حيدر الجيعفري: اللغة المسرحية بين الفصحى والعامية عند محمد غنيمي هلال.
حيدر الجيعفري★
هنا جاء التساؤل على ما هي الأسس التي بُني عليها الخِلاف بين الفُصحى والعامية؟ وما هي دلالة هذهِ الظاهرة؟ وكيف نشب الصراع؟ وهل هناك نظير لها بين أدب الأمم الأخرى بلغتها؟ وماهي الغاية منها؟ هل من أجل أن نرتقي بالفن؟ والسمو بمستوى الثقافة والذوق العام؟ أم هناك أمور أخرى كتسويق هذه الثقافة بإعتبارها بضاعة؟ نقول: لا يوجد ضَير من الكتابة باللغة العامية، وهذا يعتمد على الكاتب وأسلوب كتابتهِ واختيار الجمهور الذي يتوجه إليه، فهذا النوع يعود الى الأدب الشعبي القديم أو الفلكلوري، حتى كان على شكل صور وقصص في الشعوب البدائية، وفي أول عهد اللغات ذات دلالة جمالية، ومنها ما جاء بالرقص على الطبول ومنها ما جاء بلغة الرسم، ومن الممكن أن نعتبرهُ كتاباً شعبياً ينتج في تنوع دلالتهُ أدباً شعبياً، بلغة عامة قريبة من الشعب، حتى لايمكن أن نعطي مجالاً هنا للتساؤل حول إذا كان هذا الأدب يصلح بالفصحى أو العامية، لأنه يمكن أن تكون اللغة العامية أكثر قدرة على تصوير بعض الحالات النفسية أو التعبير عن دلالات اجتماعية، بالتالي نجد هناك حجج يقصد بها الانتصاف للعامية من الفصحى، وفيها ايضاً خلط بين نوعين من الأدب مختلفين في جوهرها وجمهورهما، وعليه ففي بقية الأمم والشعوب يعيش الأدب الشعبي والأدب الفصيح عيشة سليمة، مع الاحتفاظ لكل منها بطبيعتهِ ومجالهِ، لذا فأن نظير اللغة العامية هو اللهجات المحلية عند الشعبين (كالفرنسي والانكليزي) مثلاً، حتى أن لطبيعة هذه اللهجات في الحياة اليومية أكثر استعمالاً، لأنها تعطي قوة موضوعية في التصوير قد يفوق اللغة الأدبية ذات الطابع العام الفني العلمي, هنا جاء قول سارتر ( لو أن قرصاً من أقراص الحاكي ردد علينا بدون شرط الأحاديث التي تجري يومياً في قرية نيائة مثل بروفين أو أنجوليم، فلن نفهم منه شيئاً, إذ لا يوجد القرائن من الذكريات المشتركة والإدراك المشترك، وموقف كل من المتحادثين أنه ماثل في ذهن الأخر )
فهنا الفرق يبينهُ (محمد غنمي هلال) بين اللغة العامية والفصحى هو في ناحية التصوير والحيوية لبعض العبارات ذات الطابع الموضعي، لأنه له ما يماثله أو يعطي الشبه بما هو موجود أو يتقارب من اللغات الأدبية واللهجات المحلية عند بقية الأمم الأخرى، فليس هذا في بعض الأحيان يكون كقياس في تلك الآداب، من يكون هو الأصلح في اللغة لكي يكون تعللاً بهذا السبب، حتى بهذا العِله قد يكون الصراع، فقد أورد الأستاذ (مندور) في مقاله عن الأستاذ (يوسف وهبي) وهي في معرض الدفاع عن الكوميديا، من تعذر التعبير بالفصحى (اطلع من دول) فهي ذات طابع موضعي أكتسب بالاستعمال، بذلك فان ما يمكن استنتاجهُ من هذه المقارنة البسيطة هو أنه يتعذر نقل خصائص بعض العبارات بترجمتها من العامية إلى الفصحى، وعليه لا يمكن أن يكون هذا التعليل وسيلة لترجيح العامية على الفصحى، لذا مهما بلغ المترجم من دقة في نقل وترجمة اللغتين فانه لن يستطيع نقل النص في ترجمته بجميع خصائصه من اللغة المنقول منها.
ففي الكوميديا مثلاً ومن ناحية الإدراك للمعنى واللفظ واللغة فإنها أكثرها تعتمد على النكات اللفظية والمهاترة والتنابز بالألقاب،بالاضافة إلى طابعها المحلي، حيث لا يمكن أن نقول ان هذا هو جوهر الكوميديا في معناها الناضج فنياً واجتماعياً، حتى نرى أن (أرسطو) قد تطرق في الملهاة الأولى القديمة لعهد (ارسطو) كانت لغة المؤلفين المقدمة هي مبعث السرور، وفي الثانية الملهاة الحديثة لعهد ارسطو كانت التلميحات والايعازات أكثر ابهاجاً, وكان يفضل ارسطو السخرية التي يرمي قائلها من ورائها لمعنى عام، على الدعابة، لأن الأولى أليق بالرجل السرى، والسخرية ترمي إلى معنى مسلِ عميق، فيه يتشفى القائل، في حين يقصد في الدعابة إلى تسلية الآخرين، بالتالي يكون جوهر الملهاة هو الموقف وليس عبارات الشتم والدعابة، لأنها تضعف موقفها إذا استخدمت هذه الكلمات من الشتم في التصوير وتقوى حين يقوم الكاتب بمداعبة بأداة ذات معنى، لإثارة المفارقات العميقة، حتى وصل الضحك ذات دلالة اجتماعية خطيرة، ضحكاً مراً يقرب من البكاء عند التأمل الممعن النظر، وهذا قد ما نسميهِ(بالكوميديا السوداء) والتي اشتغل عليها الكاتب السوري (فرحان بلبل)، وبمثل هذه الملهاة يرقى الفن نفسه، ويسهم في النشاط الإنساني وفي نضج الوعي، وفي الأدب العربي قد يعجز عن مجازاة الآداب الأخرى في غنائهِ بهذا الجنس من الأدب، ذلك أن من المقطوع بهِ أن المسرحيات كلها في ملهاة ومأساة لاهية، لو كانت قد ظلت تُكتب في الادب العالمية بلهجات محلية، لما ارتقت ولما تعاونت الآداب العالمية والنقد العالمي في النهوض بها، وفي تبادل التأثير فيها والتأثر بها، مما كان سبب نضجها، وعوناً على تأدية رسالتها الإنسانية والفنية، وقد تكون الفصحى أكثر قدرة على التعبير في أنواع أخرى من المسرحيات، مثل المسرحيات المترجمة عن الآداب العالمية أو المسرحيات التاريخية والمسرحيات الأسطورية الرمزية، أو الذهنية.
★ناقدـالعراق.