أسماء طارق: الهرشة السابعة.. كيف تناقش الدراما قضايانا الحميمة؟!
أسماء طارق★
من المسلسلات التي تتصدر مركزاً كبيراً في المشاهدة، في ساحة رمضان لهذا العام، مسلسل الهرشة السابعة، ومن بداية الإعلان الترويجي، جذب العديد من الآراء والتنبؤات حوله، ويعود ذلك لسبب مهم، وهو وجود نفس فريق العمل، الذي شاهدناه في مسلسل (خَلِّ بالك من زيزي)، الذي تم عرضه في رمضان لعام 2021، وقد حقق نجاحاً قوياً في وقت عرضه، ولذلك تنبأ الجمهور أن يحصد مسلسل (الهرشة السابعة) نفس النجاح والمستوى، هذا المسلسل من فكرة وإشراف على الكتابة لمريم نعوم، وإخراج كريم الشناوي، بطولة أمينة خليل، ومحمد شاهين، وأسماء جلال، وعلي قاسم، وعايدة رياض، وحنان سليمان، ومحمد محمود، وأحمد كمال، وقبل عرض المسلسل بأيام قليلة، قام العديد من الأشخاص بعرض نبذة عن مفهوم الهرشة السابعة، نظراً لعدم شهرته بشكل كبير لدينا، وكانت هذه إشارة جيدة توحي لنا بمشاهدة قصة مختلفة ومناقشة مواضيع مهمة، كما حدث بالضبط في مسلسل (خَلِّ بالك من زيزي) حينما ناقش موضوعاً مهماً خاصاَ بمرض نفسي لم يكن شائعاً لدينا، وهو A D H D اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ونظرية هرشة السنة السابعة هي أيضاً من المواضيع المهمة، التي كان لابد من مناقشتها بشكل واقعي، يتماس مع مشاعرنا جميعاً.
حقائق عن هرشة السنة السابعة
جَسَّدَ لنا مسلسل (الهرشة السابعة) تفاصيل كثيرة، تخص نظرية هرشة السنة السابعة، لذا فلابد من عرض لمحة عن هذه النظرية، التي ظهرت عام 1952 بعد مرور سبع سنين من الزواج، تنقلب حياة الأزواج، حيث الملل والفتور في العلاقة، وقد يصل الحال بهم إلى الِانفصال، وتم تجسيد هذه النظرية The Seven Year Itch لأول مرة في مسرحية للكاتب الأمريكي Geoege Axelrod وبعد ثلاث سنوات من عرضها، ظهرت مرة أخرى في هوليود، في فيلم من بطولة مارلين مونرو، وقد أحدث هذا الفيلم ضجة لدى الجميع، حيث كان يناقش مشكلة الخيانة الزوجية والملل في العلاقات الزوجية، خاصة بعد مرور سبع سنوات، وتوضح نظرية الهرشة السابعة أن الأزواج يمرون بثلاثة مراحل خلال الجواز، تتمثل المرحلة الأولى في الجنون أي مشاعر الرومانسية، التي تفرز هرمون الدوبامين، وتزود الشعور بالسعادة، وتحقق العديد من توقعات ما قبل الزواج، إلى أن يحدث اصطدام بالواقع، وتستمر هذه المرحلة لمدة سنتين، المرحلة الثانية يبدأ هرمون السعادة في الِانخفاض، ومع وجود الأطفال، وزيادة المسؤوليات، يحاول كل فرد أن يقوم بواجباته كي تستمر الأسرة، وفي هذه المرحلة، يحدث خلل في العلاقة إلى أن تأتي المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة يقوم فيها كل فرد بتقييم العلاقة، وتحديد هل لديهم المقدرة على الِاستمرار، أم الِانفصال.
هل جَسَّدَ المسلسل نظرية الهرشة السابعة؟
كل حلقة في المسلسل تحمل عنواناً، حيث تبدأ الأحداث من عام 2017 حتى عام 2023 أي سبع السنوات المرتبطة بالنظرية، فنجد أحداث المسلسل، تدور حول مجموعة علاقات مشتبكة ببعضها البعض، وترأسهم علاقة نادين وآدم، ونعرف من خلال الحلقة الأولى أنهما في بداية زواجهما السعيد، حيث ترصد لنا بعض اللقطات والمشاهد اللحظات الرومانسية والسعيدة، التي تحدث بين كل اثنين حديثي الزواج، وهذه المرحلة تتطابق مع أول مرحلة في النظرية، ومع تتابع الأحداث، والأعوام نرى اللحظات الأخرى مثل دخول رمضان، وتصوير الأجواء الخاصة به من شراء الطعام و تجمع العائلة، ونتعرف من خلال هذه الأجواء على باقي الشخصيات، وصلتهم ببعضهم البعض، وطبيعة كل علاقة فيهم، فنتعرف على والد ووالدة نادين، ووالدة آدم، وسلمى الصديقة المقربة لهم، وشريف صديق سلمى، ونعرف معلومة أخرى مهمة، وهي أن علاقة نادين وآدم ولدت منذ الصغر، أي كما نطلق عليه حب منذ الطفولة، وتتوالى الأحداث والأعوام أيضاً، وتبدأ مرحلة جديدة، وهي حمل نادين في توأم، وبعد الإنجاب ينطلقون إلى مرحلة الِاصطدام بالمسؤولية، ومن ثم ظهور العديد من المشاكل والِاضطرابات بينهما، وهذه المرحلة تتماس مع المرحلة الثانية من النظرية، إلى أن وصلت العلاقة بينهما للتدهور، وانتهت بقرار الِانفصال، وتتماس هذه المرحلة أيضاً بالمرحلة الأخيرة في النظرية، إذن قدَّم المسلسل بشكل واقعي مفهوم هذه النظرية من خلال عنصر ذكر الأعوام الخاصة، بكل مرحلة مع تجسيد الِانفعالات والمشاعر، التي تصور تسلسل مراحل العلاقة.
لا مبالغة في الأداء
من بداية عرض المسلسل لم يكف الجمهور، والنقاد، والمحللون النفسيون، عن كتابة أراءهم، ورؤيتهم لهذا العمل، حيث كان التفاعل يتزايد بشكل ملحوظ مع نهاية كل حلقة، والرأي المتفق عليه بالأغلبية، واقعية العمل من حيث الأداء التمثيلي من مشاعر وانفعالات، وواقعية الأحداث في جميع المراحل، فقد تمكن العمل من دفع الجمهور لِانتقاد الشخصيات بشكل سلبي تارة، والتعاطف معها تارة اخرى، وبخاصة شخصية نادين، نتيجة انفعالاتها وغضبها المستمر، وشخصية آدم هو الآخر، لم تسلم من الِانتقادات على الرغم من تحيز الجمهور معه في البداية، ولكنه قام ببعض الأفعال غير السليمة في بعض المواقف المهمة، التي لا تحتمل الإهمال، أو الهروب، أو المثالية، بالإضافة لِانتقاد بعض الأفكار، مثل فكرة المساكنة، التي طرحها العمل في علاقة سلمى وشريف، أي العيش معاً بدون زواج، بهدف التعرف على بعضهما البعض، بناءً على رغبة شريف، لكي يعطي فرصة لكل منهما في اتخاذ قرار الزواج، فقد كان الأداء التمثيلي لكل فريق العمل بلا استثناء، قوياً خالياً من أي مبالغة أو تصنع، جاء يحمل في طياته جزءاً كبيراً من طبيعتنا، وردود أفعالنا، وانفعالاتنا في مواقفنا الحياتية المشابهة لأحداث المسلسل، وقد أصاب المخرج كريم الشناوي في اختياره لكل ثنائي، فالهارمونية التي نشأت بينهما، لعبت دوراً مهماً في إبراز قوة الأداء التمثيلي، ومن الشخصيات التي تمكنت في تقديم أداء تمثيلي قريباً من الواقع شخصية سلمى، التي لعبت دورها أسماء جلال ، فنجد المشاهد الخاصة بها في لحظات بكائها، وتعاملها مع ماضيها المؤلم، يشبه العديد منا، وهذا يدل على مهارة أسماء جلال في فهم الشخصية وأبعادها النفسية، وتقمصها بشكل صحيح، أما عن شخصية نادين التي لعبتها أمينة خليل، فالجميع كان في انتظار أداء أمينة المتقن كعادتها، نظراً لقوة أدائها في مسلسل (خَلِّ بالك من زيزي)، وبالفعل تمكنت أمينة خليل من لعب الشخصية بجميع انفعالاتها، والدليل تفاعل الجمهور معها، وانقسام الآراء حولها، وشخصية آدم لعبها الممثل محمد شاهين، كانت نقلة فنية له، أي وضعته في بؤرة الاهتمام، وإعادة النظر لموهبته القوية المتمكنة والمتغيرة في كل دور يقوم به، ولا يمكننا أن نغفل عن أداء شخصية شريف التي قام بها علي القاسم، والذي لاقى هو أيضاً اهتماماً من الجمهور، لطريقه تمثيله غير المبالغ فيه، فمع تتبع أدائه نستشف قدرته التمثيلية، وفهمه للدور جيداً، بالإضافة أنه يمتلك هبة ربانية، وهي القبول، وسوف يبني له مكانة مميزة في عالم الدراما، وهناك عناصر أخرى لعبت دوراً مهماً في إعطاء بعض الدلالات الدرامية، التي تخدم أجواء الحالة الدرامية، مثل الإضاءة، والكادرات، والمكياج، والديكور، فعنصر الإضاءة تمثل لنا في منزل نادين وآدم، فجاء بشكل يوحي بالرتابة، وعدم البهجة، فكانت الإضاءة دائماً خافتة، وجدران المنزل باللون الرمادي، وهو بذلك يعزز حالة الشعور بالقتامة، وسهولة افتعال المشاكل، أما عن الديكور، فنجد منزل شريف مصمم بطريقة حديثة ومختلفة، تشبه فكره الخاص، وحياته المختلفة، ففي أحد المشاهد التي تحدثه فيها سلمى عن رغبتها في الإنجاب، فهو يرفض ذلك، لأنه لا يرى شخصيته تناسب أن يكون أباً، فيلفت نظرها لطريقة بنائه لمنزله، أنه لا يصلح لوجود أطفال فيه، لأنه يفتقر لبعض وسائل الأمان، مثل طريقة تصميم درجات السلم، أما المكياج، فقد تميز بالبساطة، وهذا يعزز من واقعية الأداء لدى الشخصيات، وينقل لنا تطور الشخصية، وهذا نراه واضحاً في شخصية نادين، حين قررت قص شعرها، وعنايتها بنفسها بعد انفصالها، كي تعطي انطباعاً أنها تخطت أزمتها، ولكي تظهر في صورة زائفة أمام طليقها، أنها غير مهتمة، وتتجاهل ما حدث، ولكن في باطنها تتظاهر بالقوة، فحين ذهبت لغرفتها أزالت قناعها، وانهمرت دموعها، لأنها لم تستطع بعدُ، تخطي فشل علاقتها الزوجية.
كيف تعامل الشناوي مع العمل؟
تمكن كريم الشناوي من استعراض قوته الإخراجية، من خلال رسم كادرات معبرة عن الحالة الشعورية، والجو المتأزم بين العلاقات، ومن أبرز الكادرات الملحوظة هي، التي تكون حالة انفصال وحواجز بين الشخصيات، سواء في المشاعر أو الأفكار، وظهر ذلك جلياً بين نادين وآدم، في مرحلة ما بعد الإنجاب وازدياد المشاكل بينهما، ولعل أبرز الكادرات، التي نالت إعجاب وتفاعل الجميع، كادر المواجهة بين آدم و نادين، لمحاولة حل الأزمة، ومشهد المواجهة بينهما في الحلقة الأخيرة، ولكن بشكل مختلف، فكانت مواجهة تصالح، والإضاءة، وشكل الجلسة وطريقة الأداء، أكدوا ذلك.
كتابة عميقة
هذا العمل الناتج عن ورشة كتابة عميقة، تعي جيداً بمتطلبات الجمهور، وتضع الدراما في مكانة مميزة مختلفة، بداية من اختيار الفكرة، وكاست العمل، واختيار جمل خاصة تحمل دلالات، وتترك علامة بداخلنا، لم يكن مجرد عمل درامي، يطرح فكرة جديدة، تحاكي نظرية غريبة علينا، بل كان عملاً يحمل في باطنه مجموعة قضايا مهمة، لازالت تحتاج إلى الآن إلى حلول، ولابد من طرحها كي تساهم في تغيير بعض الأفكار المغلوطة لدينا، وتكون بمثابة حلول مبدئية لها، والتفكير فيها من زوايا أخرى، ومن أهم القضايا المطروحة في شكل سؤال لماذا تفشل العلاقات؟ وما الذي تحتاجه الزوجة، وما الذي يحتاجه الزوج؟ وكيف تحدث الخلافات بين الأزواج بدون أن يتحول الأمر لساحة معركة، يرغب أحدهما في الِانتصار على الآخر؟ بالإضافة لتسليط الضوء علي طبيعة فترة الحمل، وما بعد الإنجاب للمرأة، وكل المراحل التي تمر عليها، من معاناة الِاكتئاب وانغماسها بشكل لا إرادي في تربية الأولاد، والمجاهدة في تربية الأطفال، ومن القضايا الأخرى هي أثر التعامل السلبي للآباء مع أبنائهم في الصغر، فنتيجة الِانفصال، والإهمال يجعل الأبناء مشردين بينهما، إلى أن يصبحوا مشردين نفسياً، ولديهم صدمات من الطفولة تعيش وتنمو مع نموهم، وعلى الرغم من أن المسلسل يحاكي نظرية الهرشة السابعة، أي الوصول لِلِانفصال مع زيادة المشاكل والملل، ولكن أرى أن العمل يدعو إلى عدم الِاستسهال في قرار الِانفصال خاصة في حالة وجود أطفال، حيث لا يوجد دليل قوي على إثبات هذه النظرية، لأن العمل نفسه يسأل السؤال الشائع على لسان شخصية نادين، حين قالت عن النظرية: “ليه مش بعد سنة أو اتنين إشمعنا بعد سبع سنين؟”
فالمسلسل نفسه ينفي إثبات هذه النظرية، ويقدم لنا حلاً بسيطاً، لإنقاذ العلاقات من الفشل، هذا الحل جاء في تتر المسلسل الذي لا يمكننا إغفال دوره، وارتباطه بالجو العام للعمل، وتتر المسلسل من العناصر المهمة الذي يعطي هو أيضاً انطباعاً مبدئياً عن العمل، وجاء التتر بعنوان “كلمة” لفرقة مسار إجباري فتقول الأغنية: “بكلمة نتفرق كلمة تجمعنا.. نبعد، وما نصدق، كلمة ترجعنا.. وكلمة بتفرح.. وكلمة توجعنا.. وكلام كتير يجرح مع إنه بلا معنى.. وكلمة تحرمنا، وقلوبنا عطشانة.. وكلمة بتفكرنا، وكلمة بتنسينا.. والماضي لو يكسرنا ميت حاجة هتقوينا”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ كاتبة ــ مصــر