محمد فهمي ★
في ظل غياب الزعيم “عادل إمام” عن الشاشة الصغيرة لمدة 4 أعوام، تناول رُوّاد مواقع التواصل الاجتماعي، عدة شائعات عن الزعيم، منها تعرضه لوعكة صحية، أوأنه وافته المنية، أو أنه اعتزل الفن بشكل نهائي، بعد أن أفنى عمره في تقديم أعمال فنية عظيمة.
وكان كل ما يهم جمهور الزعيم في الوطن العربي، هو أن يطمئنوا على صحة “عادل إمام”، وعلى هامش إقامة مهرجان “جوي أورد” في المملكة العربية السعودية، مُنح الزعيم جائزة زعيم الفن العربي، وتسلم الجائزة نجلاه رامي، ومحمد إمام.
وخلال تصريحات تليفزيونية، طمأن المخرج “رامي إمام” محبي الزعيم على صحته، وأن والده بحالة صحية جيدة، وبخير، وأنه قرَّر التفرُّغ للحياة الأسرية مع أولاده، وأحفاده، وأنه يستمتع بحياته الأسرية في المنزل.
وعلى الرغم من فرحة الجمهور بدوام الصحة والعافية على الزعيم، إلا أنهم شعروا بألم كبير نتيجة لهذه التصريحات، والتي تشير إلى غياب الزعيم عن الساحة الفنية، واعتزاله الذي لا رجعة فيه.
وفي سطور قليلة، نلقي نظرة مختلفة عن المسيرة الأعظم، لفنان مصري في الوطن العربي.
الأستاذ والتلميذ
بدأ “عادل إمام” حياته الفنية على مسرح الجامعة، ومنه انطلق إلى السينما وبالتحديد في عام 1964، في مسرحية “أنا وهو وهي” من بطولة الأستاذ “فؤاد المهندس”، و”شويكار”، وقرَّر “المهندس” أن يتم اختيار وجه جديد، ليلعب دور “دسوقي أفندي”، وعلى حسب رواية الأخير، أنه اختاره من ضمن عشرين ممثلاً، ولكنه استشف فيه موهبة كوميدية جبارة، وعلى حسب وصفه الجميل أن “عادل إمام” هو تلميذه البكر، فهو يمتلك كل صفات النجم المستقبلي في السينما والمسرح والتلفزيون، وبالفعل لم يخيب ظنه، ولاقت المسرحية نجاحاً كبيراً، وكانت بطاقة تعارف الزعيم بالجمهور المصري، بأفيه عالق في الأذهان حتى الآن “بلد بتاعة شهادات صحيح”، ولشدة نجاح المسرحية تحوَّلت بعد ذلك إلى عمل سينمائي، يحمل نفس الاسم، وأدَّى “عادل إمام” دور “دسوقي أفندي”، وكان هذا أول عمل سينمائي يقوم به، وبعدها أقبل المنتجون بشراسة على طلب “عادل إمام”، لتأدية نفس الدور بتلك البدلة البالية والطربوش، ولكن ذكاء “إمام” كان حاضراً منذ اللحظة الأولى، فرفض حصر نفسه في ذلك الدور، ولهذا تكرَّر اللقاء مرة أخرى بينه وبين الأستاذ، وزادت ثقة الأستاذ في التلميذ في مسرحية “حالة حب”، ومسرحية “أنا فين وانتِ فين”، وبعد أن شقَّ الزعيم رحلته الفنية، وأصبح نجم شباك في السينما والمسرح، لم ينس فضل “فؤاد المهندس” عليه، وشاركه البطولة السينمائية في فيلم “خلي بالك من جيرانك”، عام 1979، وفيلم “خمسه باب”، عام 1983، وفيلم “زوج تحت الطلب”، عام 1985، وبدون الخوض في تفاصيل تلك الأعمال الفنية الخالدة، التي نعرفها عن ظهر قلب، ولكن الأهم هو العلاقة بين هذا الثنائي العبقري، فالأول أستاذ وكوميديان من الطراز الثقيل، ومن الطبيعي أن يمنح نفسه المساحة الأكبر من الكوميديا في أعماله، ولكن نظرة “فؤاد” للعمل الفني ميزته عن باقي أقرانه من جيله، وهو أن يجعل العمل الفني بأكمله، على مستوى يليق بالملتقى، ولا سبيل لتحقيق ذلك بدون اختيار عناصر فنية تثقل هذا العمل، أما “الزعيم” فهو يمتلك الذكاء والفطنة، ويعرف أنه بدون دعم وثقة “فؤاد المهندس” به، لكان تغيَّر الوضع تماماً، ومهما تبدَّل ترتيب الأسماء، وازياد النجومية، واعتلاء عرش الإيرادات، فهو في طيات قلبه، التلميذ البكر، لأستاذ عبقري.
أنا المخ وأنت العضلات
تُعَدُّ الثنائية التي جمعت بين “عادل إمام”، و”سعيد صالح” من أقوى الثنائيات، التي حدثت في تاريخ الفن المصري، ومن الصعب أن تتكرر، فاجتمع الثنائي في 11 عملاً فنياً، منها مدرسة المشاغبين، المشبوه، على باب الوزير، رجب فوق صفيح ساخن، الهلفوت، سلام يا صاحبي، بخيت وعديله، أمير الظلام، واخيراً الزهايمر.
تعرَّفا على بعضهما في مرحلة الدراسة، حيث اشتركا في عدد من الفرق المسرحية داخل المدرسة، وبعد تخرجهما من كلية الزراعة، عملا معاً في مسرح التلفزيون، ولا أخفيك سراً أن “عادل إمام” كان ينبهر بما يقدمه “سعيد صالح” من أداء سلس على خشبة المسرح، والتحق الثنائي بفرقة الفنانين المتحدين، وقدَّما عدداً من المسرحيات، التي لم تلقَ النجاح المرجو منها إلى أن أقنعا المنتج “سمير خفاجي” بتقديم فكرة عن الفصل الدراسي، والعلاقة بين التلاميذ والمعلمين، وكانت مسرحية “مدرسة المشاغبين”، هي الاِنطلاقة الحقيقية لجيل جديد بعد جيل المهندس، ومدبولي، ومحمد عوض.
ما سيثير دهشتك أن أجر “سعيد صالح” في المسرحية كان أعلى من “عادل إمام”، وكانت شخصية “بهجت الأباصيري” معروضة في البداية على “سعيد” ولكنه تنازل عنها لصديق عمره، وقدَّم بدلاً منها شخصية “مرسي الزناتي” بجانب الظهور الأول، لفتى الشاشة الأسمر “أحمد زكي”، وأصبحت المسرحية أيقونة من أيقونات المسرح الكوميدي، حتى إن اختلف البعض لطريقة تناولها، وأن بها الكثير من الخروج عن النص.
كانا يعشقا التسكع معاً في شوارع مصر والإسكندرية على وجه الخصوص، وجمعهما حب مصر، والفن، وعلما أن هناك هارموني تجمع بينهما تنتقل بسلاسة وهدوء من وراء الكاميرا إلى الشاشة، وحاول الكثيرون أن يعكروا صفو صداقتهما، إلا أنهما ابتعدا عن هذه المحاولات، ويتحدثان عن بعضهما بكل حب وود.
وعلى الرغم من موهبة “سعيد صالح” الجبارة، والتي أشاد بها رفاقهما في الوسط الفني، إلا أن ذكاء عادل إمام، وإصراره على النجاح، اِستطاع أن يدير موهبته، واكتفى سعيد بدور صديق البطل في أعمال الزعيم، التي كانت تنتهي دائماً بوفاة “سعيد صالح” في الأحداث لدرجة جعلته يعتذر عن فيلم “مسجل خطر” بسبب موته في منتصف أحداث الفيلم، وكان يُصِرُّ كلاهما في لقاءاتهما التليفزيونية، أن صداقتهما بلا غرض، ويسعدا كثيراً بالعمل معاً، وأنهما لن يكونا منافِسَيْن لبعضهما.
لو رجع بيا الزمن هتجوزها تاني
من الصعب أن تجد مقالاً يتحدث عن زوجة أحد المشاهير، وإن وجدت ستجد ما لا يسرك، بسبب وابل من الاتهامات والصراعات، إلى درجة تصل إلى دار القضاء، وخاصة في هذه الأيام، التي اشتهرت بسرعة الزواج والانفصال، وأصبحت موضة إعلان انفصال زوجين من المشاهيرعبر ستوري موقع تبادل الصور “أنستجرام”، ومن بعدها حذف كلا الطرفين لكل الذكريات، التي كانت تجمعهما، وبما أننا نلقي نظرة مختلفة على مسيرة زعيم الفن في الوطن العربي، فمن الطبيعي أن نتحدث عن شريكة حياته، ونجاحه، وأم أبنائه، وهي “هالة الشلقاني”، التي كانت من إحدى عائلات الإقطاعيين ولها مستوى اجتماعي وثقافي، مختلف تماماً عن مستوى “إمام” الذي كان في بداياته، وكان ردَّ عائلة “هالة” هو الرفض القاطع، فلم يكن الفن وقتها كافياً، ليشعرك بالاستقرار، والأمان كما هو الحال الآن، ولنا في نهاية الكثير من الفنانين في ذلك الوقت، أسوة ترجح كافة رأي عائلة الشلقاني، ولكنَّ الزوجين أصَرَّا على خطوة الزواج، حتى وإن كان ضد رغبة العائلة.
وكان “عادل إمام” متحفظاً تجاه فكرة الزواج والإنجاب، ولكن بمجرد رؤية “هالة” من شباك منزل المنتج “سمير خفاجي” تأَكَّد أن تلك الإنسانة الرقيقة بنت الأصول على حد وصفه لها، أنها ستكون العكاز الذي سيستند عليه في حياته، وبالفعل تدور الأيام، وتصبح تلك العائلة هي الإرث الحقيقي له، والتي من أجلها يستعد أن يضحِّي بنجومية حفرها لعقود من الزمن.
في النهاية تناولنا بعض الجوانب من مسيرة الفنان العبقري، والذي طالما أسعدنا، وقدَّم لنا نموذجاً يُحتذى به أمام الكاميرا، وخلفها، ذلك الرجل الطموح، فهو التلميذ والصديق والأب.
★خريج قسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.