مسرح

بدر الأستاد: مسرحية ” النقطة العميا”.. ماذا لو نبشنا في ماضينا؟!

بدر الأستاد ★

من خلال العنوان، يَجْعَلُنا عرض “النقطة العميا” نَطْرحُ العديدَ من الأسئلة، حول معنى العنوان.؟! والمأخوذ عن قصة “العطل” لفريدريش دورينمات، وإعداد وإخراج أحمد فؤاد، تمثيل كلا من: نور محمود، وأحمد عثمان، وأحمد السلكاوي، وحسام فياض، وهايدي بركات، وعمر صلاح الدين


تدور أحداث العرض في مسرح الغرفة الذي يجعل هناك علاقة حميمة بين المتلقي والممثل، فمنذ بداية الدخول للقاعة كانت السينوغرافيا عبارة عن منزل معلق بالأحبال، وفي الطابق العلوي، يسار المسرح غرفة خاصة للرسم، ومعلق من سقف الغرفة حبل المشنقة، وفي الطابق الأسفل غرفة معيشية (صالة) على يسار الخشبة شطرنج الذي أعطاه دلالة عميقة للعرض.
يبدأ العرض بدخول شخصية آدم، التاجر الذي تتعطل سيارته، وبسبب سوء الأحوال الجوية، يضطر لدخول منزل لحين انتهاء الميكانيكي من إصلاح سيارته، ليلتقي بثلاث شخصيات يسعدهم وجوده، ليشاركهم اللعب، ويبدأ التشويق منذ اللحظة التي يتساءل فيها التّاجرُ عن الغرفة التي سينام فيها، ليكون الرد على “حسب الحكم الذي سيصدر عن اللعبة”!

ونكتشف أن اللعبة عبارة عن محاكمة التاجر والتحقيق معه في قضية، والشخصيات الأخرى تلعب أدوارها أيضًا، فالمحامي هو الذي سيترافع عن التاجر، فتتحول التسلية إلى محاكمة، تظهر من خلالها شخصية التاجر، حيث نتعرف على بعض الحكايات الواقعية التي قام بها التاجر دون قصد منه، وهنا يتضح معنى عنوان المسرحية “النقطة العميا” فأغلبنا نسعى لتحقيق بعض الطموحات لكننا نجد أنفسنا قد ارتكبنا أخطاء قد تكون عادية، وقد لا تكون كذلك.
وكما نلاحظ هنا رمزية اسم (آدم)، الذي أكل من الشجرة المحرمة، فرغم بساطة الفعل، لكنه تحول إلى ذنب كبير كونه عصى الخالق، الأمر الذي جعل البشرية كلها  تدفع ثمن ذلك الذنب إلى يومنا هذا.


تناغم الأداء التمثيلي
لكل إنسان منا (نقطة عميا) في حياته، حين ننبش الماضي، وهذا ما كان واضحًا في شخصية التاجر التي مثلها (نور محمود)، ولفت انتباهنا بأدائه التمثيلي منذ بداية العرض، حيث انتقل بمستويات الأداء بأسلوب أداء طبيعي بعيدًا عن المبالغة، فنجده في البداية يؤدي الشخصية الواثقة من ذاتها، وفي أثناء تحول الشخصية أيضًا، حين يعترف بلسانه بذنبه، ومن وحين يحاول الدفاع عن نفسه، وحتى في مشهد البكاء، لم يستخدم أسلوب المبالغة (الميلودرامي) الذي نعاني منه في بعض عروض المسرح الكويتي.
أما شخصية الدكتور في الأدلة الجنائية، التي أداها (أحمد عثمان) فأتقن دور الشخصية المستفزة، في أثناء تحليله للحدث، والتعبير عن شكوكه بأسلوب طبيعي أيضًا، وهذه التفاصيل في شخصيته منحتنا كمتلقين الكثير من المتعة، فكان يطرح السؤال على المتهم بأداء رائع جدًا، ومستفز في نفس الوقت! وذلك لإن الممثل البارع هو الذي يجعل المتلقي يتخذ موقفًا من الشخصية، وهنا يأتي دور المسرح والممثل الواعي كما هم نجوم هذا العرض.
وبالنسبة لدور المحامي الذي مثله (أحمد السلكاوي)، فقد أعطى العمل نكهة خاصة، عبر كوميديا الموقف، فجعلنا نضحك كثيرًا دون أن يلجأ للإسفاف الذي نراه كثيرًا في المسرح الحالي مع الأسف.
أما عن (حسام فياض) الذي أدى دور الرجل المتابع للحدث، فقد كان يحمل رمزية عميقة، للرجل الغربي الذي يرى العالم من بعيد، ولا يتدخل كثيرًا إلا في النهاية حين تم إصدار الحكم على المتهم.
التناغم بين الممثلين كان واضحًا جدًا، وأعطى نكهة خاصة للعرض، فكان كل شخص، وكما نقول بلغة المسرح (يفرش) للآخر ليبدع وينطلق في الأداء التمثيلي، مما أعطى مساحةً حقيقة  لكل فنان ليقدم موهبته  في الأداء بتنوع ودون مبالغة.

أزياء ذات دلالة عميقة
أما الأزياء المميزة، فكانت بطابعٍ غربي، حيث ارتدى التاجر (نور محمود) شال أحمر، مما أعطى دلالتين الأولى في بداية العرض، والتي تدل على المستوى الاجتماعي للشخصية، ولكن الشال أعطى دلالة معاكسة بعد ذلك في نهاية العرض، حيث أوحى الشال الأحمر بالذنب الذي طوق رقبته،  وهكذا بالنسبة للشخصية التي أداها (حسام فياض)، فقد ارتدى الروب الأسود  بحزام أحمر، مما أعطى دلالة الفخامة من ناحية ودلالة الشر من ناحية أخرى.


انتهى العرض الممتع وظل التساؤل، ماذا لو نبشنا في ماضي كل شخصية ؟! وقمنا بتحليل الوسائل التي استخدمها كل شخص للوصول إلى غايته، فما الذي سيحدث؟!
لا يوجد عمل من دون ملاحظات بالتأكيد، والملاحظة الوحيدة حول هذا العمل، أنه اعتمد على  فكرة وصول الأحداث إلى النهاية، ومن ثم العودة من جديد وكأنها البداية، الأمر الذي تسبب بالملل نوعًا ما، لكن رغم ذلك إلا أننا كجمهور يمكننا مشاهدته مرة أخرى، وفي الكويت تحديدًا ليستمتع به الجمهور الكويتي.


ناقد-الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى