حنان مهدي: وليد عوني يُنطق”جدار الصمت”.
حنان مهدي ★
كيف استطاع وليد عوني، اِختراق جدار الصمت عبر مجموعة من اللوحات الأدائية التعبيرية بالرقص أن يختزل الكثير والكثير من الكلمات؛ ليصل بالتأثير المباشر لوجدان الحضور عبر استخدامه لبعض الموتيفات، والقليل من الديكور؛ لطرح قضية القضايا “فلسطين”على فضاء مسرح الأوبرا الفسيح، وصنع جداراً عازلاً يمكن تفكيكه، وتركيبه، واستخدامه بعده. اِستخدامات هذا الجدار؛ الذي صنعه المحتل كما نعلم جميعاً كي يفصل بين المستوطنات الإسرائيلية، وقطاع غزة ،جداراً أسمنتياً يحمل كاميرات المراقبة بشكل محكم ، دليلاً ملموساً؛ يُظهر كَمَّ القهر والإذلال والمعاناة؛ التي يعانيها من خلال هذا الجدار؛ الذي تم اختراقه من قِبَل المقاومة؛ والذي أراد عوني في صورة في غاية الدلالة والرمزية أن نراها ليس عبر التلفاز؛ ولكنه قام بنقلها أمامنا على خشبة المسرح مغلفة بصوت فيروز “صوت الثورة والثوار ” تارة، وصوت أم كلثوم “صوت الدفء والأرض” تارة، وصوت محمد عبد الوهاب القوي صاحب الهوية والهوى؛ الذين شكلوا وجدان الأمة العربية وألهبت مشاعرهم، وعاشت على مر السنين ،كأيقونه تحكي حكاية شعب يأمل العوده إلى أرضه؛ يأمل العيش بسلام وأمان.
كيف جسد عوني لوحاته؟
قام عوني بنسخ الواقع بصور بصرية راقصة تحمل تأثيراً مدهشاً، حيث تم انتقاء عناوينه، ودلالاته بانضباط وحرفية المتمكن من أدواته “وكيف لا وهو صاحب ومؤسس مدرسة الرقص الحديث بالأوبرا؛ والتي خلفت من ورائه جيلاً لامعاً مثل كريمه بدير، ومناضل عنتر ” يسيرون بخطى ثابتة في هذا المجال التعبيري.
عبر الرقص الحديث حمل الراقصون الأكفان، ووضعوها في مقدمة المسرح في دلالة واضحة على مايقوم به المحتل من قتل متعمد ، ثم قاموا بحمل متاعهم فى حركات دائرية عبر الإضاءة، ومؤثرات الصوت الإيحائية لمشهد النزوح والتهجير القسري.
من أهم اللوحات مشهد يحمل كل راقص صندوقاً فوق رأسه عليه صور شهداء الصحفيين والمراسلين ؛الذين استشهدوا أثناء تغطيتهم لما يحدث على أرض غزة ،كما قام عوني بتجسيد صورة فلسطين بامرأة يقوم جنود الاحتلال بتتبعها فى محاولة لدهسها، وإبادتها، والخلاص منها ؛ لكنها تقاوم الموت رغم قوة الآلة والحصار .
قدَّم أيضاً لوحة المستشفى من جرحى وقتلى يقاومون الموت، ومايحملون من احلام وآمال في دائرة لا تنتهي، وسباق مع الزمن من أجل البقاء .
العشاء الأخير
كلما انتهت لوحة ظننا أنها النهاية؛ لكن يبدأ عونى من جديد برسم صورة أخرى من صور المقاومة، وبعض الامل والرغبة في إيجاد المخلص.
حينها فاجأ الجميع بصنع لوحة العشاء الأخير؛ التي صنعها ببراعة فنية حينما ارتدى الراقصون الأكفان الملقاة على مقدمة خشبة المسرح؛ ليحولوها إلى زي تلاميذ المسيح، وامتدت ستارة من يمين المسرح ليساره؛ لتصنع مائدة يكونون خلفها بهذه الكيفية
“من خان المسيح من خان القضية “
لم ينتهِ العرض ،جاءت لوحه أخرى أظهر فيها مجلس الأمن وفي خلفيتهم المخيم؛ ليرتدي الجميع على رؤوسهم الأكياس البلاستيكية كمن لا يرى، ولا يسمع مايحدث في الخلفية من حرق المخيمات، وحرب الإبادة الجماعية.
وتأتي لوحة أخرى للنساء اللواتي يرتدين السواد؛ فتنزل من سقف المسرح الفساتين البيضاء؛ ليرتدينها مع الإضاءة الملونة وينثرن الورود من بطونهن في صورة رائعة لبث الأمل، وأنهن سيلدن زهوراً جديدة غير التي قطفها المحتل؛فتتراقص طفلة من جديد أمام الجدار العازل،ويتفكك، ستعود …
ستعود الأرض لأصحابها مهما مر الزمن.
هي حكاية التاريخ.
★ ناقدة ـ مصر.