رواية

خالد أخازي: الرواية التاريخيةمفهوم تجنيسي مُضلل ولا ميتالغوي سردي.

في حوار مع الروائي المغربي خالد أخازي: الرّواية ” التاريخية ” مفهوم تجنيسي مُضلل ولا ميتالغوي سردي… والأدبية السردية هي الرهان…

أجرى الحوار: الناقدة والكاتبة السورية تيماء نصر سعيد.

ليس لدى خالد أخازي خطٌّ أحمر، فالروائي خالد أخازي لا يُشبه سوى خالد أخازي، المُجرّب الذي يقلب الطّاولة على رأس القياس فيصبح نصّهُ القياس والقاعدة… يكبو لغايةٍ ويصهل لغاية، لا وُجودٌ مجّانيّ لجملهِ في نصّه، لا يتآمر مع الرتابة ليُنتج كلماتٍ تحشو السّطور، بل ثقافةُ الحذفِ واضحةٌ في نصّه.

قيل عنهُ يكتبُ بلدغةِ العقرب، وقيل عنهُ لا يُهادنُ في الكتابةِ، وقيلَ عنهُ إنه يسلكُ أكثر الطّرقِ وُعورةً في النّص، وصدقَ مَنْ قال ذلك…

سألتُ عنهُ أحد الرّوائيين فقال لي: خالد أخازي مُتفرّدٌ حتّى بجنونهِ، لا يُراعي ولا يُهادنُ ولا يُصالح، يُحاربُ بشرفٍ ويتقدّم ويسقط، ولكنْ حتّى سقوطه في النّصّ سقوطُ مُقاتل…

وقال لي أحد أصدقائه السّوريين: لو أنّ خالد أخازي لم يَكُن روائيّاً لكانَ يصلح ليُدرّب لعبةَ السّاموراي، فالرّجلُ رشيقٌ في النّص ومُقاتلٌ وشرسٌ وانتحاريّ، رواياتهُ وشخوصه محسومة، قضاياهُ كبيرة، تكتيكه الرّوائيّ مُخاتِل…يُعرّج بك من الرّباط إلى فرنسا بكلمة، ويعود بك إلى الشّام بحرفِ جرّ….

تيماء نصر سعيد.

سنكونُ في حضرةِ الرّوائيّ المغربيّ خالد أخازي، مرحباً بك أستاذ خالد أخازي…

1- بدايةً يمكننا البدء من التّاريخ، تناولتَ في كتاباتك الحدث التّاريخي، ففي (أسرار أمّونة) سلّطت الضوء على الاحتلال الفرنسي الذي لجأ إلى الأسطورة في ترسيخ الجهل وصناعة الوهم في المغرب، سؤالي هنا؛ هل أعدتَ إنتاجَ التّاريخِ فنّياً؟ أمْ قدّمته من وجهةِ نظر خاصّة ممّا تمّ توثيقه تاريخيّاً من موقعك وموقفك ممّا حدث في تلك الفترة؟ وهل يعتمد الرّوائي في تناوله للحدث التّاريخي على الموروث الشّعبي أم على كُتب التّأريخ التي وثّقت الحدث؟ إلى أيّ حدّ يغلب الإبداع على المعلومة التي أرادها الرّوائي أنْ تصل؟ وإلى أيّ حدّ يمكن للرّواية أنْ تتحوّل إلى مرجع؟ وما الصّعوبات التي يواجهها الرّوائي في تناوله لهذا الموضوع؟

– علاقة الرّواية بالتّاريخ علاقةٌ مُلتبسة، أو هكذا أرادوها أنْ تكون، هناك تهريب لأدبية السّرد من الخطاب السردي المؤسس الحقيقي للجمالية الروائية نحو التميات أو المحتوى التراثي، هذا التهريب ليس بريئاً… بل إنّ الانتصار له والترويج بقوة له على أساس أنه طفرة سردية جمالية يفتك ضمنياً بنظرية السّرد، وبوجهه دفة الكتابة السّردية نحو الموازي والمتعالي والمخمليّ والمثير والعجيب والغريب والجواني، هذا التهريب… أربك الفهم النوع الأدبي، وخلق هجرة جماعية نحو التاريخ سرديّ، لأنه أكثر أماناً وأقل تكلفة من الحاضر السياسي والمجتمعي المخيف للأفلام الطامحة في الكتابة والتتويج خارج الرؤية والموقف والقضية، هذه الهجرة السردية نحو التراث وليس التاريخ، تتم في سياق بروز تيار الكتابة السردية التي تتفادى محاورة الراهن المطوق بمختلف السلط وآليات التحكم في القول المباح…

إذن… الرواية التاريخية… التباس منهجيّ اصطلاحيّ مقصود، وصناعة ميتالغوية منحرفة، للاغتيال المعنوي للرواية بوصفها رؤية للكون والمجتمع، لا بوصفها حكاية للتماهي الرومانسي والمؤانسة والإمتاع.

الرّواية أوّلاً وقبل كلِّ شيء هي حكاية (histoire/fiction) والحكاية هي مجرّد ذريعة للسّرد، لكن ليس هناك سردٌ من دونِ حكاية، وقوّة السّرد ليس في الحكاية، بل في الخطاب السّردي، أيّ “تخطيب الحكاية” لنقل بكلِّ بساطة: إنّ البُعد الجمالي للرّواية هو في طريقة حكي القصة، فزمن الحكاية خطّيّ، لكنّ زمن الخطاب السّردي أناكرونيك خلافاً لزمن القصة الدياكورني، وكل حكاية هي ذريعة للسرد، الحكاية صارمة زمنياً، بينما الخطاب السّردي فوضويّ بمنطقٍ داخلي. فالزمن في السرد” anachronique”، بمعنى أنّ السّرد يلجأ للاسترجاع “فلاش باك” و”الاستشراف” وقد يتنقّل الحكي بين الماضي والمُستقبل ثمّ يعود للحاضر، خلافاً للحكاية، التي لها خطّ زمنيّ مُنضبط، على هذا الأساس فالرّواية هي مشروعٌ جماليّ يوظّف الحكاية ولا يلتزم بتشكُّلها الزّمني…

لنَعُد إلى المفهوم المُلتبس لِما يُسمّى بالرّواية التّاريخيّة، الرّواية هي أصلاً دفق من التّاريخ، تتشكّل فيه ومنه وبه، التّاريخ ليسَ معناه الماضي أو أحداث لها مسافات زمنيّة تقاس بالحاضر، بل التّاريخ كفعل وُجودي إنساني، وديناميّة إنسانيّة تتعالق وكلّ الأشكال التّعبيريّة، الرّواية حينَ تمتح مِن أحداث ماضويّة، فهذا لا يعني أنّها رواية تاريخيّة، بل هي بكلّ بساطةٍ رواية تحفرُ بعيداً في الوجود الإنسانيّ بحثاً عن حكاية/حكايات/ تؤسس عليها رؤية جماليّة وراهنيّة ومشروع لرؤية مُجتمعيّة، ليس دور الرّوائي أنْ يُرمم خلل المؤرّخ، ولا أنْ يُقدّم لنا تاريخاً مِن رؤيةٍ أُخرى، ليس هذا دوره، لكن… ممكن أنْ يُقدّم لنا توثيقاً واقعيّاً لمرحلة ما مِن رؤية شخصيّة عامّة، ممكن أنْ يعود لمرحلةٍ ما ويكتب عنها بعين العامّة…المُهمّشين…الصّعاليك…إنّه لا يُعيد كتابة التّاريخ، بل يقدّم أصواتاً أُخرى عاشت المرحلة، والقيمة فيما يُقدّمه جماليّة ولا علاقة لها بالحقيقة، فدور الرّوائي يختلف عن الأخلاقي والمؤرّخ، فهو لا يبحث عن الحقيقة….بل يُعيد بناء مرحلة في زمن ما مِن رؤية أخرى…بصوتٍ آخر..

للرواية حقيقتها…. حين تمتلك القدرة على قوة التصديق بما يقع….

“الرّواية “التّاريخيّة اصطلاحًا، هي الرّوايات التي يحكيها سنداً عن سند رُواة تاريخيّون، ويعتمدها المؤرّخ في تأريخ مرحلة ما…”الرّواية” التّاريخيّة…وثيقة شفويّة أو مكتوبة يُضمّنها المؤرّخ متنه لتقويةِ طرحهِ، أمّا في المجال السّرديّ فالرّواية التّاريخيّة وهمٌ، ومُصطلحٌ مُلتبسٌ، مَنْ عادوا إلى التراث والماضي الإنسانيين والحضاريين وكتبوا انطلاقاً مِن أحداثٍ تاريخيّةٍ محددة، وفي سياق زمني وظفوه حكيا هم أُدباءٌ…إمّا قدّموا الأحداث من رؤيةِ شخصيّاتٍ غير مرئية للمؤرخ أو هامشية أو أغنوا الواقعة التّاريخيّةَ بالخيال والتخييل ، فأنتجوا منتوجاً جماليّاً…لا تاريخيّاً… لا تاريخيا بالمفهوم الأكاديمي… وتاريخيا بالمفهوم الحضاري… كل رواية قدرها أن تنفس التاريخ، وفي التاريخ ومن التاريخ… التاريخ هو ما حدث ويحدث وسيحدث…. هو الوجود الفعلي والممكن.

الرّواية مهما تنوّعت زمنيّاً…وإنْ أخذت مسافةً مِنَ الرّاهن، فهي تقومُ بذلكَ بعمقٍ جماليّ وجوديّ تُسقط الماضي على الحاضر ضمنَ رؤيةٍ نقديّةٍ تُراوغُ مُختلف السُّلط، لهذا سنجد كثيرا ممن يعتمد المتن التّاريخي في الرّواية، يفشل في الكتابة عن الحاضر…الرّاهن…إمّا لمحدوديّة الخيال لديه أو لعدم قدرته في سياقٍ سياسيّ على مُلامسة قضايا مُجتمعه مكلفة ، أحيانا ما يُسمّونه بالرّواية “التّاريخيّة” مجرد حصان طروادة حيث يغدو الحدث الماضوي تعبيرا عن الجُبن والهروب من أي صدام أو تعبيرا عن حالة من الإرهاق الجماليّ والخيالي… فالتراث مانح بسخاء للحكي ولتفاصيل الوصف والأمكنة، ويكفي أن يحتال الكاتب على الحكاية التراثية ليؤصلها ذاتيا…

الكتابة من التاريخ احتيال أدبي جميل إذا ظلت الرواية وفية لجنسها، وخلقت فتنة الخطاب لا فتنة الحكايات.

أنا فعلاً عُدتُ لمرحلةٍ ما من تاريخ المغرب…قمتُ بتفكيك بنية الاستعمار والجهل والأسطورة، عدت ولكنني ظللت ضمن أسئلة الراهن، العودة للتاريخ حكيا، لا يعني البقاء في بيته المخملي لغة وجوهرا، بل استعرت وقائع تاريخية لأسلط الضوء على مدى قدرة الاحتلال على استغلال الوهم لترسيخ سلطته وتعاون الخونة معه ضمن ما أصفه منظومة اقتصاد الخُرافة، لا تهمني الحقيقة التاريخية، بل القيم الإنسانية، يهمني مختلف العلامات العابرة للزمن التي تصنع خنوعا دلاليا، العودة لم تكن هجرة من واقع مخيف، بل خدمة لرؤية جمالية تسائل الراهن بالماضي…كانت عبورا جماليا لمساءلة جذور العلامات الدلالية ذاتها التي تؤسس للقهر في الحاضر…أقصد العلامات المجتمعية التي تسكننا كحتمية وتشكل سلوكنا، وهي في العمق أساطير من صناعة سلط تتحكم في صناعة المعنى وبالتالي توقع السلوك…

فالاحتلال واقعٌ تاريخيّ راهنيّ، والباقي كلّه في نصوصي السردية خيال يعزز الوظيفة الجمالية…هناك تيمات مركزية في الرّواية: القهر والتّسلّط والأسطورة، والمرجعية التاريخية وظيفة تخطيبية لا تأريخية…

لنتفق أولا… أن الجوائز الدولية ذات المعايير النقدية العالية في مجال الرواية لا تصنف الرواية على أساس المتن أو التيمة، فالرواية في البوكر العربية مثلا، هي الرواية التي تتوفر فيها القيمة الجمالية والسردية، فقيمة النص السردي ليس فيما قال، بل في ” كيف يقول” وأدبية الرواية في الخطاب…. لهذا… الوعي باللغة العارفة للسرد معيار حقيقي لتطور السرد، وموضة التجنيس التيمي السردي وحتى العمري، لا علاقة لها بالميتالغوي السردي، وهي مجرد هلوسات خارج السردية…. فيوسف زيدان روائي… مهما طالت إقامته في الحكاية الصوفية، وعزازيل رواية قوية بمعايير السرد والإبداع، وحينما منح البوكر العربية… منحت له كروائي مجدد، أجاد السرد في تلك المنطقة الفاتنة بين التاريخ والخيال وحكماء الجائزة واعون بالرهان الجمالي والسردي، لهذا ظلوا أوفياء للنص لا للتميات، للقيمة الجمالية لا للمرجعية الحكائية… ظلوا أوفياء لسؤال الأدبية، وليس لسؤال المعنى الذي يخصي الأدب ويختزله في مبرر القول وفي القول… فسؤال الأدبية السردي هو سؤال في الخطاب وليس في الحكاية…. لهذا كلما تعددت التجنيسات التحت روائية، تفاهم الاختلال العميق في الرؤية النقدية المنحرفة أو المنحازة للبيروقراطية الثقافية الجديدة.

روايتي “أسرار أمونة ” لا علاقةَ لها بالتّاريخ بالمفهوم الأكاديمي……فهي ليست مشروعاً لإعادة كتابة التّاريخ…ولا يمكن أن نُسمّيها تاريخيّة، بالمفهوم الذي يحاول البعض ترويجه، أقصد أن كل دينامية إنسانية هي تاريخية بالقوة، أحداث رواية أسرار أمّونة وقعت في بداية القرن العشرين، الماضي كالحاضر متن للحكي، هي رواية تُفكك بنية التّسلط والقهر وتوظيف الأسطورة والجهل في استعباد العقول والسّواعد…إنّها واقعيّة بمتن ماضوي، لأنها تنطلق من غفوات الحاضر لتصحو في زمن آخر، بحثا عن ترياق لغفوة العقل والوجدان، بحثا عن جنيولوجيا القهر بالأسطورة، إنها الآن حين نحكيه من الماضي، إنها الماضي حين نقاربه من الحاضر…إنها الغد… حين نسترق إليه النظر بخوف الحاضر وآماله واخفافات الماضي…إنها الحكاية التي بها بددنا غربة الوجود، لكنها ليس حكاية تبرر الوجود، بل تتخرط في بناء الوعي بالوجود، فهي لا تدعي الحكمة… الحكمة مجرد أسطورة أخرى…لأن التجربة الإنسانية لا يمكن اختزالها في القوالب الدلالية…رواية أسرار أمونة هي محاولة فهم… لا تلزم الأفهام الأخرى…. وما هو تاريخي فيها… ذريعة حكائية لتقوية الشراكة الجمالية بين النص والمتلقي..

هل هي رواية تاريخية إذاً..؟ جوابي… بكل بساطة… لا أحد يكتب خارج التاريخ… ولكن كل تصنيف باسم التاريخ هو مغالطة فجة… فالرواية سلطتها في أدبيتها وليس في سلطة المعنى…لهذا لا أُؤمن بالرواية التاريخيّة كتجنيس…فالرواية رواية…والتّاريخ معطى موضوعيّ وإن لم يسلم من أسطورة الذات والتأويل والترجيح..

الرواية مشروع جمالي… فمهما ابتعدتُ عن زمن الكتابة… أقصد زمن كتابة النص، لا يمكن للرّواية أنْ تكون مرجعاً أكاديميّاً تاريخيّاً، إلا بالنّسبةِ لباحثٍ يعود لنصوصٍ سرديّة في سياق زمني ما…فيعود إليها للفهم الأنثروبولوجي والسوسيو- ثقافي… وليس للتّأريخ…

الرّواية التي تكتب عن حاضرها قد تُشكّل يوماً ما وثيقةً مرجعيّةً للسيسيولوجيا والتاريخ… والمؤرّخ عامة، لكنّها ستظلُّ مُجرّد نصّ جمالي إبداعيّ… ستظل أصدق خيال ممكن تأسيسه بناء على تعاقد جمالي مع المتلقي..

2- ناديتَ في مشروعكَ الثقافي بالحفاظ على مستوىً مُعيّن مِنَ اللغة والابتعاد عن تتفيه اللغة والألفاظ المُعرّبة وعن الألفاظ التي مِنَ الممكن أنْ تحطّ مِن قيمة العمل، بالمُقابل كُنتَ تستخدم تعدّد الخطوط السّردية في أعمالك، سؤالي: ما هي الصّعوبات التي واجهتك في تجسيد تلك الشّخصيات على الورق باختلاف ثقافتها وبيئتها الاجتماعية ومستواها العلمي، وكيف حافظتَ على سويّة لغويّة متوازنة على مستوى النّص تدعمُ مشروعك الذي تنادي به، وفي الوقت ذاتهِ؛ استطعتَ مُحاكاة كلّ شخصيّة بأبعادها الثقافية والاجتماعيّة والعلميّة، فما التّقلُّبات التي يُمكنُ للرّوائي أنْ يعيشها أثناء مُحاكاته لهذا التّنوّع؟ هل تجدُ صعوبةً في تنفيذكَ لمشروعك اللغوي في ظلّ تنوّع الخطوط السّرديّة الواضح في رواياتك؟

