أخبار ومتابعات

شيماء مصطفى: (الوردة والتاج) ما الذي يجعلنا نتشبث بالحياة ؟!.

شيماء مصطفى★ 
ضمن عروض نوادي المسرح استضاف قصر ثقافة روض الفرج العرض المسرحي “الوردة والتاج” عن مسرحية البريطاني «چيه بي بريستلي» لفريق كيان التابع لقصر ثقافة الأنفوشي إخراج «محمد أشرف» وإعداد « عبد السلام السويفي».
هل رأى الحب سكارى مثلنا؟
يدور العرض في بار / حانة يبحث زبائنها عن ماهية السعادة والحياة، عن الموت والحب، ورغم ضبابية الرؤية إلا أن لكل منهم تساؤلٌ خاصٌ به يؤرقه ولا يجعله يثمل حتى وهو في البار.
تضمن العرض عدة مقاطع غنائية بعضها موظف والبعض الآخر تم اقحامه على العمل بشكل مبالغ فيه فانتقص من بعض جماليات العرض وشكل تقاطعًا مع الأداء التمثيلي والحوار، صحيحٌ أن بعضها موظف كأغنية ماجدة الرومي مفترق طرق على لسان مادلين العجوز: آدي اللي كان، وآدي القدر، وآدي المصير، نودع الأفراح، نودع الأشباح، راح اللي راح ما عدش فاضل كتير.
يعقبها داود العاصي بمقطع لصلاح چاهين: أنا شاب عمري ولا ألف عام، وحيد لكن ما بين ضلوعي زحام.
تاليهما زوجته حواء عاصي ردًا عليه بنبرة حميمة ردًا عليه بمقطع لفيروز: حبيبي سكر مر طعم الهوا.
يختتم العرض بأغنية عن العمل بصوت نسائي هادىء تأكيدًا على مقولة ونوس الشهيرة “ما زلنا محكومين بالأمل”.


تناغم الديكور مع سيمائية الأسماء.
يمكث في البار ستة أشخاص داميان ستون وزوجته ساندرا ريد، داود عاصي وزوجته حواء عاصي، مادلين بيج المرأة العجوز، نوح الشاب المقبل على الحياة رغم تقلباتها، وفريد النادل الصامت.
حاول فريق العرض المزج بين الشرقي والغربي كمحاولة لأنسنة الصراع ليس باعتبار أن النص مأخوذ عن النص البريطاني فحسب، ولكن لأن ثنائية الموت والحياة مهما اُستهلكت تناولًا على المسرح فإن الوقوف على ماهيتها والجدل حولها لم يتوقف بعد.
في منتصف العرض وُضع راديو قديم على كمودينو كقطعة ديكورية تؤرخ للفترة الزمنية التي يدور فيها العرض، ولبث أغنياتٍ بشكلٍ عشوائي متنوعة بين الشرقية والغربية، العاطفية والوطنية، نشرات إخبارية، بعضها واضحة وبعضها الآخر إرساله مشوشًا مما يوحي بعدم القدرة على مسك زمام الأمور، صحيحٌ أن الراديو يمكن توجيه قنواته، لكن لا يمكن أن ندير بوصلته فأوقات كثيرة يكون البث مشوشًا والاستقبال ضعيف للشفرة وكذلك الحياة.

تأكد هذا أيضًا من خلال تأكيد الشاب نوح على رغبته في العيش ألف عام، ومن المعروف للجميع أن نوح عليه السلام عاش ألف سنة إلا خمسين.
ثمة قطعة ديكورية غير مألوفة في توظيفها أو موضع تواجدها في البار تكمن في الشماعة التي تواجدت على مقربة من النادل فريد ليستخدمها بين الحين والآخر ليضع عليها بين الحين والآخر البالطو الأبيض، فإن كانت الشمَّاعة في الأمثال الدارجة نستخدمها في تعليق الأخطاء عليها، ونستخدمها في تعليق الملابس كوظيفة أساسية لها، وإن كانت وُضعت ليعلق عليها الزبائن هزائمهم وانكساراتهم، فإنها لم تُوف الغرض، فتواجدها بالمنتصف في خلفية المسرح جعلها غير جلية للجمهور، كما لم يستخدمها سوى فريد النادل الصامت، حتى نوح الشاب المدعي الإقبال على الحياة وتقبل سقطاتها حين أحب أن يعلق عليها ملابسه لم يجدها، ربما كان الأفضل لو وُضعت على مدخل الحانة/البار.
كما حاول أيضًا المزج من خلال الرقصات الغربية الحميمة والرقص بالعصا (عكاز العجوز مادلين) بين كل من حواء ونوح.


حاول العرض أيضًا المزج بين الشرقي والغربي من خلال الأسماء نوح، حواء، داود، دميان، مادلين، ساندرا، فبتأمل الأسماء بعضها أُطلق بعضها على الأنبياء مما يوحي بأن الصراع أزلي ولم ولن يحسم بعد، وللتأكيد على هذا فإن نوح حين خالفهم في نظرته وتمسكه بالحياة رغم إصابته بمرض في القلب، ورغم عدم وجود ما يدعوه للتمسك بها خاصة بعد رفض تجنيده في الحرب لمرضه هذا فإنهم سخروا منه، تمامًا مثلما حدث مع نوح -عليه السلام- حين صنع سفينته « وكلما مر عليه ملاءٌ من قومه سخروا منه».

ولإثبات كذب الإدعاء بسخطهم من الحياة جاءت رمزية الوردة لتثبت أنه مجرد ادعاء، فحين أعطاها مستر فرج/ وكيل الموت لهم، أخذوها جميعًا رغم ذبولها ووخزاتها لهم، فمن منا يعني ما يقول!
في موت أحدهم خبز للآخر.
تناول العرض تيمة المعاناة من وجهة نظر الكبار، رغم أنها لم تكن التيمة الأساسية في الصراع إلا أنها هامة ومؤثرة فداميان ستون العجوز يرى أنه الأحق بالحياة من داود ونوح معتقدًا أن الأكبر سنًا الأكثر معاناةً، لذلك فهو الأحق – من وجهة نظره – للعيش ليتنفس بعضًا من السعادة بعد سنوات عجاف من التعاسة والمرض والشقاء، يبرر ذلك من خلال تساؤله الدائم لنوح عن السعادة والحياة، يبرر ذلك أيضًا من خلال تأكيده على أن نوح وداود لم يُعانيا مثله ليحظيا بالعيش، فهما على الأقل عاشا لحظات سعيدة، وإن كان وكيل الموت سيمنح لأحدهم فرصة للحياة فمن الأجدر أن يحظى بها.

مادلين العجوز هي الأخرى لا تختلف عن داميان في رؤيته فمحاولتها المستميتة للحياة تمثلت في ابتزازها العاطفي لزبائن الحانة من خلال سرد معاناتها على الجميع مرارًا كمحاولة لكسب تعاطفهم، ورغم أنها كثيرًا ما رددت أنها تريد الانتحار للحاق بالراحلين من ذويها إلى أنها كانت أول من تمسك بالوردة (رمزية الحياة) من وكيل الموت.
أما نوح الشاب فقد كان الحطبة التي ألقيت في نيران الموت وضح ذلك منذ البداية فتم تواجده في مشاهد النهاية ببؤرة حلقة تشكلت من الزبائن شاهرين كراسيهم لأعلى حوله وكأنه بسجنٍ تحيطه القضبان، باستثناء حواء التي ظلت طوال العرض تابعة لرغبات زوجها داود من غير جملتها :” مش كدا يا داود”. ثم حاولت دعم نوح لفك أسره من بؤرتهم، ولكن منذ متى تنتصر الشجاعة على الكثرة!

هل كان العرض متكاملًا؟
ربما التناغم بين الشرقي والغربي سواء في الأغاني أو الموسيقى أو حتى في الأسماء قد أوفى بالغرض، ولكن رغم تكامل العرض في أغلب عناصره إلا أن أسوأ ما فيه تمثل في إقحام اللغة العربية على الحوار دون مبرر على لسان وكيل الموت مستر فرج، فجاء الخطاب سلطويًا لا حاجة له، فظن صناع العرض أن الرهبة تأت من الافتعال والتفخيم من خلال الحديث بالعربية الفصحى فسقطوا في فخ مخارج الأصوات فبدت السين صادًا، والكاف قافًا، وحروف التفخيم لا تتجاوز السبعة (خ،ص، ض، غ، ط، ق،ظ).
فتعبيرات الوجه كفيلة ببيان الرهبة، ولا حاجة لهذا الافتعال، كذلك حشرجة الصوت لداميان كانت بشكلٍ مبالغ، وأيضًا صوت داود العالي كتعبير على سيطرته الدائمة على حواء لا حاجة له.
أما بخصوص الملابس فلا أعرف لماذا ترتدي ساندرا ريد ملابس شتوية وفي نفس الوقت تستخدم مروحة يد!
وبالنسبة للقطع الديكورية في اللوحات التجريدية فشكلت عرضًا هي الأخرى فحوت بعض زجاجات الخمور، شماعة، سجنٌ تتخلل قضبانه الحديدية يدٌ تحاول الخلاص، وسلمٌ ربما يكون وسيلة للنجاة، أما في الخلفية التي يتصدرها مستر فرج/ وكيل الموت، بالتبادل مع فريد النادل فتظهر بصورة ذئب أسود.

لم تكن الملابس متناسقة مع الجو العام للعرض فبدت الملابس منتمية أكثر لروح النص الأصلي المأخوذ عنه العرض، لا العرض المسرحي الحالي برؤيته الجديدة فشكل هذا خللًا واضحًا، فإن كان العرض تضمن موسيقى ومقاطع غنائية حديثة للشيخ إمام وماجدة الرومي وچاهين، لماذا لم تكن الملابس على نفس الوتيرة باستثناء ملابس النادل فريد ووكيل الموت مستر فرج!
صحيح أن ملابس داود ونوح ومستر ستون تشابهت في اللون والتصميم إلا أنه تم إضافة قطعة إكسسوارية بسيطة تتسق وشخصيته، فنجد داود بغطاء رأس يحجب الرأس والأذن والوجه أحيانًا وكأنه بالمفهوم القرآني أصم أبكم أعمى لا يبصر فلا بصيرة ولا حياة، ونجد نوح ببيون كما لو كان مُهرجًا، أما بخصوص ميسسز ريد برداءها الأحمر وتسريحتها المبالغ فيها، وهي نفس التسريحة لحواء ومادلين العجوز كمحاولة للفت الانتباه ويؤكد على ذلك تجاهل زوجها لها وهي تقول : يا باب يا مقفول، امته الدخول.
وحواء وزيها الأسود الكئيب الذي يتلائم مع شخصيتها الخاضعة، أما العجوز مادلين فلا أعرف لماذا يتم تقديم العجوز دائمًا بصورة الشخص الأحدب فانحناءها بدا مبالغ فيه، فبدت تسير بوضعية الركوع أكثر من الإنحناء.
وبالنسبة للقطع الديكورية في اللوحات التجريدية فشكلت عرضًا هي الأخرى فحوت بعض زجاجات الخمور، شماعة، سجنٌ تتخلل قضبانه الحديدية يدٌ تحاول الخلاص، وسلمٌ ربما يكون وسيلة للنجاة، أما في الخلفية التي يتصدرها مستر فرج/ وكيل الموت، بالتبادل مع فريد النادل فتظهر بصورة ذئب أسود.
ساهمت الإضاءة في خلق حالة من الإبهار للصورة البصرية،تلائمت مع طبيعة المكان/البار، وتنوعت بتنوع الانفعالات والتفاعلات بين الممثلين في العرض، كما عكست ضبابية الرؤية وتشاؤمية النظرة الشخوص.
العرض في مجمله تجربة جيدة -رغم الملاحظات- لعمل مسرحي تم تناوله عشرات المرات على مختلف المسارح، بمختلف الرؤى.

عدسة: مدحت صبري.
بطولة: أحمد جمال، محمد لقمان، نانسي نصر، رامي عادل، ميرنا عاجل، سارة عادل، كريم البسطويسي، سيف طلال.
ديكور: هبة الله جمال.
تنفيذ ديكور: باسم رزق.
ملابس رامي كرم.
مخرج مساعد:علي ناصر.
مخرج منفذ: ميرنا خليفة.
إضاءة : مصطفى كرم.
إعداد موسيقي وإخراج:محمد أشرف.

★ ناقدة _ مصر. 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى