضع نحن لما يبني لدينا هذا النماء لتلك القدرات المعوضة في مراكز المشاعر، والتي يخوضها ذوي الهمم؟

ماذا لو أتخذنا نحن طريقنا لنندمج مع تلك القدرات الخاصة؟

أسئلة وأسئلة تطرح نفسها كي نرى السبيل الإبداعي المشترك لتنتج إبداعاً للجميع، متى سنرى لوحة الفن التشكيلي المصنوعة بريشة فاقد الإبصار، ومتى سنجد الوسيلة التي ننتج نحن بها تلك اللوحة لهم، ومتى سننتج الموسيقى التي تصل إلى فاقد السمع، ومتى سيمنحنا هو موسيقاه الداخلية؟

بين كل تلك الاستفهامات نسعى للإسهامات في إيجاد الإجابات.

الاعلاميه رحمه خالد

ربما تأتي النتائج تفاجئنا أو تدهشنا إذا تخلينا أولاً عن فكرة الأنا الأعلى بتميزنا الزائف باكتمال ممكناتنا المحدودة، أمام الآخر الأدنى بالانتقاص الأكثر زيفاً لإحدى القدرات التي لا تعيقه إبداعياً أبداَ، بل تسمو به إلى مستويات خارقة، ولنا قبل أن نصدر تقييماً، يصف هذا وأنا وذاك وأنت لابد أن ندرك جيداً أن الأصل في التصنيف هو هؤلاء ونحن وهذا وذاك تصنعه موازين (ماذا نحن؟) وليس (كيف نحن؟)

هكذا نصل إلى المكنون الحقيقي، حين ندرك أن كل ذي نقص في إحدى قدراته البدنية، سنجد به خارقة إبداعية، تعلو فوق قدراتنا المألوفة، وذلك مما حبته تحديات المفقود للاستعاضة.

الموديل مصطفى نوفل

هكذا نجد فيهم من يرى بأذنيه أو أنفه أو حتى لمسة جلده، فنندهش حينما نجده يرى بآفاق أعلى من نظرنا المحدود بحدود الحيز الإبصاري، ونجد من يسمع بعينيه وقلبه وروحه، فنرى فيه حالة الاستطراب الصادقة، لكونه خلق لنفسه موسيقاه الداخلية، دونما التقيد بمسامع محدودة، لنوتات مقروضة،  وهكذا الحال في باقي القياسات الإبداعية لذوي الهمم، هنا ندرك أننا نحن المقيدين بقيود المحدودية في التلقي أو الإبداع، والتي تقع في حيز الضيق الذي تفرضه علينا مكملاتنا الحسية، قد انطلق إلى أعلى حريات الإبداع والتلقي، عند هؤلاء الذين تحرروا من تلك القيود، فباتوا أكثر انطلاقاً.

المذيعة رضوى حسن

لكل ذلك أوجب علينا أن نسعى نحن للاندماج والفهم والتعلم، من تلك التجارب التي تفوقنا بالقياسات السابق ذكرها … أما القضية الأكبر في نهاية كلماتنا هي تلك المبادرات والشعارات التي تحمل في طرحها ما يبدو تعاطفاً أو اتجاهات لمشروعات كبرى، تحوي كيانات ذوي الهمم، وهنا أشير إلى أن ما يصاغ في أغلب تلك المبادرات والمشروعات، يسوقنا رغم حسن توجهه ونواياه إلى حالة تمييز خاطئة، بل إنه وصل في الكثير من الأحيان إلى حالة متاجرة واضحة.

عفواً أيها الأسوياء، أنظروا لأنفسكم فأنتم السجناء، تَعَلَّمُوا ممن زادهم الفقدان حرية الانطلاق، ولست آسف حين أستعير مقولة جافة (كل ذي عاهة جبار) لأدقق في المعنى، بأن كل مفتقد، مضاعف الاستعاضة، وكل من تخلت عنه حاسة، عوضت أضعافاً من الأحاسيس والمشاعر.

ـــــــــــــــــــــــ

★ ناقدة فنية ومخرجه مسرحية ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى