شهد إبراهيم: جمعية النقاد تكرم فيلم “ڤوي ڤوي” كأفضل فيلم لعام 2023.
شهد إبراهيم ★
في أمسية فنية رائعة، وحوار مفتوح وسلس، تفاعل خلاله الجمهور، أقامت جمعية نقاد السينما المصريين، يوم الأحد الموافق الخامس والعشرين من فبراير، ندوة لمناقشة فيلم “فوي فوي فوي” مع مخرج ومؤلف الفيلم “عمر هلال”، لتكريمه، وتسليمه جائزة جمعية نقاد السينما المصريين، كأفضل فيلم مصري تم عرضه خلال عام 2023، وذلك وفقاً لتصويت النقاد، أدار اللقاء أحمد شوقي، رئيس جمعية نقاد السينما المصريين.
بدأ أحمد شوقي بالتحدث عن الجمعية، وتاريخها الفني، وكيفية اختيار الفيلم الفائز بالجائزة، حيث قال: ” أصبح عُمْرُ الجمعية الآن اثنين وخمسين سنة، وأن الجائزة السنوية، التي تُقدَّم تُعدُّ تقليداً راسخاً لجمعية النقاد، تقيمه الجمعية بانتظام منذ تأسيسها، بغرض إبراز الأفضل في السينما المحلية، والعالمية، حيث يتم عمل جلسة طويلة، تتشكل من أعضاء الجمعية، الذين أصبح عددهم ثمانين عضواً حتى الآن جميعهم نشطون، وخلال الجلسة نحاول أن نصل إلى أكثر فيلم نال إعجاب النقاد، مع العلم أنه من الصعب أن يصبح هنالك إجماع بشكلٍ كامل على فيلم، في السنين الماضية كنا نلجأ للمغامرة في اختيار الأفلام غير المعتادة، كنوع من أنواع الاِعتراض على المستوى العام للسينما المصرية، وفي العام الماضية، وقع اختيارنا على فيلم “ريش” للمخرج عمر الزهيري، أما هذا العام فوجدنا أنفسنا أمام مجموعة كبيرة من الأفلام، أغلبها لمخرجين، يُقدِّمون عملهم الأول، أوالثاني على الأقل، هذا ما جعلنا نشعر بقيمة الأعمال، والتناقش في القضايا التي تُقدِّمها جدياً، ونشعر بقيمتها كنقاد، وبالأدوات الإخراجية، والأدوات البصرية، والسردية القوية، ومواكبتها للعصر الحالي، مع عدم نسيان أن نوع السينما المستقلة أشعرنا أن هناك فجوة بين الفيلم والجمهور، وهو أن صُنَّاع العمل بدأوا يصنعون أفلاماً هم يحبونها إخراجياً، ويُقدِّرها النقاد، والمهرجانات الفنية، ولكن وقت عرضها في دورالسينما المصرية، لا تحقق نجاحاً؛ لان الجمهورلا يَميلُ لها، وبالتالي يصبح الفيلم غريباً في وطنه، وكما ذكرنا في موقف امتناعنا عن ترشيح فيلم، للتعبير عن عدم رضانا عن الحال، فهذا العام يجب أن نشيد بوجود أكثر من مُرشح، وأكثر من فيلم جيد يستحق التحية، نحن اليوم نحتفل بتجربة مميزة جداً، حققت نجاحاً كبيراً، ليس فقط على المستوى النقدي، أو على مستوى السينما، حيث تم ترشيحه لجائزة الأوسكار السادسة والتسعين، بل أيضاً على المستوى الجماهيري، إنه فيلم (فوي فوي فوي) فيلم نجح بشكل كبير في السينما، ليس فقط في مصر، بل وأيضاً في المنطقة العربية، وسيتم عرضه على منصة “شاهد” الرقمية، وأنا واثق أن وقت عرضه على المنصة، سيحقق نجاحاً جديداً، وسيطرح معه موجة نقاش جديدة، وتعليقات جديدة.
عمر حدِّثني الآن كيف بدأت؟”
مسيرة فنية:
بذلك السؤال الذي اختتم به أحمد شوقي مقدمته، اِنطلق عمر هلال في حديثه، قائلًا:
“بدأت من الإعلانات، ولكني لجأت للإعلانات؛ لأنني أريد الوصول إلى هنا، أدركت حلمي هذا، وأنا في الثانية عشرة من عمري ، وبعد تخرجي من الجامعة، اشتريت كاميرا، وبدأت في التصوير، وأصبحت مصوراً في جريدة الأهرام، وبعدها أصبحت مصور إعلانات صحفية، وبعدها كنت أكتب الإعلان، قال لي الأستاذ (عمرو قورة) إنني يجب أن أقوم بالإخراج، ولكني وقتها كنت صغيراً، إلا أني قمت بإخراج الفيديو كليب، وقتها كان المخرجون يَصِلون إلى إخراج السينما عن طريقه، كشريف صبري، وعثمان أبو لبن، ومحمد سامي، كان الفيديو كليب بمثابة وسيلة لعمل فيلم، وأخرجت وقتها (إعلان إستوديو الفن)، وبعد ذلك قمت بإخراج العديد من الإعلانات”.
ومن ضمن الإعلانات التي قام عمر هلال بإخراجها، كان إعلان فرسكا 2012، وإعلان فودافون رمضان 2015، وإعلان اتصالات حكاية مع أحمد حلمي، وغيرها من الإعلانات، التي طالما نردد أغانيها، وتنال إعجابنا، لكننا نندهش عندما نعرف أن مخرجها عمر هلال.
وقتها كان التسويق للأعمال عن طريق (الشوريال ) وهو فيديو يجمع كل أعمال الفنان، ولكن اليوم، الفيسبوك أصبح أسهل وسيلة تسويق للأعمال.
لا حياة مع اليأس:
واستكمل عمر حديثه قائلًا: ” كتبتُ أول فيلم لي 2005، كان اسمه (مترو) ولكن لم يتم انتاجه، كان المنتجون حسن رمزي، وكامل أبو علي، وإسعاد يونس، يتطلعون إلى إنتاجه، ، ولكنه تعثر، رغم أنه كان فيلماً سابقاً لعصره، أحداثه كانت تدور سنة 2011، وهو عبارة عن 15 شخصاً في عربة مترو مُعطلة، لا يستطيعون الخروج منها ، فكرة وجود مجموعة شخصيات في مكان واحد هذه لم يكن لها وجود وقتها في الدراما المصرية، لأنها حدثت في الفيلم الأمريكي (12 angry man)، ثم في سنة 1959، الفيلم المصري (بين السماء والأرض )
ونشرها بعد ذلك في السينما المصرية فيلم (كباريه)، ومن بعده (الفرح)، وغيرهما، وقتها كان سيحقق نجاحاً هائلاً، لأن السينما آنذاك كانت قائمة على النجوم، أمثال محمد هنيدي، وعلاء ولي الدين، وأحمد السقا، وغيرهم، ولكن فكرة الفيلم بالأساس، كانت قائمة على المترو، حيث هو البطل، ولم لم يتم إنتاجه؛ لأنني لست من الوسط وقتها ـ كان يطلق علينا بتوع إعلانات ـ “
الذي يستطيع أن يصنع إعلاناً، ويحترف في صنعه في دقيقة، من السهل عليه جداً أن يقوم بصناعة ـ الأطول ـ الفيلم.
بداية الحلم:
ثم تَطرَّق لحديث عن الفيلم، وأثره عليه بعد تحقيقه كل هذا النجاح، وأصبح الناس يتحدثون عنه، حتى الذي لم يشاهده، يذكر أن هناك فيلماً اسمه (فوي فوي فوي) أريد مشاهدته، ووصف لنا شعوره قائلاً: ” عندما تم طرح الفيلم في السينما، وجدت أشخاصاً يستوقفونني في الشارع، يريدون التصوير معي، وهذا لم يكن يحدث، حتى نحن صُنَّاع الفيلم لم نكن نتخيل هذا النجاح الضخم، وكان ينبغي علينا أن نصنع للفيلم دعاية أكثر، ولكن هذا لم يحدث.
وأكمل حديثه قائلاً: يهمني أولاً نجاح الجمهور، وهذا تقدير مهم جداً بالنسبة لي، وهذا يعتبر بداية الحلم، وسقف طموحاتي مازال بعيداً، و الأهم اننا نصنع شيئاً للوطن، نحن رواد الثقافة، والفن، ولكن للأسف تركنا انفسنا لنجاح المال، وسعيد جداً أنه يمثل مصر في الأوسكار، في وقت أنا لست سعيداً فيه بما يحدث من بعض الناس.
من أين أتت الفكرة؟
يحلم عمر طوال الوقت أن يصنع فيلماً عن المغتربين، لأن معظم الشباب يريدون أن يتغربوا، ولكنهم لا يعرفون لماذا؟
قال عمر في حديثه عن فكرة الفيلم: ” وجدت القصة على الفيسبوك في صورة خبر، ثلاثة عشر شخصاً اِدَّعوا أنهم مكفوفو البصر، ونجحوا، من هنا بدأت الكتابة، وكنت أفكر كيف أضع هذه القصة في قالب كوميدي، تلك الكوميديا السوداء، عن شخص يريد السفر من بلده بسبب ظروف حياته.
واستكمل حديثه عن الوقت الذي استغرقه في الكتابة حيث قال: ” شرعت في كتابته في 2015 حتى 2019، لأنني كنتُ مشغولاً جداً في حياتي الشخصية، قابلتُ بعدها صديقي محمد حفظي، وأعجبته الفكرة، لم أكن أتخيل هذا الكم من الصدى الإيجابي، كنت اتوقع أنه سيأخذ منحنى من البداية، ليصل تدريجياً إلى أعلى نقطة في النجاح، مثل فيلم الحريفة، تزايد بالفعل وأخذ نفس المنحنى، ولكنه بدأ بنجاح ضخم جداً، وتصاعد في هذا النجاح، أنا أحب الأفلام المستقلة، ولكن من المهم أيضاً رأي الجمهور، ولا أعتقد أنني من الممكن أن أصنع فيلماً لا يخاطب الجمهور”
أما في نقاشي معه في مسألة اختيار الممثلين، وهل يمكن الاستعانة في أفلامه في أدوار البطولة، بأشخاص لم يسبق لهم التمثيل؟
أجاب قائلًا: ” إنه من الممكن، بالعكس أفضل أن تكون هناك قراءة للممثلين النجوم، ولكن من الصعب أن يحدث ذلك، كما أنني أظهرت بيومي فؤاد، في أول مرة معي في إعلان ماكدونالدز2008، وأيضاً ماجد الكدواني، في إعلان المنظف تايد للملابس 2001″، رغم أنه شارك سنة 1996 بفيلم (عفاريت الإسفلت)
واستكمل حديثه قائلًا: ” الآن أكتب وأستعد لفيلمي الجديد، الذي أيضاً يعد خبراً قرأته، أثار إعجابي”
وقد صرح لنا أن الخبر هذا عن حدث في 2006، وأنه لن يقوم بعمل جزء ثانٍ من فيلم (فوي فوي فوي)، وأنه إذا أراد أن يصنع جزءاً ثانياً، سيكون ذلك بعد وقت وزمن بعيد جداً.
خطة إخراجية:
وحدَّثنا عن خطته الإخراجية قائلاً: ” أقوم بعمل سبورة، وأُلصق عليها أوراقاً بألوان مختلفة، الأصفر مثلاً يشير إلى أول ظهور للشخصية، والأحمر لتصاعدها، ووصولها ذروة تغيراتها، أثناء الكتابة إذا وجدتني تركت شخصية فترة طويلة، أبدأ في خلق مشهد لها، لتبقى أمام أعين المُشاهدين، طوال الوقت، وإذا وجدتُ شخصية غير مهمة، أقوم بإبعادها تماماً، وكذلك المَشاهد، فإن أول مشهد كتبته ليس هو بداية الفيلم، وهو من أنجح المشاهد إخراجياً، إنه مشهد اكتشاف بيومي أن فراج ليس كفيفاً، من إضاءة، وتصوير، وكادرات، أما عن الأجزاء الخاصة بالثورة، وأحداث 2013، والأخوان، كنتُ مضطراً أن أضعه، تفادياً لأي مشكلة من ناحية الرقابة، فوضعته بعد ما أنهيت مونتاج الفيلم بثلاثة شهور، ولكن الفيلم تعثر في الرقابة فترة سنة كاملة، لأنهم طلبوا أن تفوز في المباراة فرقة المكفوفين، نظراً لطبيعة حالهم، هذا تعثر كان بالنسبة لي غريباً، هم مجموعة سارقين، وليسوا مكفوفين بحق، ولكني خططتُ لحيلة تجعلني أخرج من هذا المأزق، وأن يكون في النهاية مجموعة من المكفوفين حقاً تفوز، ولكن لم يلاحظ أحد هذا”
ثغرات في رسم الشخصيات:
وتناقش معه أحد الأفراد عن طبيعة شخصية (نيللي كريم) وكيف تقرَّبت بهذه السرعة من شخصية (محمد فراج) في الفيلم، فأجابه قائلًا: “إنني لن أتجادل معك في هذه النقطة، لأنني أعرف أنه إذا كانت هناك ثغرة في الفيلم، فهي في رسم شخصية نيللي كريم، ولكني في البداية كنت أريد أن اضع دافعاً لفراج، يجعله يترك فكرة السفر، وإذا كنتُ متحرراً أكثر رقابياً، كنتُ وضعت الشخصية كما رسمتها، فأنا كنت متخيلاً أن نيللي وفراج بينهما علاقة جسدية، ولكن بسبب الرقابة حدث ذلك، ولكني منذ بداية كتابتي للشخصية، وأنا أضع أمامي نيللي كريم، حتى اسم الشخصية في السيناريو، كان (نيللي) وعندما وافقتْ قمتُ بتغييره إلى (إنجي)، وكان في مخيلتي أيضاً لشخصية فراج (فتحي عبد الوهاب)، ولكني عندما وجدتُ فراج في مسلسل (لعبة نيوتن) تحدثت معه فوراً عن العمل”
يُذكر أن الفيلم دخل في منافسة قوية مع فيلم “وش في وش” للمخرج (وليد الحلفاوي)، ولكنه فاز بعد تفوقه بفارق صوت واحد، حيث حصل (فوي فوي فوي) على 10 أصوات من بين 19 ناقداً وناقدة، شكلوا لجنة التحكيم برئاسة الناقد خالد محمود، مقابل 9 أصوات نالها (وش في وش).
★المعلومات الواردة في الندوة على لسان المتحدثين.
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.