روايةمسرح

شيماء مصطفى: “راوية الأفلام” .. ما الذي يجعل السينما بهذا السحر؟ وكيف تحولت الرواية إلى مسرحية كويتية؟!

شيماء مصطفى ★
« السينما تروق لهم وحسب، أما أنا وأمي فتبعث فينا الجنون.»
«لم أكن أروي الفيلم بل كنت أمثله، بل كان أكثر كنت أعيشه.»
على لسان البطلة”ماريا” تؤكد أكثر من مرة الولع بالسينما حد العبادة التي قادتها لنفس مصير الأم بإرادتها، حتى وإن ماطلت في ذلك فجمعهما: حب القراءة وهوس وجنون المسلسلات الإذاعية ورواية الأفلام ،حتى وإن كانت رواية الأم لمتلق واحد (الابنة) فالمهم أن هناك جمهور وفستان أحمر واحدٌ.
الفرق بين السينما والمسرح؟
في العروض المسرحية -على عكس الأعمال السينمائية- يقع الممثل في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الجمهور؛ ليتلقى الانطباعات عن أدائه فور انتهاء العرض، وأحيانًا في أثناء العرض نفسه وكذلك هي، ولهذا بنفسها ولنفسها طورت أدواتها، ونوعت أدوارها حتى وإن لزم لذلك الغناء فأحدثت مزيجًا متجانسًا من السينما والمسرح.

مشهد من المسرحية الكويتية المأخوذة عن رواية أفلام للكاتب التشيلي” لإرينان ريبيرا”.

أهم ما يميز الرواية هو أن كل شخصيةٍ اختارت مصيرها ونهايتها فلا تجد حكاية حتى ولو فرعية إلا وهي مكتملة ومتماسكة مع البناء الدرامي للرواية: الأب، ميرتو، مانويل، ما ريتليو، حتى الأخ الأكبر” ماريانو” المتلعثم فور هروب أمه الذي نكتشف معه سبب قتله للمرابي وتلعثمه فيما بعد.
فالتشابه بين الأم ومارين مونرو والتشابه بين الأم والابنة.. كل شيء كُتب لسبب ولهدف، كل حدثٍ لديه ما يسبقه من المنطقي من الأحداث.
قال ماركيز عشت لأروي أما هي فعاشت لتحكي «رواية حياة هي مثل رواية حلم أوفيلم،أما أنا أقول إن الحياة يمكن أن تكون مصنوعة من مادة الأفلام نفسها »
حين تأتي السينما مجلسك؟
في قرية في تشيلي يعمل معظم سكانها بمنجم لاستخراج ملح البارود، جاءتهم البطلة “ماريا” بالسينما في الأكشاك التي يسكنوها.
قبل ظهور التلفاز، شكلت السينما لماريا وجيرانها بوابة للعبور لضفة مغايرة تمامًا عما يألفوه في أكشاك ملح البارود المتشابهة في منطقة الباما، التي يرمز تشابهها وتآلفها لتشابه معاناتهم وتطلعاتهم، فباتت السينما باحة آمنة يلجأ إليها المهمشون.
ناقشت الرواية أيضًا علاقة الفتاة بجسدها في مرحلتين مختلفتين- الطفولة والبلوغ- فماريا الطفلة التي ترفض جسدها وتتعامل كما لو كانت صبيًا ،وربما كونها الابنة الوحيدة وسط الأبناء الذكور فاتسمت بصفاتهم، تصل لمرحلة البلوغ، وتكتشف جسدها ومواطن أنوثته، منصعقةً من مرارة عدم امتلاكها لجسدها كما كانت تظن، فدخولها في صراعٍ؛ لحماية جسدها وخصوصيته يتشابه وصراع الأوطان لنيل حرياتها .
ولكنها تهرب من الألم تأكله كما أكلت النمل الأبيض الذي في رأسها، فالهروب طوق النجاة لها، وليست كل الحلول في المواجهة.
التكنولوجيا تلتهم كل شيء؟!
“العناكب لاتنسج نسيجها ،إلا في أيام غائمة “
أهم ما تناولته الرواية برأيي تمثل في طرح أن كل المهن تموت وتندثر، ولا مهنة تدوم حتى وإن كانت رواية الأفلام، فالتكنولوچيا تلتهم كل شيء، ولا تترك حتى الفتات، وما تعتبره أنت مصدر رزق لك اليوم، سيأت الغد وتتفاجىء بعملٍ آخر، وتيقن الجميعُ من ذلك بعد سنواتٍ من الرواية، حيث جاءت كورونا واختفت معها بعض المهن.
السينما بطلًا قوميًّا ؟
حين يطلب أحدهم مني أن أرشح له عملًا مميزًا للقراءة، أقول له : « اذهب حيث الأدب اللاتيني ستجد مقصدك بالتأكيد، فالأدب اللاتيني يمجد الحدث وإتقان الحبكة، فضلًا عن اكتمال البناء الدرامي لشخصياته، فما بالك لو كانت رواية( الأفلام) والترجمة لشيخ المترجمين “صالح علماني”.»
فبالواقعية السحرية خاط” إيرنان ريبيرا ” هذه الرواية؛ ليمجد السينما ودورها ليس في إمتاع وإثراء الخيال وحسب، ولكن في كشف الواقع وقبحه، فجعل لنا من الأفلام بطلًا قوميًّا تأخذ بيد الجميع، فجاءت عنونة الرواية ب(الأفلام)؛ تكريمًا لهذا البطل ولتصنع له نصبًا تذكاريًّا على طريقة« أيرنان ريبيرا» الذي نقل لنا حبه للسينما والأفلام من خلال روايته فقال لنا على لسان ماريا
«كانت قاعة السينما المظلمة تبعث في الإفتتان، تبدو أشبه بمغامرة غامضة سرية و غير مكتشفة على الدوام، فما أن نجتاز ستائر الباب المخملية السميكة حتي يخامرني الوهم بالانتقال من عالم الوقع الفظ إلى عالم سحري. »
كما تعامل معها كما لو كانت محرابًا مقدسًا له من الطقوس والشعائر نصيبٌ:« كنا نجلس في الصف الأول ،شبه ملتصقين بتلك الشاشة البيضاء الهائلة التي أراها كما لو أنها المذبح الأكبر في الكنيسة ،وذورة ذلك الطقس كله تشكله اللحظة السحرية التي تنطفىء فيها الأنوار وتغلق الستائر وتخمد الأصوات وتضج الشاشة بالحياة والحركة ».القارئ للأدب اللايتني سيكتشف أنه مشبع بالإنسانية وهموم الإنسان دون أن ينسلخ عن مجتمعه.

معالجة الرواية في عمل مسرحي كويتي.

رواية الأفلام في حلة كويتية؟!

وختامًا ونحن نتحدث عن تلك الرواية المشبعة بهموم الإنسانية، نتذكر أنها تحولت- قبل سنواتٌ- في الكويت إلى عمل مسرحي، حين قامت الأستاذة في المعهد العالي للفنون المسرحية د. “سعداء الدعاس” بطرح الرواية على طلابها في السنة الرابعة في قسم النقد والأدب المسرحي، وتم تحت إشرافها تحويل ذلك النص الروائي إلى عملٍ مسرحي كنتاج لورشة مادة فن كتابة، أخرجه فيما بعد الخريج السعودي في قسم التمثيل والإخراج في المعهد “عدنان بالعيس”، وقدمه طلاب القسم وبعض خريجيه وهم : رازي الشطي ومريم حسن وناصر حبيب وأحمد المعتوق وهيا السعيد وشهد ياسين،. في إحدى مهرجانات المسرح في الكويت.


★ناقدة-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى