سينمامشاركات شبابية

ساره عمرو: (ڤوي ڤوي ڤوي) أنا قادم من الواقع!

 

ساره عمرو ★

في الأيام القليلة الماضية، طُرح فيلم (ڤوي ڤوي ڤوي) في دور السينما …وكان له صدى واسع بين الناس، ولكن ما لم يكن متوقعاً، أن يكون هو الفيلم الممثل لمصر، في ترشيحات الأوسكار لهذا العام!

فيلم ڤوي ڤوي ڤوي، فيلم كوميدي درامي، من تأليف وإخراج عمر هلال، بطولة محمد فراج ونيلي كريم، وبيومي فؤاد، وحنان يوسف، وطه دسوقي، وبسنت شوقي، وأمجد الحجار، وحجاج عبد العظيم، ومحمد عبد العظيم، ولبنى ونس، وجهاد عصام، الفيلم من إنتاج محمد حفظي-عمر هلال.

بوستر يثير الفضول!
لو تطرقنا لبوستر الفيلم، لوجدناه يوحي نوعاً ما، بالغموض في البداية، فمن لم يرَ الإعلان التشويقي للفيلم، سيثير فضوله البوستر والحكاية، التي يرويها الفيلم، ما جعل البوستر عنصراً تشويقياً مهماً، نجح في مهمته بجدارة، بالإضافة إلى تكوين البوستر نفسه والألوان المنسقة، التي أعطت إيحاء بأنه فيلم عالمي، خاصة في تنسيق الزوايا ووقفة الممثلين أيضاً، السمة الطاغية على البوستر، الغموض والتشويق، على عكس الفيلم قليلاً، فيبدو أنه لم يكن مجرد بوستر دعائي، بل هو بوستر لفت الانتباه..


لماذا ڤوي ڤوي؟
قبل عرضه في السينما، أثار البوستر وعنوان الفيلم، جدلاً بين الكثير من المشاهدين، فلماذا ڤوي ڤوي ڤوي؟….في الحقيقة لم يكن البوستر فقط العامل الوحيد، الذي جذب الجمهور، بل العنوان (ڤوي ڤوي ڤوي) الذي أثار فضولنا للبحث عن معنى الكلمة، لنكتشف أن كلمة ڤوي، معناها، أنا قادم بالإسبانية، وهي كلمة يقولها اللاعبون في الملعب، حتى لا يصطدموا ببعضهم البعض.

هذا الفيلم مستوحى من أحداث واقعية، فهو يحكي عن حسن، وهو شاب من أسرة فقيرة، يعيش في أحد الأحياء الشعبية، ويسعى طوال الوقت، للصعود لطبقة اجتماعية أعلى بالِاحتيال، ويرغب في السفر لأوروبا، أملاً منه في البحث عن فرصة عمل أفضل، كما هو حلم الشاب التقليدي في السفر والهجرة لأوروبا، لذا يسعى للسفر لهولندا، من خلال الِانضمام لفريق كرة قدم المكفوفين، من أجل بطولة العالم، فيتحايل على الفريق ويدَّعي العمى، لينضم لهم، لتتوالى الأحداث أمام المشاهد المحفوفة بالمخاطر، خوفاً من أن يُكتشف أمره.


ما الهدف منها؟
المخرج عمر هلال، صرح ان هذا الفيلم ليس مبنياً على أحداث حقيقية بأكمله، بل مستوحى من مجموعة من الشباب الذين ادعوا أنهم مكفوفون، لينضموا لفريق كرة القدم للمكفوفين، للسفر إلى بولندا عن طريق البطولة، في الحقيقة إبراز الفكرة الخاصة بسفر الشباب للبطولات، ثم الهرب للبلاد، التي سافروا لها، أملاً في بداية حياة جديدة، هي قضية برزت كثيراً في الشهور الماضية، كما حدث مع اللاعب أحمد بغدودة، لاعب منتخب مصر في المصارعة الرومانية، الذي هرب بعد مشاركته في البطولة الإفريقية في تونس، وغيره من اللاعبين، الذين ظنوا ان أي بلاد أُخرى ستحتضنهم بدلاً عن وطنهم، مبررين ذلك بالتقصير في حقهم مادياً ومعنوياً، جراء الإنجازات التي يحققونها للبلد، مما يجعلنا هذا نشيد بالفكرة التي اختارها عمر هلال، لتكون محور الفيلم بأكمله، وهي الهجره للخارج، بحثاً عن حياة أفضل من خلال الرياضة، ويعرض من خلال ذلك انعكاساً للحياة الواقعية، التي يعيشها معظم أفراد المجتمع، خصوصاً في وقتنا الحالي، وفكرة الإشارة لذلك من خلال تناول قضية هروب اللاعبين خارج مصر، هو خط درامي ذكي ، لأنه يحيل إلى فكرة التساؤل، بدلاً من اللوم، لماذا؟ وإلى متى؟….والفيلم قد أظهر لنا أن الأمر لم يقتصر على اللاعبين فقط، فحسن في الأصل لم يكن لاعباً، وانما ادعى ذلك حتى يسافر، وهي إشارة لا تجمع اللاعبين فقط، وانما شباب وأفراد المجتمع بأسره، ولكن ترشيح الفيلم للأوسكار بتلك القضية، يجعلنا نتساءل هل نحاول علاج مشكلة الهجرة ؟ أم نعرضها بغرض التسلية فقط؟!.


خادم عند النساء؟!
فيلم ڤوي ڤوي ڤوي من أفضل الأفلام، التي طُرحت في السنوات الأخيرة، لأن ما به ليس كوميديا عرضية، وإنما هي كوميديا تكشف وتفضح قسوة الواقع، من خلال انعكاسها على الشخصيات، فبرغم تغير الشخصيات بسبب ظروف الحياة، التي صنعت منهم محتالين، وغير مكترثين، إلا أن كل افعالهم تنعكس بشكل كوميدي، رُبما يرجع الحال لطبيعة المواطن المصري، الذي يظل ينغمس في الكوميديا في أحلك الظروف، وهو أمر مؤلم في الحقيقة، لأنه شيء مرهق أن يحاول الإنسان أن يعيش بعكس ما يعانيه، فينتج عن ذلك شخصيات مشوهة من الداخل، مثل ماحدث للشاب حسن ( محمد فراج) الذي كان أداؤه في الفيلم مبهراً، يمثل نقلة كبيرة ومفاجئة لجمهور السينما.
فحسن، شخصية انتهازية وصولية، يظهر ذلك من خلال زواجه من نساء أجنبيات، أكبر سناً أملاً في الميراث، فحياته سلسلة من المحاولات للتسلق الطبقي، التي تبوء دوماً بالفشل، مع الأخذ بالاعتبار أن الحياة ساهمت في تشكيل جانب من شخصيته، من جرأة و شجاعة مطلقة، تشمل الجوانب السلبية والإيجابية، وهو ما ظهر في تخطيطه وانضمامه احتيالاً، لفريق المكفوفين لكرة القدم، حيث رأى ان تلك أنسب فرصة لترك البلد والهرب خارجاً، بحثاً عن فرصة أفضل، غافلاً تماماً أن الظروف السيئة لن تكون في وطنه فقط، وإنما حول العالم، بغض النظر عن سبب الهروب والحياة المعيشية، إلا أن نهاية الفيلم هي أكبر دليل على ذلك، والتي تعد من أكثر النهايات منطقية في الأعمال الفنية، فالمخرج، جسَّد وعكس الواقع في نفس الوقت، حيث نكتشف مع حسن أن معظم أفراد الفريق ليسوا مكفوفين، وإنما هي حيلة فعلها كل منهم ليسافر، وهو لُب الكوميديا، فلم يكن يتوقع المشاهد ذلك بسبب طبيعة الفرقة، وشدة إتقانهم لأداء المكفوفين، ولذلك لم يكن منطقياً أن يفوزوا بالبطولة، أو يستمروا في خداعهم، لأن الكذب ينكشف في النهاية وهو ما حدث، وإنما جاءت النهاية منطقية جداً، في تفرق كل منهم تفرقاً عشوائياً، وعلى غير هدى، كالنمل المضطرب في طريقه، وهم فعلياً جاؤوا لتحقيق الثراء، برغم أن حياتهم لم تختلف كثيراً عن العمل في وطنهم، فمنهم من عمل في مطعم، ومنهم من عمل في ملهى ليلي، ومنهم من أصبح عامل نظافة، وحسن نفسه كل ما حدث من اختلاف في وظيفته، التي نبعت من شخصيته في البداية، هو توظيفها في سياق وظيفي لا أكثر، فأصبح يعمل خادماً للنساء الكبيرات كذلك، وهو لم يكن متوقعاً بالنسبة له، فقد كان يظن ان الحياة في الخارج أفضل، لكنه فعلياً بات مقيداً عوضاً عن الحرية، التي كان يستغلها في احتياله، وهذا لا يعني أن الحياة في وطنه كانت بالنسبة له أفضل من الخارج، وإنما تعرض لمساوئ العيش هنا وهناك، فلا جنة على الأرض ، صحيح أنه من الممكن أن نكون كلنا حسن، لكننا لا نملك الشجاعة، لنفعل ما فعله حسن، خصوصاً وأن أفعاله تشكلت بسبب الظروف المحيطة.


قضية الفيلم هي فرصة للحديث عن الأوضاع المعيشية، والتفكير في حلول بدلاً من الهرب، لذا وجب ان لا نكتفي، أفراداً كنا أم جهات رسمية، فقط بعرض القضية والتأثر والضحك قليلاً، خصوصاً وأن حِراك الفيلم مازال مستمراً، بل سيكون له صدى في العالم بعد دخوله سباق الأوسكار.
كيف يلعب المكفوف؟
خلق الفيلم لافتات عملاقة تشير لحياة المكفوفين، وتقنياتهم في التعامل مع الحياة، فقد عرض أشياء لم يكن يعلمها الجميع، كتكنيك لعبهم لكرة القدم، حيث يوضع جرس مع الكرة، ويُطرق على جانب المرمى، أو أبرز مثال على ذلك كلمة (ڤوي) التي يقولها اللاعبون في الملعب، كل تلك إشارات، توضح لنا أن مجتمع المكفوفين، يعتمد حتى في رياضاته على الصوت، فهو من يرشده، برغم انعدام البصر لديهم، إلا أن هناك بصيرة ترشدهم، وهو ما قد يصطدم مع فكرة المحتالين، فقد تجسد لدينا في فريق المكفوفين هذا هالتين، هالة نقية، وهالة تحاول تلويثها من خلال الِاستغلال، فالمحتالون أنفسهم يعلمون ذلك، ويعلمون أن هالة المكفوفين لا تستحق الخداع والغش، والدليل على ذلك ، اِستمرار حسن ومن معه حتى البطولة، من أجل صديقهم المكفوف، الذي اكتشفوا في النهاية، أنه يرى، وخدعهم ليسافرويهرب، ليكتشف البطل في النهاية أنه بدلاً من أن يكون هو المخادع، أصبح هو المخدوع، فلا نعلم هل أصبح الواقع موحشاً هكذا بسبب الحياة، أم بسبب سوء المعيشة وزيادة الفقر، الذي يجعل الإنسان يفعل أي شيء ليعيش، وهو ليس مبرراً بالمناسبة، فلا مبرر للأفعال المسعورة، وإنما هو تساؤل نابع من افتراضات واقعية!.


هل يمكن أن يجعلنا الفقر محتالين؟

للاحتيال قدرة كبيرة على تطبيع الناس عليه، فعادل الذي جسَّد دوره بيومي فؤاد، يمثل الضمير الذي يغضب ويثور، فور معرفته بغش حسن، لكن سرعان ما نرى أنه يتفق معه على ألا يفضحه، في مقابل أن ينهي البطولة، ويجعله يفوز، وهو ما يُظهر لنا ازدواجية في عادل، هل هو شخص ملتزم أخلاقياً؟ أم أنه مغلوب على أمره؟، في الحقيقة هو لا هذا ولا ذاك، فعادل تحايل على الواقع كما فعلوا، كان من الممكن أن ينسحب من الفريق، لكنه طمع في النجاح، غشاً على حساب المكفوفين ، وساير حسن وكل أفراد الفرقة المبصرين، فشخصيته تضاد بين اقتناعه بالغش، ورغبته في النجاح أمام ولده العاجز، الذي ما أن يكتشف هو الآخر، أن والده محتال، حتى يسايره ويقنعه بالسفر، واستكمال رحلته، بل يترجاه ألا يعود، وهو ما يحيلنا لنفس النقطة، ويجعلنا نتساءل…هل الحياة تضيق علينا، لتجعلنا نبحث عن حلول، حتى لو بالاحتيال؟…وهل هذا مُبرر أخلاقياً ؟…هل ظروف المعيشة والفقر، تبيح لنا الِاحتيال، لنخرج من مستنقعه؟

توظيف مميز.
جاء الديكور لسالي الشامي، وحسين بيضون محاكياً جداً للواقع، فلم يكن مجاملاً، بل كان انعكاساً للحالة الِاجتماعية لكل الشخصيات، فبيت حسن المتهالك القديم، أبسط دلالة على ذلك، كما أن الموسيقى التصويرية لساري هاني، جاءت مجسدة لِانفعالات الشخصيات، وأدائهم دون ابتذال، وتوظيف الموسيقى والأغاني، كان متقناً، خصوصاً في مشهد هروبهم في النهاية.

 

★ ناقدة_ مصر.

 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى