مسرح

نهلة إيهاب:” الحلم حلاوة “..رؤية فنية مختلفة من وحي المسرح الشعبي.

نهلة إيهاب

حين لجأ الفنان المصري إلى الأشكال الشعبية المسرحية تداعت له الحياة بهمومها سواء ارتد إلى الماضي أو ناقش قضية حياتية ؛ فحين تتجه الأنظار إلى التاريخ  ، لا تعود إليه لمجرد العودة أو لمجرد سرده في صورة تعليمية ؛ فيقينًا لا بد وأن تحمل رسالة العمل الفني ما يربط بين اللحظتين التاريخيتين: الماضية والحاضرة .

من هذا المنطلق يطالعنا العرض المسرحي ” الحلم حلاوة ” تأليف ياسر أبو العينين ،  فكرة وإخراج  ” مي مهاب ”  إنتاج المسرح القومي للطفل بقيادة الفنان القدير “عادل الكومي” ؛ عرضًا موجهًا للأطفال بشكل مباشر ، ملهم وممتع للكبار  ؛ فقد استلهم كلا من المؤلف والمخرجة الكثير من عناصر الفرجة الشعبية وبعض السمات التي توضح بجلاء في الأشكال الشعبية المسرحية ولاسيما مسرح السامر ، فجاءت جميعها متداخلة في رؤية جمالية جديدة مستمدة من التراث المصري .

تدور فكرة العرض حول عروسة المولد والفارس الهمام  ؛ من خلال حدوته غير تقليدية تنسجها بالخيال والحلم  الطفلة ” هالة” التي تريد اقتناء عروسة المولد لكنها لا تملك ثمنها ، ومن ثَم تنقل المُتلقي ” المُشاهد ” معها إلى  العصر ” الفاطمي”  حيث تقع معظم أحداث العرض في تلك الفترة ، وفي انسجام تام مع طبيعة المكان المقدم خلاله العرض وهو قصر ” الأمير طاز” ؛ تأخدنا المخرجة ” مي مهاب ” في جولة متنقلة داخل أروقة ” القصر”  وبمصاحبة الممثلين ، فتجعل المتفرج هنا جزء من العمل، وطبيعة المكان ؛ مُشارك فعال في كل أحداث “العرض” المسرحي ، في حالة من متعة المُشاهدة ، مرح اللعبة ” المسرحية” ، ودهشة التجربة والرحلة .

نص متعدد المستويات الحوارية

تمكن المؤلف “ياسر أبو العينين” بطرح العديد من القضايا الاجتماعية : الحق ، الخير ، العدالة ، والحلم … بشكل مكثف ، وبسيط يتناسب مع عقلية الأطفال ويحترم عقلية الكبار  ، كما قدم باقة من الوصايا المعرفية القيمة من خلال  لغة الحوار الدارج بين شخصيات العمل بعضها البعض .

فالمؤلف هنا ينهي مسرحيته بالعودة مرة أخرى إلى لحظة “الانطلاق” ولعله لجأ  إلى فكرة “الحلم ” كوسيلة يعمق من خلالها رؤيته العقلانية وأيضًا كوسيلة للعبته المسرحية ومن ثم فإن الشكل الشعبي يدخل هنا أيضًا داخل طيات العمل الفني ولا ينفصل عنه.

“سينوغرافيا  العرض” تطويع لحركة فن العمارة داخل ” أروقة القصر” 

نجحت المخرجة المتميزة ” مي مهاب ” في تقديم رؤية بصرية ماتعة للطفل من خلال سينوغرافيا العرض المسرحي فقد جاء الديكور لـ”  د. فخري العزازي  ”  بسيط ، وسلس يبرز عمق المكان “قصر الأمير طاز”  بشكل مميز ؛ وكذلك الإضاءة  لـ ” أبو بكر الشريف  ” جاءت معبرة ؛ تمزج بين الإضاءة الصاخبة  الحادة و الهادئة الشاعرية في الكثير من المشاهد وذلك طبقًا لاختلاف وتنوع المواقف الدرامية .

كما تعتبر سينوغرافيا العرض ” فن متكامل في عناصره يقوم علي نقل المجرد وتحويله إلي واقع عن طريق التجسيد وإعادة خلق”الفضاء” من خلال تجسيد النص المسرحي داخل رؤية تتشابك فيها الفنون التشكيلية مع الفنون المسرحية؛ ومن ثَم فهي تعتبر عملية تطويع لحركة فن العمارة والمناظر بقصر” الأمير طاز” بالتناغم مع العلاقات السمعية البصرية بين أجزاء العمل المسرحي .

أما بالنسبة للملابس المسرحية  وتصميم العرائس لـ  “فخري العزازي   ” أيضًا ؛ فقد كانا بمثابة العتبات الدرامية الأولي للدخول بسلاسة لجوهر وروح العرض المسرحي المُقدم خصيصًا للأطفال  ؛ مما يدفع الطفل للاندماج التام والتوحد التلقائي مع الشخصية الدرامية .

كما ساعدت الاستعراضات لـ ” مصطفى حجاج  ” والحركة المسرحية للمخرجة ” مي مهاب ”  في خلق حالة من التفاعل الحي والمباشر مع الأطفال ، كما اختصرت الكثير من الجمل الحوارية والمواقف الدرامية حتى لا يشعر الطفل بلحظات ملل أو ضجر أثناء المُشاهدة ؛ ولكي تتجب ” المخرجة ” اللغة الخطابية المباشرة في الحوار  ؛ كما كانت طريقة للتحايل على طبيعة مكان ” العرض” التي حتمت بوقوف الجمهور الذي يصاحبه الأطفال طول مدة ” العرض المسرحي” . 

وشكلت أشعار العرض لـ”طارق علي” ، وموسيقي “د .هاني عبد الناصر” بالإضافة إلى “أغنية العاشقين” كلمات “ياسر أبو العينين ” حالة من الترابط الهارموني والتفاعل الشعوري بين جميع أجزاء العرض .

أداء تمثيلي مفعم بالطاقة والحضور المسرحي
نجحت المخرجة في خلق ثنائيات درامية قوية ومميزة  تعطي للمتلقي حالة من البهجة والمتعة أثناء المُشاهدة ؛ قدمها “بالتبادل الثنائي” كل من  : ” أحمد صبري غباشي” في دور ” الفارس ” ، إسراء أحمد في دور” حلاوة “، رودنيا سامح في دور “هالة” ؛ حيث قدموا الشخصية ” الدرامية ” بشكل مُتقن شكلًا ومضمونًا ، بحرفة واحترافية مسرحية شديدة. 

وقد جاء الأداء التمثيلي لكل من : (  مجدي عبد الحليم ” رئيس العصابة ” ، خوليو ” الخليفة” ، إكرامي ” البساسيري”، دعاء حسام الدين ” أم عدنان ” ، خالد نجيب ” الجمالي” ،  سامر المنياوي ” بائع الحلوى ”  ، أحمد يحيي” ريحان ” ، محمد شلقامي” معيط” سيف ايمن ” زعيط” ، هاني سمير ” جعلص” ، ممدوح سالم ” مرجان” ، ياسمين علاء ” زمردة ” علي عماد ” عدنان” عمر الرفاعي ” الحارس ” )؛ مفعم بالطاقة التمثيلية والحضور المسرحي .

كما قدمت ” مي مهاب” مجموعة من الأطفال الواعدين وهم “أسامة محمد ، محمد هاشم ، زياد محمد، بسملة السيد ، أسيل محمد ، ريماس وليد” .

هكذا قدم العرض المسرحي ” الحلم حلاوة ” تأليف “ياسر أبو العينين” ، فكرة وإخراج “مي مهاب ” بقصر ” الأمير طاز” عرضًا مسرحيًا متفردًا يؤكد لنا عدم  انحصار استلهام الشكل الشعبي في “المسرح المصري” علي شكل بعينه بل تنوعت الأشكال الشعبية داخل الأعمال” الفنية” الإبداعية في وقتنا الحالي لتثبت الفرضية القائلة بأنه لايمكننا نسيان الماضي… لاسيما الأشكال المدعوة بالشعبية والتي منحت الإنسان بشكل “عام ” المتعة والتعلم وغيرهما من وظائف المسرح المتعددة .

الصور بعدسة : مدحت صبري.
                                                                                                                         


★ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى