رواية

شيماء مصطفى: “صلاة القلق” لمحمد سمير ندا ..سردية المستبعدين والمستعبدين.

شيماء مصطفى

منذ الوهلة الأولى يقحم محمد سمير ندا القارىء داخل إحدى ثيمات عمله الرئيسة ليجعله يتساءل عن  ماهية “صلاة القلق” التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية ، والتي عنون بها روايته،  الصادرة عن دار ميسكلياني للنشر والتوزيع، وبتصميم غلاف لمحمد إسلام بوغدو ولوحة سمير بن قويعة، تمامًا كما فعل الجمهور مع عبد الحليم حافظ حين عرفوا أنه سيغني أغنية اسمها توبة.

أوشت لوحة التونسي سمير بن قويعة بالاغتراب والمنفى والتنقل والترحال ، كما أوشى العنوان الذي خطه بالخوف والقلق، ولكن الفرق بينهما أن الخوف يكون من مصدر معلوم أم القلق فيكون من مصدر مجهول ولهذا كان القلق الأقرب لكل ما يدور في النجع.

تدور أحداث الرواية في نجع المناسي في فترة ما بين حرب 67 و73، إذ اجتاح القرية وباء جلدي فأفقد سكانها شعر رءوسهم وشعر الحاجبين، وقد شهد النجع تغيرات جذرية عدة عقب سقوط جسم سماوي، وقد حمل اسم النجع دلالة قوية تواشجت مع الأحداث، والبيئة الجغرافية التي تدور فيها الأحداث ، فقديمًا في الموروث الشعبي حين تفقد الأم أبناءها واحدًا تلو الآخر كانت تطلق على طفلها التي تلده منسيًّا ظنًا منها بأن الموت سينساه ويتركه لها، ولهذا فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن بمجرد قراءة الاسم ( نجع المناسي) هو كثرة الأمور المنسية عن عمد، نسيان الدولة لهم فأصبحوا في تعداد المستبعدين والمستعبدين، وربما جاء الاسم تمويهًا وكعباءة للهروب من الابتلاء والوباء ولكن كانت المفارقات تلاحقهم من حيث لا يعتقدون.

” الحرب لا تقبل مشاركات العجائز”

نجح الكاتب في وضع الخطوط الدرامية لكل شخصيات العمل سواء الشيخ أيوب، وحكيم،وشواهي، ومحجوب، وزكريا ، ووداد، وجعفر، وخليل الخوجة
وقد حملت بعض هذه الأسماء دلالة في إطلاقها فتجدهم يمثلون صراعات دين وسلطة ودنيوية ونفسية .

وما يميز العمل حقًا هو طرحه للعديد من التساؤلات الإنسانية المعقدة، بلغة عربية معتمدة على تشبيهات عذبة.

وعن المونولوجات الداخلية في الجلسات الثمانية فقد كانت قوية تحمل في تفاصيلها بعضًا من التطهر.

وفيما يخص تعدد الرواة داخل العمل فيرجع لاختلاف زوايا الرؤية لكل منهم ، إلا أن الراوي العليم كان ممسكًا بزمام السرد فجاء سردهم وصفي وجاء سرده تفسيري، وكأنه يقول أن كانوا مناسيين فأوراقي كتبت لهم الخلود.

“الظهور التي انحنت تحت وطأة القهر استقامت فوق أوراقي، وعانقت ظلالها، عاد المفقودون، ووارى المكلومون جثامين ذويهم تحت حروفي”
العمل رحلة دسمة داخل قرية مستبعدة ومستعبدة أنهكها المرض، وتجاهلتها السلطة ، واستنزفها الجهل.


★ سكرتير التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى