شيماء مصطفى: (جولدا) فيلم… أم دعوة للتعاطف؟
شيماء مصطفى★
“لقد تسلل العدو”
من البداية وقبل ان تستمر في المتابعة تسحبك الكاميرا في لقطات متسارعة، وبموسيقى تصويرية تعلن حالة النفير تسمع صوتًا إنجليزيًا يقول : لقد تسلل العدو.
كترسيخ بأن كل ما تقوم به إسرائيل رد فعل دفاعي لا أكثر.
استغاثة؟
أعلم أن العمل صناعة هوليودية وأن هيلين ميرين الحائزة على الأوسكار عام 2006م عن دورها في فيلم الملكة إنجليزية، ولكن لماذا لا تكون أصوات الاستغاثة للجنود بالإنجليزية هي الأخرى وليست بالعبرية؟
الداعون إلى الحرب لا يذهبون إلى أرض المعركة.
سياسي لا حربي!
جاهد صناع الفيلم لجعل (جولدا مائير) رئيسة الوزراء الإسرائيلية الأسبق أيقونة المرأة التي أنقذت شعبها من الإبادة،ليس عن طريق الصورة وحسب ، ولكن عن طريق الحوار ، فنجد في نشرتهم الإخبارية “الدول العربية تحارب إسرائيل” كمحاولة لإبراز المفرد (إسرائيل) الذي يدافع عن نفسه من الجمع (الدول العربية).
أيد ذلك مشهد في بداية الفيلم لسربٍ من الطيور يتسيد الجو كرمز لسيطرة السلاح الجوي على سماء سيناء وإسرائيل ، ومشهد النهاية بسقوط عددًا لا يمكن الاستهانة به من هذه الطيور في مبنى الكنيست.
ولدقة التصنيف يمكننا أن نقول أنه فيلم سياسي أكثر منه فيلم حربي، فلم نر معركة تدور أو اشتباكات دامية، فقط أصوات استغاثة وخدع بصرية مستهلكة تتشابه وأفلام الخيال العلمي ولا أعرف هل هذا لضعف الميزانية المخصصة للفيلم أم أن هناك سبب آخر؟
ولأن الداعون إلى الحرب لا يذهبون إلى أرض المعركة فإن أحداث الفيلم كلها لم تخرج عن أربعة أماكن بيت جولدا والكنيست والمستشفى والمطار. ويؤكد على ماذكرنا قول جولدا : “أنا سياسي ولست جنديًا”.
البشر مجرد أرقام .
لست بحاجة لأن تصير عربيًا لتتفهم أن الفيلم محاولة للتعبئة وتوجيه الرأي العالمي صوب التعاطف مع جولدا وشعبها، من خلال الحوار والكادرات ففي وقت الحرب طلبت جولدا من (موشيه ديان) وزير الدفاع الإسرائيلي التوجه أولًا إلى التلفزيون لإلقاء كلمة لطمأنة الشعب،طلبها من ديان التوجه إلى الجنود بحوار يدعم رؤيتهم :,اذهب وانقذ أولادك، علاوة عن علاقتها الحميمية مع فريقها في الكينست التي تخلو من أوامر صارمة أو حاسمة، حتى الكاتبة فقد تبادلت معها نظرات صامتة آسفة على وقوع نجلها فقيدًا في الحرب،علاقتها مع مديرة منزلها ومساعدتها بشكل يوحي بأنهما صديقتان،التركيز المبالغ فيه جعلهم يختزلوا دور جولدا في المرأة التي تحمل على عاتقها قضايا شعبها مما أحدث ثغرات عديدة في العمل أفسدت ما يروجون إليه، فبدلًا من أن يتعاطف المشاهد مع جولدا يجدها امرأة تحصي كل شي، تقول جولدا في أحد المشاهد للقاضي المحقق: أحصيتهم جميعًا سيدي.
فالشعب الذي تدعي جولدا أنها تجاهد لتنقذه ليس أكثر من أرقام تدونها في دفترها الصغير محشورة بين أرقام الطائرات المهشمة والدبابات المحطمة، وكأنهم خسائر مادية.
معالجة سينمائية أم توثيق مذكرات؟
إحدى وظائف الإخراج تكمن في قولبة السيناريو في صورة مرئية، ولكن في فيلم جولدا لم يكن الأمر كذلك، حيث نُقلت لنا مذكرات جولدا عن نفسها دون معالجة سينمائية واضحة، فبدا العمل رثًا في محتواه.
فإذا كنا -نحن العرب- في أعمالنا السينمائية والدرامية اختزلنا جولدا في حاجب عريض ووجه عابس ونبرة آمرة وملابس قاتمة، فإنهم اختزلوها أيضا في مشية منحنية ويد مرتعشة ودخان سجائر كاد يلتهمها، جلى التركيز على التقاط كادرات كلوز أب على الوجه لإبراز انفعالات جولدا، كذلك على اليد والقدم فبدت الكادرات بشكل مبالغ ومبتذل.
كما أن عدم وجود أي مشاهد لردود أفعال شعبهم على الحرب اختزل الشعب في الموظفة الكاتبة التي فقدت ابنها!
ملامح زجاجية!
عدم التطرق بشكل جاد للتكوين النفسي والأيدولوچي لشخصية جولدا صنع من العمل صورة هزلية لكسب التعاطف مع جولدا لا أكثر.
بدا الممثلون في الفيلم بملامح زجاجية خالية من التعبيرات حتى في حالات الهزيمة، بما فيهم الممثلة التي لعبت دور الكاتبة فرغم بكاءها لم تكن مؤثرة كمحاولة إثبات أن المرأة الإسرائيلية تتمتع بصلابة نفسية في أوقات المحن .
أداء باهت
استمرار الكاتبة بالعمل إيمانًا منها بدورها في خدمة إسرائيل رغم فقد نجلها في الحرب تيمة مستهلكة وأداء باهت فما يمكن أن تقوله الكاميرا لا يحتاج لحوار ولا فرط بكاء.
الممثلة الوحيدة التي أجادت دورها في العمل هي التي لعبت دور مساعدة جولدا الخاصة.
مصداقية ما حدث!
خلى العمل من وجود مشاهد للقائها مع السادات، بل تم عرض تسجيلات أرشيفية.
حركات الكاميرا البطيئة في النهاية ،إضاءة منزلها الخافتة أثناء النهار،نوافذ بيتها الكثيرة المغلقة، نوبات القلق والفزع والخرف والهيستريا التي تنتابها فترة تواجدها في منزلها بمفردها توحي بأنها كانت امرأة كتومة متحفظة وبناء عليه لا يمكن أن تتم معالجة سينمائية مستندة على مذكرات ،
امرأة تخشى أن تفتح شبابيك بيتها أثناء النهار، فكيف تفتح سراديب قلبها وتوثق بمصداقية ما حدث!
شجاعة أم تضليل؟
نجح العمل في الترسيخ لدى البعض بأنه عمل محايد يعرض اعتراف جولدا بالهزيمة وتحملها العواقب بشجاعة، وفي الوقت نفسه حاول الفيلم الترويج أن الهزيمة لم تكن لتفوق الجيش المصري في سلاحي المشاة والمدفعية ولا للخداع الاستراتيجي الذي اتبعه المصريون في الحرب ولكن السبب لعدم مصداقية الجاسوس أشرف مروان ولعدم اتباع جولدا لحدسها. محاولة التقليل من الخصم فضحت الإدعاء الكاذب.
فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا كان جولدا فيلم سينمائي يخلد ذكرى جولدا كقيادية وسياسية إسرائيلية، فإن الأرشيف السينمائي المصري خلد ذكرى جنوده وقيادته وشعبه، فنجد فيلم أغنية على الممر تخليدًا لذكرى الجنود، وحكايات الغريب تخليدًا لذكرى مواطن، وناصر56، فإن كانت جولدا أعلنت تحملها لعواقب حرب 73 فإن ناصر من قبلها تحمل عواقب 67.
فيلم جولدا من إخراج چاي ناتيف، وسيناريو وحوار نيكولاس مارتن، بطولة هيلين ميرين، زيد چوزيف، أوليفيا برودي، إيما ديفيز. |
★ناقدة _ مصر.