رواية

سامر منصور: معوقات الرواية السورية.

سامر خالد منصور★

يعتقد ديفيد لودج في كتابه ( الوعي والرواية ) بأنّ : ” الأدب هو سجلّ للوعي البشري، ويتعامل معظم كتّاب الخيال مع الوعي بطرق مختلفة، لكن أساسية، ومن خلال اختراع الوعي للشخصيات في الروايات يسعى الروائيون إلى نقل المشاعر الداخلية بواسطة الكلمات والتعبير عن التجربة الداخلية بطرق واقعية أو تسعى لأن تكون واقعية وذات مغزى. “

ديفيد لودج.

باعتقادي إن أحد المعايير الهامة في تقييم ما يَخطُّهُ كُتّاب اليوم ، من الفئة التي توجهت لتكون من ” كُتّاب الحرب ” إن صح التعبير ، الذين يزعم معظمهم أن الحرب حَفزتهم على الكتابة ، هو الالتقاطات العميقة المُميزة ، أو تنوع لافت في أنماط الشخصيات كما فعل تشيخوف و دوستويفسكي على سبيل المثال . عموماً إن الأوضاع الاجتماعية في الظروف المُتطرفة تُنتج أنماطاً من الشخصيات ، أو تُغذي الخلل في الأنماط المُختلَّة من الشخصيات .

 التركيز على كسر ” التابو ” :

الروايات في أرجاء العالم صارت في أماكن مُتقدمة من سَبر أغوار النفس البشرية ونحن مازلنا مُنكبين على كسر ” التابو ” ! وكسر التابو في عديد من الأحيان ، لمجرد كسر التابو ! و لمجرد كون الكاتب الروائي في الاتجاه المضاد لهذا التابو أو ذاك ، وليس لأن لديه رؤية واضحة لفوائد ومفاعيل الكسر ، ولا لمرحلة ما بعد دفع الخطوط الحمراء مسافةً بعيدة في مُجتمعه ، مع العلم أن عديداً من المجتمعات العربية اليوم ليست في أفضل أحوالها ، فمُعدلات التسرّب من المدارس و انتشار الجهل و الفقر .. إلى آخر في ازدياد فيها ، لكن باعتقادي جُل الكتاب الروائيين الذين يستهدفون ” التابوهات ” لا يُراعون المرحلة ، وإنما ما يشغلهم كسرها فقط ، سواء ساهم ذلك في انحلال أخلاقي تتسبب به هشاشة مُعينة تفرضها مرحلة صعبة لها حيثياتها وخصوصيتها ، أم لم يساهم .

التكرار في الرواية العربية :

يقول فولتير : الأرض مسرحٌ كبير تُعرض عليه نفس المأساة بأسماءٍ مختلفة.

ويقول كارل ماركس : التاريخ يعيد نفسه في المرَّة الأولى كملهاة وفي المرَّة الثانية كمهزلة.

وكثيرٌ من كُتابنا يُعيدون كتابة ذات الروايات !

لماذا نكتب ماهو مكتوب ؟! والفارق فقط أن أسماء الأماكن والشخصيات اختلفت فقط ، أما الجانب الأعمق ألا وهو أنماط الشخصيات و الأيديولوجيات والذهنيات و المُفارقات .. فهي ذاتها تقريباً .

إن التكرار يشمل تكرار ذهنيات الشخصيات التي ينسجها كثيرٌ من الروائيين العرب و السوريين خاصةً في العقد الأخير من الزمن ، بالإضافة إلى أننا نجدُ كثير منهم مشغولون بأبناء جيلهم ، أي أنهم لا يتطرقون إلى الأجيال الصاعدة إلا بشكلٍ هامشي ، يُغفِلُ كثيرٌ منهم أنماط شخصيات مواليد عام 2000 م ومن يكبرهم أو يصغرهم بقليل على سبيل المثال ، و إن تناولوا تلك الأنماط في رواياتهم لا يخوضون فيها بعمقٍ يليق بفن الرواية .

يظن كثيرٌ من الكتاب العرب الجُدد ” أنصاف المثقفين ” – وهم كُثر – المُنكبين على كتابة ما يُسمى ” بأدب الحرب أنه بالكاد يوجد فارق بين الرواية و الوثيقة التاريخية ، وأنه كما كان الشعر ديوان العرب فالرواية اليوم هي ديوان الشعوب ، وهذا كلامٌ غير دقيق ، خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار مقولة ” التاريخ يكتبه المُنتصر ” ، بينما في الحروب لا يوجد مُنتصر هناك المنكوب والأشدُّ نكبةً ، المتألّم والأشدُّ ألماً ، يقول ألان دو بوتون : ” يساعدنا الفن والعمل الفلسفي ، بطرقهما المختلفة ، على تحويل الألم إلى معرفة. “

إننا بحاجة إلى قراءة التاريخ وما اتصل به أو استُلهِمَ من أحداثه من روايات ثم إلى ” فعل ” ، أو على الأقل إلى ” الكلمة الفعل ” عبر فهم أننا في عصر استشراف المستقبل ، و محاولة صيانة وتحصين أنماط قادمة من وعي الشباب ، نستشرِفُها ، إن كنا حقاً نزعم أننا نحمل رسالة ونكتب من موقع المسؤولية .


★ناقد-فلسطين.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى