نهلة إيهاب: مسرحية “رصاصة في القلب “عودة لشاعرية الصورة، وعمق التراث.
نهلة إيهاب ★
من خلال العودة لكتاب رصاصة في القلب الذي ألَّفه الكاتب الكبير “توفيق الحكيم “وسلَّط من خلاله الضوء على واقع المسرح في مصر، حيث يوضح رؤيته الفريدة، حول كيفية تعزيز، وجعل المسرح القومي يحتضن تراث المسرح المصري بشكل دائم، كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد؛ حيث إنه تخيَّل مستقبلاً للمسرح القومي، يكرس نفسه لتقديم تراث المسرح المصري على مدار العام.
وتلبيةً للدعوة التي نادي بها” الحكيم ” يطالعنا العرض المسرحي “رصاصة في القلب” إنتاج فرقة المسرح القومي، بقيادة الأستاذ الدكتور أيمن الشيوي ، وهو عن رائعة الأديب الكبير “توفيق الحكيم”، ومن إعداد وإخراج مروان عزب، أحد أعضاء فرقة المسرح القومي .
وقد قدَّمها قبل ذلك بكثير، كعمل مسرحي يحمل “نفس الاِسم ” صلاح ذو الفقار، وليلي طاهر ، ومن إخراج كمال حسين، عام 1964، كما قدمها علي الحجار، وأنغام، ومن إخراج حسن عبد السلام، عام 1999 .
كما قدَّمها لأول مرة “كعمل سينمائي” محمد عبد الوهاب، وراقية إبراهيم ، ومن إخراج محمد كريم، عام 1944.
فإنسانية فكرة النص، وتعدد تفسيراته وتوظيفه، يسمو به من تلك الخصوصية الظاهرة التي طرحها” توفيق الحكيم”.
تدور أحداث المسرحية حول شخصية “نجيب” ذات الوضع المالي المزري، الذي يعيش حياة بلا أهداف، لا يهتم إلا بالموسيقى واللهو، إذ يلتقي صدفة بفتاة تُدعى “فيفي”، ويقع في حبها من النظرة الأولى، فيحكي لصديقه” د. سامي “عنها، ثم يكتشف أنها خطيبة صديقه، وتتوالى الأحداث دون أن يكتشف صديقه شيئاً، ويقرر “نجيب” التعامل مع الموقف بنبل وأخلاق، فيقرر الاِبتعاد عن هذا الحب رغم تهيئة الظروف حوله، واعتراف ” فيفي” بحبها له.
تعامل المُعِدُّ والمخرج “مروان عزب” مع النص بحرص شديد، ودِقَّة بالغة، للحفاظ على جوهر النص المسرحي، والخطوط الدرامية له، مازجاً مشاهد الخيال والحلم، التي ينسجها” نجيب” لذاته مع “فيفي” .. فبالحلم يهرب الإنسان من واقعه، راسماً لذاته كِياناً أفضل داخل منظومة أرحب … فماذا لو تلازم الحلم مع الواقع، وأصبح يلامس أحدهما الآخر؟..
وذلك من خلال توظيفه لجميع عناصر العرض المسرحي، وبالأخص “الديكور، والإضاءة، والموسيقى” ولهذا جاء تقسيم خشبة المسرح مناسباً لروح وطبيعة العرض المسرحي، وذلك من خلال عدة تقسيمات، منها “حجرة المكتب ، والصالون ، وحجرة العيادة، والباب، الذي يتصدر عمق خشبة المسرح، وذلك أيضاً ينسب لـ “فادي فوكيه” مصمم الديكور المميز لعرض يليق بالمسرح القومي، كما ساعدت الإضاءة باستخدام البؤر الضوئية على تفعيل هذه الحالة الشعورية، وخلق عوالم بين الذات والآخر؛ فقد تم توظيف جميع عناصر العمل المسرحي، بشكل يكشف عن عمق وبعد إنساني ثري، يسمح بتأويله، وتعدد معانيه.
كما جاء الأداء التمثيلي لكلٍ من “مروان عزب، وبسمة ماهر، وأحمد مجد الدين” معبراً عن طبيعة الشخصيات، بالتطابق مع للحالة الشعورية للنص، وملامحها الفنية …وهذا ليس بجديد عليهم .
أما أحمد سعيد الذي قام بدور” البواب” فهو من الوجوه الشابة الجديدة الواعدة، فبرغم مساحة دوره المحدودة، إلا أنه استطاع أن يترك بصمة، تضيف لرصيده الفني، حيث يمتلك حساً فكاهياً، وطاقة تمثيلية رائعة على خشبة المسرح.
كما شارك في التمثيل “ماجد مارك، وأسامة مجدي، ورفعت شحاتة” …بالإضافة إلى استعراضات “فاروق الشريف”، التي أضافت للعرض مزيداً من الحيوية والتجديد ، وكذلك فعلت أزياء “دنيا الهواري”
ولهذا فإننا أمام مسرحية غنائية استعراضية، تحمل روحاً فكاهية، تتناسب مع قيمة التراث الفني والمسرحي، الذي تركه لنا “توفيق الحكيم”، من خلال صورة شاعرية، تحمل تراث الكلمات مُجسَّدة على خشبة مسرح عريق، “المسرح القومي”.
وفي الختام أتوجه بالشكر لمدير عرض المسرح القومي الأستاذة سارة شكري على دعوتها الكريمة.
★ناقدة-مصر.