إذاعة وتليفزيون

طارق بن هاني: هل ما زلنا كلنا نمتلك حنين ” مريم الغضبان” إلى ماضينا الفني؟

طارق بن هاني ★

عرفنا “النوستالجيا” بوصفها حنينًا إلى الماضي، ولكنْ هل لأن الماضي كان أفضل من الحاضر؟ وبأي معنى؟ أم لأنّ الإنسان مجبول بطبعه على استحضار محاسن المفقود بعد أن يصير مفقودًا، متجاهلا مساوئه؟

شاهدت منذ أيام قليلة ، لقاءً تلفزيونيًّا جمع الممثلة الكويتيّة الراحلة مريم الغضبان (ت: 2004 م) بالإعلاميَّة الكبيرة أمل عبدالله في برنامج: “شريط فيديو مع نجم – 1986″، وهي – أي الغضبان – ثاني امرأة خليجية ترتقي الخشبة المسرحية بعد الممثلة الكبيرة مريم الصالح. عبَّرت في اللقاء – بشيء من الأسى المتحفّظ – عن حنينها إلى الأعمال الدرامية على الطريقةِ الماضيةِ، لا في شكل العمل، بل في ظروف إنتاجه وصناعته، مشيرة إلى غياب النّصوص الجيّدة، وغياب القيم المنظمة للعمل الفنيّ والعاملين فيه على النحو الذي أرساه أستاذها وأستاذ زملائها د. زكي طليمات (ت:1982 م)!

من برنامج شريط فيديو مع النجوم أمل عبد الله.

أزعم أنها كانت تلمح إلى تحلل قاعدةٍ متينة كانت تتكئ عليها الأعمال الدرامية من قبل. وإنّ ما يجعل خلود بعض الأعمال الدرامية أمرًا لافتًا، هو عدم خلود أعمال أخرى أنتجت في الفترة نفسها، وفي الفترة التي تلتها، الأمر الذي يعني أن توازنًا أو صيغة أو معادلة ما كانت تضمن خلود نوع معيّن من الأعمال، وذلك التوازن هو القاعدة التي أخذت تنتفي تدريجيًّا، انتفاءً جعل الأعمال اللاحقة – في نظرها – تتراجع إلى مستوى، دفعها لأن تحنّ إلى نوعية سابقة عليها، وفي ذلك نوع من الرفضِ – الخفيّ – للجديد، علمًا بأن عمر الدراما الكويتيّة آنذاك لم يكن قد تجاوز الثلاثين بعد!

إنّ الحنين إلى الأعمال الماضية، يكاد يشكّلُ ظاهرة راهنةً دائمة الحضور عند العاملين في الدراما الكويتية وربَّما الخليجية، وطالما عبّروا عن ذلك في لقاءاتهم. الأعمال الماضية التي من قبيل: “درب الزلق – 1977″، و”خالتي قماشة -1983″، مثلاً، على مستوى الدراما التلفزيونية، و”بني صامت – 1975″، و”على هامان يا فرعون – 1978” و”باي باي لندن – 1981″، “وفرسان المناخ – 1983″، مثلاً، على مستوى المسرح، وهي في المجمل أعمال تنحصر منذ البداية الناضجة في أوائل السبعينيات إلى ما قبل التسعينيات.

الإعلامية أمل عبد الله.

إنَّنا في حاجةٍ لأن نطرح سؤالاً بعد مضيّ حوالي 38 عامًا على ذلك اللقاء، ما الذي اختلف في نوع الحنين إلى الماضي؟ هل ما يزال الحنين معللاً كما عللته الغضبان بغياب النصّ الجيّد والقاعدة المتينة؟ والتعاون بين صنّاع العمل الواحد؟ وكذلك البروتوكولات التي تنمُّ عن حسّ المسؤوليّة العالي والذي يبدأ بقراءة النصّ (قراءة الطاولة) وتمرّ بالتعديلات والبروفات المطوَّلة؟ أم أنّه حنين إلى الماضي لأنه ماض وحسب كما نظن أنه يحدثُ اليوم؟ وهل يستطيع أحدٌ أن يخرج في لقاء ليخبرنا كما أخبرتنا مريم ما الذي يحدث؟ وما الذي سقط من المعادلة؟

الفنانة الراحلة مريم الغضبان.

سؤال مشروطٌ بوعي صانع الدراما الخليجيّ بمسؤولياته من حيث هو مفرز لمنتجٍ ثقافي تنويريّ، ليكون الحنين إلى الماضي حنينا إيجابيًّا دافعا إلى اكتشاف عوامل النجاح والخلود في تلك الأعمال الكلاسيكية التي قد يكون من بين قواسمها المشتركة: الثقافة، نعم الثقافة، ولقد كانت مريم الغضبان مثالاً للممثل المثقف الذي يشخّص بحسّ المسؤولية مشكلات مجاله وتحدّياته، أعتقد أن هذا ما نفتقده، حنينا مثل حنين مريم، إن حنين مريم الغضبان مستمرٌّ إلى الآن، ولكنّ الثقافة – فيما يبدو – لم تعد مستمرةً.


★كاتب ـ عمان.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى