سينما

سيمون سامي: ” رفعت عيني للسما”.. بين أحلام السماء، وقيود الأرض.

سيمون سامي

كيف يمكن لفيلم تسجيلي محلي أن يحصل على جائزة “العين الذهبية” في مهرجان كان الدولي؟
مصر تحصل على هذه الجائزة؛ لأول مرة في تاريخها.
ما مضمون هذا الفيلم؟ وكيف له أن يحمل رسالة إنسانية محلية بجمال عالمي؟
هل يتناول قضايا عن الأحلام المجهضة، أم الأمل الذي يرافق هذه الأحلام؟
كيف قدّم الواقع المصري بطريقة تلمس قلوب العالم؟
جاء فيلم “رفعت عيني إلى السماء” ليجيب عن هذه التساؤلات بطريقة إبداعية.
في هذا السياق، اِستخدم المخرجان أيمن الأمير، وندى رياض، التقنيات الفنية التي تعكس رؤيتهما الخاصة؛ لتظهر مدى صراع الفتيات، ومعاناتهن داخل القرية الصغيرة “البرشا”.

فقد تعمد المخرجان استخدام الإضاءة الطبيعية الساطعة، خاصة في المشاهد الخارجية، مثل الحقول، وطبيعة الريف، وأثناء تقديم عروضهن في الشوارع.
يمثل هذا رغبتهن في الحرية، والتطلع لحياة أفضل، كما استخدما الإضاءة الساطعة في مشاهد الكنيسة، مما يمكن أن يكون رمزاً دينياً على دعم الله لهن، أو على شدة إيمانهن بأنه قادر على تحقيق أحلامهن. 
واستخدم المخرجان أيضاً تقنية الظلال، التي تظهر على وجوه بعض الشخصيات في منازلها، أو في الأماكن المغلقة، مما يعكس القيود والضغوط، التي يفرضها المجتمع عليهن.
عندما تتحرك الشخصية من منطقة مضيئة إلى منطقة أقل إضاءة، يعكس هذا انتقالها من الخوف والقيود إلى الجرأة والحرية؛ وبذلك نقلت لنا الإضاءةُ الأحاسيسَ المختلفة للشخصيات، ولم تقتصر على المعنى الحرفي لها كوسيلة للإضاءة فقط .
ومع استخدام الاضاءه لتمثيل القيود والحرية، يأتي دور الكادرات وزوايا التصوير؛ ليوضح هذا بمعنى أعمق وأوضح ، فقد تم توظيفها ليس فقط لإظهار قدرة المخرجَيْن على التصوير، بل أيضاً لإيصال معانٍ كبيرة تحملها الشخصيات.

فعند استخدام الزاوية العالية، نجد أن الشخصيات تظهر في وضعية مهمشة؛ حيث يتحكم المجتمع والبيئة في مصيرهن ويقسوان عليهن.
في المقابل، تم استخدام الزاوية المنخفضة في لحظات الأمل وتمردهن على الوضع، كما في عروضهن التي تخرج عن المألوف بالنسبة للمجتمع، ليست القضايا التي يناقشها هي المعضلة الوحيدة؛ فالمسرح نفسه غير مرغوب فيه في القرية.
أما الكادرات المفتوحة في الفيلم، فقد تعمد المخرجان إظهارها عدة مرات؛ لتتشابه مع أحلام الشخصيات التي لا سقف لها.
تظهر الشخصيات في بعض المشاهد ضئيلة الحجم مقارنة بالطبيعة والمباني، مما يبرز الإحساس بالضغط النفسي، على سبيل المثال، في أحد المشاهد، تقف الفتاة امام سور كبير، مما يوضح مدى صعوبة تحقيق أحلامها، وأن العادات والتقاليد تقف حاجزاً بينها، وبين تحقيق ما تطمح إليه.
على العكس، في المشاهد الداخلية، تظهر الشخصيات بين جدران ضيقة توصلهن إلى المنزل، مما يعكس قيود المجتمع والأهل.

تم تفسير هذا المشهد لاحقاً في المحادثات الأسرية التي تفرض علي الفتاه قيودها ، مثل أن الفتاة لا تختار شريك حياتها، بل ترضى بما يُفرض عليها.
كانت الحركة بسيطة وغير معقدة، ففي بعض المشاهد، قد تشعر أنت المتفرج، وكأنك في وسط هذا المجتمع.
بعض المشاهد كانت ترتكز على شخصيات بعينها، مثل “ماجدة”، التي كانت تقف في منتصف الكادر؛ ليشعرك بأنها أمامك، وتتحدث إليك انت، وفي بعض الكادرات، تشعرك بالوحدة والملل؛ حيث قصد المخرجان أن يتسلل إليك هذا الإحساس؛ ليقول لك : إن هذه حياتهن، رتيبة بلا أحداث جديدة أو ممتعة، وأحيانًا أخرى؛ ليشعرك بالوحدة، اِستخدما مساحات فارغة في الكادر، مثل “ماجدة” عندما كانت تجلس وحدها في الكنيسة.
اِستخدم المخرجان أيضاً دلالات الحياة اليومية، وركزا على التفاصيل الدقيقة، مثل النساء اللواتي ينظرن من خلف البلكونات، التي تعبر عن رفضهن لسلوك الفتيات، وما تعرضنه في الشوارع.
كما ظهرت القطط السوداء على الأسوار، كرمز للحرية؛ حيث كانت قادرة على الخروج من الداخل إلى الخارج بكل سهولة على الرغم من صعوبة الخروج من المكان.
أما لحظة تنظيف “ماجدة” لـ “البطة” الميتة، فهذا المشهد القصير أكبر من كونه لحظة في الحياة اليومية.
ففي هذه اللحظة كانت “ماجدة” عالقة بين الأمل الذي تريده، والواقع الذي فُرِضَ عليها، وإيقاف  الفرقة للعروض بسبب القيود منها زواج “مونيكا”، وخطوبة “هايدي”.
يمكن القول إن اللحظة التي تنتف فيها الريش تمثل المجتمع الذي ينتف حلمها، أو أن البطة نفسها هي الفتيات جميعهن اللاتي أجبرن على التخلي عن أحلامهن البسيطة بالنسبة للبعض، والمستحيلة بالنسبة للبعض الآخر.

وفي أحد المشاهد المحورية، تظهر “ماجدة” أمام الحقول التي تحترق.
هذا المشهد ليس له حبكة درامية واضحة؛ فلا نعرف لماذا تحترق الأرض، ومن الفاعل، ومن هو المالك؟
ولكن أراد المخرجان أن يقولا إن الدخان المتصاعد إلى السماء، هو أحلام “ماجدة” التي تتحول إلى لا شيء، أو أن هذا الدمار الذي يحدث للأراضي الزراعية، هو ما يحدث داخل “ماجدة”، وأنها تحترق من داخلها، أو أن الأراضي هي حلمها الذي لم يعد صالحاً للزراعة مرة أخرى.
حركة الدخان البطيئة قد تكون الأمل الذي يتصاعد إلى السماء، لكنه يتبدد.
أتت نهاية الفيلم دائرية ومفتوحة؛ ليبقى المتفرج في تساؤل حول مصير الفتيات.
اِستخدم المخرجان تصوير الأفق؛ ليظهرا المنازل الصغيرة امام الحقول الواسعة، واستخدما الأطفال للدلالة على الاستمرارية؛ حيث إن حلم الفريق إذا لم يتحقق في الحاضر، فمن الممكن تحقيقه في المستقبل.


★ طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى