مسرحمشاركات شبابية

خلود عماد: هل ينجح المسرح في العلاج النفسي؟

الرابعة والنصف يواجه المرضى النفسيين

خلود عماد★

في إطار كوميدي هادف قدم المخرج المسرحي “نزار سيف” عرض (الرابعة والنصف) على مركز الإبداع بدار الأوبرا المصرية، ضمن فعاليات مواسم نجوم المسرح الجامعي.

يبدأ العرض المسرحي في عيادة طبيب نفسي، يأتي إليه أبطال العرض، وهم المرضى النفسيون، ليساعدهم على الشفاء، وفي حل المشاكل، التي تواجههم بسبب حالتهم النفسية، فالمريض الأول يعاني من متلازمة توريت، وهي حالة نفسية يصاحبها حركات تكرارية، وأصوات غير مرغوب بها، أو بعض الألفاظ المُسيئة، ولا يمكن السيطرة عليها، والمريض الثاني يعاني من اضطراب الوسواس القهري، وظهرت أعراضه على هذا المريض، في شكل خوف من التعرض للتلوث عند لمس أشياء قام الآخرون بلمسها، أو عند لمس الآخرين له، والمريض الثالث أيضًا كان يعاني من نفس الِاضطراب، ولكن الأعراض كانت مختلفة، فهذا المريض كان دائم الشك، هل أغلق باب المنزل، أم لا ؟، وهل أطفأ الموقد أم لا ؟، والمريضة الرابعة تعاني من الأيكولاليا، وهي تكرار الكلام، وقد يصاب الشخص بها نتيجة صدمة عصبية، أو نتيجة وجود طيف توحد، والمريض الخامس كان يخاف من المشي على الخطوط، مما جعله حبيس المنزل، لا ينزل إلى الشارع، ولا يختلط بأحد، تبدأ الشخصيات في التعارف على بعضها البعض، ثم يكتشفون أنه بسبب غلطة في سيستم العيادة، تم حجز نفس الميعاد لهم جميعاً (الرابعة والنصف)، وأن الطبيب سيتأخر عن موعده، فتبدأ كل شخصية منهم بالحديث عن نفسها، وعن حالتها المرضية، وعن المشاكل التي تواجهها بسبب حالتها ويدخلون في نقاش جماعي حول الحلول، التي من الممكن أن تساعدهم حتى يتغلبوا على مرضهم، ثم يدخل في هذا النقاش اختلاف لوجهات النظر، ينتهي بصداقة بينهم، ليقرروا بعدها أنهم ليسوا بحاجة لطبيب نفسي، وحديثهم مع بعضهم البعض ألهمهم بعض الحلول، وأكسبهم الثقة في النفس، ليواجهوا العالم بمرضهم، ثم يغادر أربعة منهم العيادة، لنكتشف في النهاية أن الطبيب هو نفسه المريض المصاب بمتلازمة توريت، وأنه قرر مساعدة مرضاه بهذه الطريقة، وأنه رفض الِاستسلام لمرضه،  بل استغله في مساعدة مرضاه.

نحن أمام تجربة مسرحية أشبه بالسايكو دراما، والتي تكون مبنية على ثلاثة عناصر وهي: المخرج: وهو الطبيب النفسي، الذي حاول اللعب على الحالة النفسية للمريض، لإخراج الحلول منها، وإخراج المريض من عُزلته النفسية، فالطبيب في العرض ساعدهم في فهم مشاعرهم، والعنصر الثاني: المجموعة التي تساعد المريض على إيجاد الحلول وتساندهم، والعنصر الثالث: البطل وهو المريض نفسه، وفي هذا العرض الأبطال هم من يساعدون بعضهم البعض.

فالمخرج أو الطبيب النفسي عمل على أن يثق المرضى في أنفسهم، وفي بعضهم البعض، وهذا من خلال حديثهم عن سبب إصابتهم بهذه الحالة النفسية، وبعرض كل منهم المشاكل التي تواجهه بسبب حالتهم، فبدأ كل منهم يساند الآخر، ويشعر به.

عند بداية العرض المسرحي، نجد أن الممثلين يخرجون من بين الجمهور، ليُعَرِّفوا عن أنفسهم، وهذا ما يسمى بالتواصل بين الممثل والمتلقي، ثم بعد ذلك يُفتح المشهد على عيادة طبيب، بها ديكور واقعي تماماً، فغير المكتب الخاص بالسكرتير، يوجد أيضاً أريكة مريحة، مثل التي توجد في أي عيادة، وبعضاً من الأشجار، وثلاجة مياه، وساعة كبيرة تتحرك عقاربها طوال مدة العرض، فهنا الديكور تم توظيفه بشكل جيد، وخدم فكرة العرض، وهي بعث الراحة التي يجب أن يجدها المريض في أي عيادة يزورها.

وننتقل للممثلين، فكل ممثل لعب دوره بشكل جيد، من حيث نقل أعراض الحالة المرضية بشكل مُنصف وحقيقي، فالطبيب “عاطف” المصاب بمتلازمة توريت اِستطاع أن يندمج وسط المرضى من دون أن يشعروا أنه هو الطبيب، واستطاع أن يساعدهم من خلال طرح أسئلة عليهم، مثل هل يعتقدون أن هناك أملاً في شفائهم؟، أو هل هناك أمل في التعايش مع حالاتهم النفسية دون الشعور بالإحراج؟، أو هل من الممكن أن يتخيلوا أنهم أبطال خارقين، وأن حالتهم هي القوة الخارقة الخاصة بهم، ننتقل بعض ذلك للمرضى فنجد أن “مايكل” الذي لديه وسواس النظافة، يريد أن يعيش حياة طبيعية، وأن يتزوج ويكون له أسرة، وأن يختلط بالآخرين، وأن “إبراهيم” الذي لديه وسواس الشك، يريد أن يتعالج، لأن الموضوع مُرهق عليه، وأصبح لديه شك في كل شيء، وهذا جعله يفقد الكثير من الوقت، والكثير من الأشياء التي يريدها، وأن “منال” التي تردد الكلام حاولت أن تتغلب على هذه الحالة من خلال الموسيقى والغناء، و”سامي” يريد أن يمشي في الشارع بشكل عادي، لا يخاف من الِاختلاط بالآخرين، ولا من المشي بشكل طبيعي.

كلهم قدموا الحالة بشكل طبيعي، سواء كان الطبيب أو المرضى، وهذا ساعدهم على تقبل كل منهم للآخر، وسيساعد أيضاً الجمهور المتلقي في تقبل فكرة وجود أشخاص آخرين مختلفين في الطباع، والتصرفات بسبب حالاتهم النفسية، وكيفية التعامل معهم.

عنصرا الإضاءة والموسيقى كان لهما دور مهم جداً في خلق حالة متناسقة مع كل شخصية، فعند الكلام، ووصف الشخصية، وما تشعر به تساعدها الإضاءة والموسيقى، في نقل الحالة الشعورية كاملة للجمهور المتلقي، حتى الجو العام للإضاءة كان أشبه بالإضاءة الخاصة بالعيادات، التي تبعث على الراحة.

وفي النهاية، هل بالفعل هناك أمل في أن يعيش المريض النفسي حياة طبيعية، بدون الشعور بالإحراج؟

مادام هناك أطباء نفسيون كـ دكتور عاطف، يستطيعون مساعدة مرضاهم في فهم شعورهم وحالتهم، وأن يجعل من هذا مصدر ثقة وقوة لهم، ومادام هناك تقبل من الآخر، ووعي كافٍ بهذه الحالات المرضية، فنعم سيكون هناك أمل.

وهذا ما حدث في عرض “الرابعة والنصف” بطولة نزار سيف، وسلمى محمد، ورامي صابر، وعبد الرحمن رمضان، وإبراهيم علي، وديكور مروان حسني، وإضاءة محمود جراتسي، وإعداد موسيقي نزار سيف، وملابس سما نصرالدين، مسرحية “الرابعة والنصف” إعداد وإخراج نزار سيف.

ـــــــــــــــــــــــ

★ كاتبــة ــ مصــر 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى