رواية

شيماء مصطفى: ” متحف الأرواح” لـ عبد الوهاب الرفاعي..لُعبة ما وراء الكواليس.

شيماء مصطفى ★

” أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر ليلة وصول كبير الملائكة، أنا أطلب منك أن تجعلني أتبلل”

وفقًا لمقولة إدواردو غاليانو هذه والتي تحمل في ثناياها دعوة واضحة لاستشارة الحواس والتجسيد للمجردات بعيدًا عن اللغة التقريرية، والوصف الإسهابي في الأجناس الأدبية كلها وليس أدب الرعب وحسب.

صدرت عن نوڤا بلس للنشر والتوزيع، وفي متن سردي ١٨١ صفحة، رواية ( متحف الأرواح..أسرار عائلة كويتية) للكاتب الكويتي عبد الوهاب السيد الرفاعي، الذي يعد من أوائل أدباء الخليج تناولًا لعالم ما وراء الطبيعة، وأدب الرعب بعد الكاتب قاسم خضير.

ففي سرد تشويقي، متسارع الأحداث يدور حول فتاة كويتية تدعى (صغيرة) عادت من أمريكا بعد انتهاء دراستها لهندسة الاتصالات، لتقيم مع شقيقها الأكبر بعد بيع بيت العائلة وتوزيع الميراث، وبسبب خلافات بينها وبين ابنة شقيقتها، وعدم رغبة أي من الأشقاء في استضافتها، فضلًا عن العادات والتقاليد التي تمنعها من السكن بمفردها، يضطر الأخ الأكبر أن يخبرها بأن جدها لأبيها ما زال على قيد الحياة، ويمكنها أن تذهب لتقيم معه في منطقة الفيحاء، ورغم مخاوفها لما سمعت في الماضي عن الجد الذي يتقن فنون السحر، خاصة سحر النكرومانسي ، وهو نوع من السحر يتم باستحضار أرواح الموتى أو استخدام الأموات في السحر والشعوذة ،كإحياءهم أو التسلط على جثثهم، وفيه تُستحضر الأرواح في الشَّعنَذَة للسؤال عن أمور غيبية أو المعرفة والحكمة أو القوة الروحانية، أو أسرار لا يعرفها إلا الميت المستحضَر، ويتشابه هذا النوع مع السحر الأسود، ويعرف أيضًا بسحر الموتى، تذهب (صغيرة) لكنها لا تجد البيت إلا مقبرة تتراكم فيه الأتربة، وتسكنه الحشرات والفئران، والجد ما هو إلا جثة هامدة إثر إصابته بأمراض الشيخوخة، رفقة ممرض ستيني، وخادمة هندية.

تقنيات متشابكة

اعتمد عبد الوهاب الرفاعي في البناء السردي بروايته على عدة تقنيات متداخلة : كالسرد الاسترجاعي من خلال الراوي العليم (صغيرة ) لما حدث في الماضي للأسرة بدء من الجد والجد الأكبر باستعراض سريع لتاريخ الكويت ووضعها الاقتصادي فترة ما قبل النفط، والسرد داخل السرد من خلال سرد (صغيرة) الراوي الرئيسى مشافهة وسرد الجد لما حدث في الماضي عبر مذكراته التي عثرت عليها (صغيرة) في حجرة الأسرار، وتبادلية السرد بين صغيرة والجد والممرض المرافق للجد المتقاعد.

وعن الحوارات بين الشخصيات فقد كانت موجزة، وسريعة، لكسر رتابة السرد، وبيان الخلفية الثقافية والاجتماعية للشخصيات، ولولا النبرة الوعظية المباشرة في الحوار والسرد في نهاية النص والتي جاءت للتعويض عن الخطاب الذي يتسم بالإيحاء والتعبير بشكل درامي لكن الحوار أكثر حيوية.

ثمة توثيقًا مضمر بالإشارة إلى مكتبة الرويح باعتبارها أول مكتبة تجارية بالكويت عام 1920، ولم يكن التوثيق وحده هو الغرض من تلك الإشارة، بل كضرب من التأكيد على أن بعض الأحداث داخل الرواية حقيقية وإن رفض التصريح بذلك في مقدمة النص.

كما اعتمد على عدة عناصر منها خلق أجواء توحي بالرهبة وعدم الارتياح نظرًا لخرق عناصر الطبيعة كالتوهم بظهور الأشباح، والتشويق النفسي الذي اعتمد على مخاوف الشخصيات والتي أدت إلى عزلتهم، و ما ميز العمل عدم اقتصاره وفقًا لتصنيفه على أنه أدب رعب يتناول الثيمات القديمة والمستهلكة المتمثلة في الأشباح والأموات بل تجاوز ذلك من خلال مزج العمل بالخيال العلمي وتجسيده لمخاوف الإنسان سواء للجد أو للحفيدة.

ومع ذلك لم ينجح العمل في استخدام الرموز لتعزيز الأجواء المخيفة، إذ تطرق بشكل أكبر لقضايا مجتمعية كالتعرض للتنمر والتشويه وقضايا الجندرية والعنصرية، ولهذا يمكن أن يتم تصنيف العمل باعتباره عابر للأنواع.

بين الأحفاد والأجداد والكاتب

ثمة رابط بين الجد والحفيدة والكاتب في التخصص الهندسي، وبالتحديد هندسة الاتصالات وإن كانت معلومات الحفيدة أكاديمية، فإن الجد اكتسبها بالتعليم الذاتي والموهبة، فقد كان نهمًا يلتهم كل ما يصادفه من كتب، فمرضه جعله يعيش في عالمه المنعزل بين أفكاره وذكرياته، وعن الجدة فقد كان الرابط بينها وبين الحفيدة في الملامح، وقد اكتشفت الحفيدة ذلك من خلال التمثال الشمعي الذي وجدته في بيت الجد، وهو واحد ضمن خمس تماثيل للجد وزوجته وأبيه وأمه والرجل الذي فتح الطريق أمامه للمعرفة.

بيت أم متحف!

شكل بيت الجد في منطقة الفيحاء البؤرة المركزية للأحداث، إذ دارت داخله أغلب الأحداث، وسواء كان بيتًا في الماضي أو مُتحفًا باعتبار ما سيكون ففي الحالتين كما لعب الكاتب في العنوان يحوي أسرارًا لعائلة كويتية، وقد وفق الكاتب في اختيار العنوان، فحين تلتقط عين القارىء كلمة أسرار يدفعه الفضول الإنساني للنبش وراء السر ومعرفة ماهيته، تمامًا مثلما فعلت (صغيرة) حين نبشت داخل غرفة الأسرار لتكتشف أنه ليست كل الأسرار مخجلة، فجدها الذي تردد على ألسنة الجميع أنه ساحر وقاتل، ما هو إلا مريض بمرض نادر يعرف باسم (هايبر ثيميسيا) فقد كان يعاني من فرط الاستذكار، فذاكرته الذاتية بالغة القوى، مما ضاعف من معانته عقب فقدانه لابنه وزوجته، ومن قبلهما أمه وأبيه، لأنه يمتلك ذاكرة فوتوغرافية لا يسقط منها حدثًا، ومقتنيات غرفة الأسرار لم تكن إلا مخترعات سبق بها الجد الزمن.

” هذا المتحف ليس سوى قبر على الأرجح … والقبور ليست دائمًا صامتة …. والموتى أيضاً ليسوا دائمًا صامتين … “

عدوى الأحكام المسبقة 

أسوأ أنواع الجهل حين ترفض شيئًا لا تعلم عنه شيئًا، لهذا فإن أخطر ما تم تناوله في الرواية، لم تكن الثيمة التي بدأها بأدب الرعب وختمها بأدب الخيال العلمي الذي تجسد فيما بعد، ولكن في النزعة الإنسانية التي يدعو من خلالها القارىء للتخلي عن الأحكام المسبقة وتقييم البشر وأفعالهم، بالإضافة إلى الدعوة المباشرة للقارىء ليدخر المزيد من الذكريات لوقت لا يملك فيه سوى الذكريات، فضلًا عن الانتباه كي لا يتم فهم حقيقة الأشياء في وقت متأخر والتواصل مع الأحبة والتعمق داخلهم عبر المذكرات كما فعلت (صغيرة).

“هناك آلام تجرحك، والآم تغيرك، وهذه الأوراق قد غيرتني”

الكاتب عبد الوهاب السيد الرفاعي.

القارىء لأدب الرعب ولأعمال عبد الوهاب السيد الرفاعي مثل رسائل الخوف، ملاذ ، حالات نادرة، خلف أسوار العلم ، الأبعاد المجهولة، منطقة الغموض، المعقد، ومتحف الأرواح سيجده يمزج بين أدب الخيال العلمي وأدب الرعب متطرقًا إلى قضايا اجتماعية واقتصادية ، تتلائم واهتمامات فئة اليافعين والمراهقين.


★سكرتيرة التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى