شيماء مصطفى: أنا لست موهوبًا؟!
شيماء مصطفى★
(لماذا نحن هنا؟) إذا أردت أن تعرف مدى انتشار هذه الأغنية ،فقط قف وسط مجموعة من الصغار،وقل لماذا نحن هنا؟
وانتظر،لا،لن تنتظر،ستجد الجميع من الكبار والصغار بنفسٍ واحدٍ يخرج منهم: سؤالٌ صعب،سؤالٌ يراودني.
طيلة الوقت نلقي باللوم على القائمين على صناعة محتوى موجه للصغار،بأن المحتوى المتاح غير هادف،في حين أننا لا نكلف أنفسنا في تناول المتاح سواءً بالمتابعة أو بالنقد،نكتفي بالهجوم،معللين ذلك بعدم وجود نصوص جيدة،لا يوجد مؤلفون محترفون،لا يوجد منتجون،لا ولا ولا، ولا ننتهي،المهم أن نمتلك التبريرات السريعة.
صحيح أننا لا نمتلك رصيدًا من أفلام الرسوم المتحركة التي ننافس بها والت ديزني وبيكسار،ولكن لدينا الكثير من الأعمال المتميزة الموجهة للصغار.
منذ عامين حصلت على درجة الماجستير بتقدير امتياز،وكانت رسالتي البحثية بعنوان” الاتجاه نحو أدب الطفل وعلاقته بالقيم الاجتماعية والسلوك الإيجابي”
في أثناء إعداد الرسالة قمت بإعداد مقياسًا لمعرفة الاتجاه نحو أدب الطفل،وتضمن المقياس حينها ثلاثة أبعاد متسقة ومتكاملة مع بعضها البعض: عقلي معرفي،انفعالي وجداني،اجتماعي سلوكي،
كما قمت بإعداد مقياس السلوك الإيجابي وتضمن ثلاثة أبعاد وهي: الكفاءة الذاتية والكفاءة الاجتماعية والإيثار.
وكان من ضمن التوصيات التي خرجت بها الرسالة للقائمين على الأدب الموجه للطفل بمختلف فنونه مراعاة الاحتياجات الفعلية للأطفال التي تتسق مع نموهم العقلي واحتياجاتهم النفسية من خلال خلق قنوات اتصال بين المتلقي الصغير وأولياء الأمور والقائمين على الأدب الموجه للطفل.
حينها قمت بالإطلاع على الكثير من الأعمال المتميزة،أهمها بالنسبة لي الأغنية الأشهر في عالم سبيستون (لماذا نحن هنا)،فهي السهل الممتنع، تحمل الكثير من الرسائل المشفرة للكبار والصغار.
يقول أينشتاين:”أنا لست موهوبًا،أنا فضولي.”فالفضول المعرفي هو اللبنة الأولى
لأي بحث علمي،ولأي إنجاز ساهم في بناء الحضارات.
بدأت الأغنية بسؤال عميق نختلف جميعًا في الإجابة عليه،لاختلاف الخلفية الثقافية والمجتمعية والعقائدية بيننا.
لماذا نحن هنا؟ ربما يكون السؤال من الكبار عن ماهية الكون والحياة،وربما يكون السؤال موجهًا من الصغار للكبار ،وربما غير ذلك.
فجاءت الجملة الثانية كالتالي:سؤال صعب،سؤال يراودني.
فهناك أسئلة كثيرة بعضها نجد له إجابة،والبعض الآخر لا،ولأن الصغار في مراحل نموهم الأولى لديهم من الفضول ما يفوق فضول الكبار،قد جاءت هذه العبارة للوالدين والمربين،فهُم المؤسسة التعليمية التي يقع على عاتقها إشباع الفضول لدى الطفل لينمو بطريقة سوية،فنشأة الطفلةفي بيئة داعمة تستقبل فضوله وتساؤلاته بصدر رحب تعزز لديه الثقة بالنفس وتساعده في تكوين مفهوم إيجابي للذات،كما تنمي لديه الذكاءات المتعددة وفقًا لنظرية جاردنر (الذكاءات المتعددة)،فضلًا عن تعزيز قدرته على التواصل البنّاء مع نفسه ومجتمعه وبيئته،فلا يجوز مطلقًا
الانزعاج أو الاستهجان طيلة الوقت من أسئلة الصغار المتكررة .
ولا يمكن أن تكون الإجابات على تساؤلاتهم بشكل مفصل،وذلك كي تترك مساحة للطفل للتفكير،فيجب أن تكون الإجابة موجزة واضحة،مع المناقشة التي تثري عقله الصغير.
“لماذا لماذا لما؟
سؤال صعب ..سؤال صعب..سؤال يراودني.
هل تملك إجابات لهذه الأسئلة؟
بالطبع يا قمعون.”
أحد أهم ما تم طرحه في هذه الأغنية،إلى من نلجأ ليجيب عن أسئلتنا؟، إلى صديق أم إلى أب أم إلى معلم ؟
تختلف الإجابة عن هذا السؤال باختلاف المرحلة العمرية،وبما أن الأغنية موجهة للكبار كنوع من التوعية لهم بما يدور في رؤوس صغارهم،وتوجيهم للطريقة الصحيحة في التعامل مع الكم غير النهائي من التساؤلات،فإن المربين-الوالدين والمعلمين-مسئولون عن توفير الإجابات المقنعة لصغارهم،فلا يجوز أن يشبع الطفل فضوله المعرفي من أقرانه،لأن كليهما بحاجة للمعرفة.
فعلى الوالدين والقائمين على العملية التعليمية والتربوية الاطلاع الدائم على كل محتوى مقدم للطفل قبل عرضه عليه،لمعرفة هل المحتوى المقدم سيعزز نموه
بشكل سوي أم لا؟ هل المحتوى المقدم يتسق مع المرحلة العمرية للطفل أم لا؟
فلا يجوز التعامل مع المحتوى المقدم للصغار على أنه وسيلة للترفيه فحسب،لأنها تتضمن العديد من القيم الاجتماعية والسلوكيات الإيجابية التي تساهم في تنمية مهارات التواصل الاجتماعي والذاتي والتفاعل مع البيئة والوسط المحيط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ ناقدة- مصر