الرّواية نصٌّ إبداعي ٌّ بامتياز، وهي شكلٌ راقٍ للغة والأساليب، ويمكن ان تغدو سندا لغويا تعليميّا، لهذا لا بدّ أن ترقى لغويّاً إلى أُفق انتظار القارئ والطالب والإنسان العادي، مشروعي الدّاعي للرُّقيّ باللغة العربيّة السّرديّة، أقصد به عدم الاستهلال في إقحام أساليب غير فصيحة، وعدم القبول باستعمال اللفظ العجمي على حساب اللفظ العربي، هذا يعني أنّ هناك فرقا بينَ السّجلات اللغويّة التي تختلف حسب الصّوت والشّخصيّة، وبنية اللغة العربيّة ومُعجمها وأساليبها، لنفترض أننا نكتب بضمير المتكلّم…والرّاوي شاعر…حكيه سيختلف عن طريقة أستاذ أو لصّ، القضيّة ليست في الرّقي اللغويّ على حساب السّجلات اللغويّة لكلّ شخصيّة، بل في احترام: 1-بنية اللغة العربيّة، 2-معجمها، 3-أساليبها.

سأعطيكِ مثلاً: الشّخصية هنا شاعرٌ يحكي:

“أرتقي أدراجَ السلم الذي أنهكه الزمن والظلام، هل السّلالمُ تشيخ…؟ كأنّي أسمع جداراً يهمس…”الدّهرُ يقتاتُ مِنَ النّسيان”…أقفُ عند الباب، يتفرج في وجهي الباب بوجوم، أسمع بقايا حياةٍ في الدّاخل، رائحةُ الموتِ تهبّ من شقٍّ على الجدار المنسي… يجول في خاطري أن أعينا خفية تترصدني، بل تحصي دقات قلبي، هذه عمارة الأرق والمرض بامتياز، عجائز يعشن غربة آخر العمر، وحيدات يتلمسن الذكريات في غفوات عابرة، الألم يغير الحياة بشكل كئيب..”

هذا شاعر… ما قاله ينسجم وبنية الشّخصيّة الثقافية والمجتمعية وملمحها العام.

لنَعُد إلى شخصيّة اللص، وفي الموقف نفسه:

“أصعدُ السّلالم، كانت درجاتها قديمة جدا، أكادُ أن أسقط، الجدار عفن متهالك، أشعر كأنني في المشرحة، الباب من زمن قديم… قديم جدا… فقدَ طِلاءهُ… ربما يراقبني أحد، من يدري… فأكثر السكان نساء مريضات عجائز…مصابات بالأرق…”

لنُقارن…

موقفٌ واحدٌ، وسجلّان لغويّان…. فالارتقاء اللغوي لا يعني اللحن وخلط السجلات اللغوية، بل احترام بنية اللغة العربية وقوتها على التوليد والاشتقاق…

الارتقاء باللغة، عندي هو محاصرة الاستسهال والحفاظ على بنية اللغة العربيّة…

سأُعطيك مثالاً…”أشعرُ بالبرد” قال عزيز وهو يرتعش

هذه ليست لغةٌ عربيّة…ففعل القول سابق على المقول لا العكس.

سأعطيك فقرة سردية ” وقد شهدت الشارع مأساة اعتبرها الناس فجيعة… صاحب الموتوسيكل سقطت عليه كنبة من البلكونة”…

هذه لغة لاحنة…

فشهد الشارع… لا معنى لها في اللغة العربية ولو استعارة…

واعتبر… لاحنة… فهي من العبرة….

والموتوسيكل… وجدنا لها منذ زمن مقابل لغوي..

والكنبة….” canapé ” نقول الأريكة…

والبلكونة.balcon  .. مقابلها عربيا الشرفة…

هذا على مستوى الألفاظ والتعابير، فهنام أساليب كثيرة دخيلة من الصحافة لكنها غير فصيحة… هذا هو الارتقاء اللغوي… الالتزام ببنية اللغة وتطويرها وفق آلية الاشتقاق والتوليد والتعريب المورفولوجي، الوعي بالرقي اللغوي هو وعي أيضا بالسجلات اللغوية.

فأحيانا نقرأ مثلاً كلمة “عجوز” توضع خطأ لوصف شيخ هرم ، وهي لا تُطلق في اللغة العربيّة إلا على المرأة، والشيخ هي الكلمة المناسبة… إذا الرقي اللغوي لا يعني ” توحيش” اللغة، بل احترام اللغة العربية في معجمها وبنيتها وبلاغتها… مع الانفتاح على الجديد وفق الحضانة التوليدية للغة العربية..

هذا ما أقصده بالرّقيّ باللغة…ولست غبياً حتى أعني أنّ الرّقي هو الرقي السوسيو لغوي، فالجامعة مطلوبة في مواقف متعددة حينما يتطلّبها الحوار والموقف السردي مثلا… والشخصيات لهت انتماء لغوي ثقافي محدد للقول والسلوك والفعل والوعي، وبالتالي رقي سجلها اللغوي لا يعني جعلها تتحدث بلغة غير منسجمة وملمحها السوسيو ثقافي، لكن… الالتزام ببنية اللغة العربية ضروري…. وهذا هو الرقيّ اللغوي… مصالحة النص السردي والدرس اللغوي المدرسي….

أؤكد أن السجلات اللغويّة محدد قوي للإبداع السردي، فلا يُمكنني جماليّاً بناءُ شخصيّةٍ بغيرِ لسانها وأبعادها الثقافية والاجتناعية، إلا في سياق المفارقة المقصودة أو الصدمة المجتمعية، نعم لكل مستوى تعبيري لساني، ولكن حتّى اللص ضمن رؤية الرقي اللغوي السردي ملزم أن يقول: صعدتُ إلى الشُّرفةِ، رأيتُ امرأةً في فستان النّوم، متمددة على الأريكة.. لا أن يقول: صعدتُ البلكونةَ، رأيتُ امرأةً في روب النوم متمددة على الكنبة… لم يتغير السجل اللغوي، لكن المتغير الثقافي اللغوي كان ضمن بنية اللغة الفصيحة، والفصاحة هنا لا تعني البلاغة بل الفصيح هو الذي يؤسس للدلالة ضمن قواعد العربية… أسلوبا معجما صرفا وبنية… ليس المطلوب هو بلاغة الشخصية بل بلاغة الخطاب السردي…

3- ما هي الصّعوبات التي تواجه الرّوائي عند استخدامه لتقنيّة تعدد الأصوات السّرديّة، فكلّ شخصيّة تتحدّث بلسانها، عمليّة التّنقّل بينَ شخصيّتين مُتفاوتتين في الثقافة والوعي الاجتماعي والبيئة؛ كيفَ تصف لنا تجربتك في هذا؟ هل يحتاج الكاتب إلى فاصل زمني في الكتابة للتّنقل بينَ تلك الشّخصيات على اعتبار أنّ كاتباً واحداً يكتب بلسانِ أكثر من شخصيّة؟ وما المُشكلات التي يمكن أنْ يقع فيها الكاتب في استخدام هذه التّقنيّة؟

-الرّواية عملٌ مُضنٍ، أن تظلّ على وعي بكلّ التّفاصيل ولا تقع في المفارقات، يتطلّب جهداً نفسيّاً وعقليّاً، الرّواية هي الحياة والحياة صخب وضوضاء وتعدد مَهول، لهذا لا يمكن كتابة رواية محدودة الشّخصيات، فقناعتي أنّ الرواية هي نبض ودفق ونشوء وتطوّر وتشعّب، تعدد الشّخصيات مُرهقٌ للكاتب، ولا يهرب مِن هذا الخيار إلّا الذي تخذله الذّاكرة، أنا شخصيّاً أشتغل وفق خطاطات شبه تعليميّة، فكلّ شخصيّةٍ أضع لها جذاذة تُحدد البُعد المادّي والنّفسيّ والاجتماعيّ والثّقافيّ لها، وأحدد وظيفتهُ كفاعلة في البرنامج السّردي، أُغيّر أحياناً الجذاذة كلّما أفرز البرنامج السّردي واقعاً لم أكُن أتوقّعه، لا أتماهى مع الشّخصيات؛ لأنّ التّماهي عمليّة محفوفة بالمخاطر، قد تجعل شخصيّة ما تتكلّم بلساني دون وعيٍ منّي، كلّ شخصيّة هي مُستقلّة عنّي، يُحدد مصيرها البرنامج السّردي، أترك السّياق يصنع المساق، وأحياناً أخرق الحتميّة التي أوهم بها القارئ لأصنع مُتعةَ الصّدمة، وفتنة اللامُتوقّع…

4- أنتَ تُنادي بضرورة أنْ يكونَ لدى الرّوائي وعيٌ جماليّ للنّصّ، أنْ يكون هناكَ انسجامٌ بينَ كلِّ مُكوّنات النّصّ الأدبي من حيث الأسلوب والبنية واللغة والصّوت وكلّ ما يمكنه أنْ يُخرج النّص بأبهى صورة، إلى أيّ مدى يجب أنْ يكون الانسجام بينَ متن الحكاية ومبنى الحكاية؟ بينَ المادة التي تُريد تناولها في الرّواية وبينَ المبنى الحكائي، إلى أيّ حدّ يجب أنْ يكون هناك دقّة في طرح الحكاية ضمن بناء فنّي عالٍ ليستقطب العمل شريحة واسعة؟ ولأيّ مدى يجب على الرّوائي تفعيل استخدام عنصر الزّمن وإخراجه مِن موضوعيّته سواء باستخدام تقنيّة تكسير الزّمن، تقنية التّذكر والاسترجاع، والحذف والتّنبؤ، للوصول إلى الانسجام بينَ متن الحكاية ومبناها؟

-سبقَ وقُلت أنّ الرّواية تتكوّن من حكاية وخطاب سرديّ، الرّواية لا تكون مهما تعددت تجارب الحكي بلا حكاية، مِن دون حكاية نوويّةٌ تتناسل في بؤرتها عبر حبكة ناظمةً حكايات ثانويّة، والخِطاب هو كيفيّة الحكي، فيه خرقٌ للزّمن وتعدد للأصوات والأسلوب والسّجلات اللغويّة، كلّ روايةٍ تجريبيّة تمرّدت على الحكاية تفقد أصالتها، شخصيّاً.. أعدّ الحكاية مُعطى جوهريّ، ولكن قيمة السّرد في التّخطيب “أيّ كيف نسرد الحكاية” وهذا هو الذي يؤسس لأدبيّة الرّواية، الخطاب السّردي /الشّكل وليس الحكاية وإن كانت أساسيّة/ والخطاب السّردي /الشّكل- المبنى/ يبرز جمالية النّص، ويسمح ببناء حكاية وفق زمن الخطاب لا زمن الحكاية… والرؤية هي رهان كل رواية تصنع وعيا… دون أن تلعب دور الواعظ أو المصلح… أن الرؤية… هي صوت ما في الرواية قد يكون غير مركزي… هامشي… لكنه يشاغب عقليا لفتح شهية السؤال لا الاستهلاك..

المبنى/ الخطاب السّردي…في تعامله مع الزّمن، لا يجب أن يشتغل على تكسير الزّمن كترفٍ إبداعيّ، بل لا بدّ أنْ يكون ضمن رؤية جماليّةٍ لا تصنع اللبس ولا الاضطراب… الخطاب السردي حين يعيد بناء زمن السرد فهذا ينخرط في رؤية جمالية، وتتطلب قدرة على العبور في الزمن في حالة صحو مستمر.

الحكاية كما قُلتُ ذريعة، وقد نشتغل على الحكاية نفسها، لكن بخطابٍ سرديّ مُختلف، وهذا ما يميّز روايةً عن أُخرى، الخطاب السّردي هو جوهر الإبداع، لكن لا بدّ لكلّ عملٍ سرديّ من رؤية، لا بدّ أن يُشاغب، أنْ يفجر أسئلة حول واقعٍ دون أن يقدم بديلا وفق وعي ما، الرّواية تمتع لكنها في الوقت نفسه مُطالبةٌ بصناعةِ وعي… دون أن تكون منبراً ولا بياناً أيديولوجياً.

5- تناولت في روايتك (هاتف السيّدة نجوى) قضايا منطقة الظّل، فزاوجت بين الواقعيّة والرّمزيّة، درست سيكولوجيا الشّخصيّات وكلّ شخصيّة أبرزتها بثقافتها الاجتماعيّة وسياقها في العمل، هل أردتَ هنا نمذجة المجتمع عن طريق بناء نماذج فنيّة؟ أم كانت هذه النّماذج واقعيّة؟ هل كانت الشّخصيات في روايتك صورة واقعيّة أمْ رؤيتك أنتَ لصفات هذه الشخصيّة ومُميّزاتها؟

-كلّ روايةٍ هي واقعيّة مهما ادّعت غير ذلك، فالرّمزيّة هي انحيازٌ شعريّ عن الواقعيّة، والسريالية هي طبقة من اللاوعي لواقع تمت أسطرته، الرواية حين تعلو على الواقع أو تشفره أو تختفي في حدائق وخلوات الماضي تظل مشروعا جماليّا، أو استراتيجية لتجنب المواجهة مع مُختلف السُّلط، ما يُسمّونه بالتّاريخيّةِ هو واقعيّةٌ في واقعٍ آخر، متعالية… متوازية… بديلة… مشفرة…مؤسطرة… مهاجرة زمنيا…هي تجربةٌ إنسانيّةٌ نابعةٌ من واقعٍ نفسيٍّ واجتماعيّ خفي أو مكنى عنه بخيال مواز او متعال أو مسافر، قدرُ الرّوايةِ أنْ تتنفّس الواقع أينما حطّت وسافرت… فالواقع لا يعني الراهن… بل ما يحفز الكتابة السردية…

ربّما الواقعيّةُ بمفهومها الماركسيّ هو الذي أساء للواقعيّةِ بتعدُّد مظاهرها الرّمزيّةِ والسّرياليّةِ وحتّى روايات الفانتازيا والعجائبيّ، الرّواية إنْ لم تنهل من الواقع، مَسختهُ أو علت عليه أو هربت منه نحو واقعيّةٍ مُجاورة أو مُتعالية، كلّ روايةٍ تجد فتنتها بمدى قُربها أو بُعدها عن الواقع، فما لا يُمكن أن يقع في روايات الرّعب والفانتازيا والعجائبيّ هو فاتنٌ لأنّ مَحكّهُ هو الواقع، قدر الروايةِ الواقعيّة ُمهما دارت أحداثُها في كوكبٍ آخر..

أنا أكتب الرواية انطلاقاً من حكايةٍ، ولأنّ جماليّة السّرد هي تفكيك بنية الشّخصيّة النّفسيّة والاجتماعيّة، فقد اشتغلت في رواية (هاتف السيّدة نجوى) على شخصيّةٍ تتبّعتُ خيط خوفها ورُهابها، وحاولت أن أفسّر علاقتها بالأشياء التي تحولت إلى علامات تنتج المعنى والقيم، فالهاتف هو شيء… وحين نحفر بعيداً في طفولتها نجد رمزيّته كصانع للمعنى، لم يعد مجرد هاتف، بل غدا جسر وجوديا… مِن أين أتى هاجسها للتّنظيم الدّقيق لعالمها مثلا..؟ سؤال تركت الأحداث تفسره، كنتُ أُفسّر ما يراه القارئُ عاديّاً، كنتُ أنطلق من رؤيةٍ للوجود، أساسها، لا شيء فينا يأتي من عبث، كلُّ سُلوكاتنا يحكمها وجودٌ سابق يؤثّر فيها، لسنا كما نريد أن نكون، نعم نحن أحرار بإرادةٍ وهميّة… لكننا نتاج وجوديا للعلامات التي حولنا… كل وجود يمارس علينا سلطة المعنى… وفي الأخير… نصبح نحن أيضا علامات في وجود الآخر…

ما يبدو رمزياً في رواية (هاتف السيدة نجوى) هو أسطورتها الشّخصيّة، ما حرّرها هو وعيها بها.

الوعي يحرر من الخوف، لكنه لا يستأصل الأسطورة… لأنها نظام جماعي… الوعي يخفف الجراح، لكنه لا يرمم كسور الروح.

6- هناك موجة قويّة من القرّاء في عمر 25 وما دون، كيف يمكن للرّواية أنْ تستقطب هذه الشّريحة في ظلّ التّكنولوجيا المرئيّة؟ ما هي الموضوعات التي يمكن أنْ تطرحها الرّواية؟ ما هي الأدوات التي يجب امتلاكها لجذب هذه الفئة التي دخلت باب القراءة حديثاً.

-سؤال محدوديّة المقروئيّة سؤالٌ مؤرق، هل فعلاً نحن لا نفهم هذا الجيل الذي ألف واعتاد الصّورة والخبر السّريع، مع زحف الرّقمنة؟

إنّ مُحاولة الإجابة عن هذا السّؤال تُخفي الأبعاد التّاريخيّة لفعل القراءة، فالمقروئيّة ظلّت محدودة في العالم العربي، حتّى زمن نجيب محفوظ، والطّيب صالح، وحنّا مينة، وغيره..

فالذي كان يصنع فعل القراءة هو الجامعة، الجامعة كانت منارةً لصناعة النُّخب، والذي كان يلعبُ الوساطة هو النّاقد، في زمننا هذا تراجع دور الجامعة والمؤسسات الثّقافيّة، ويكاد النّقد أن ينقرض وقد غلبت التّفاهة وصناعة الأدب المُزيّف، لقد حلّ وُسطاءٌ آخرون تملّكوا بوصلةَ توجيه القراءة وصناعة الذّائقة، وهناك آلية التّفاهة الخفيّة التي تصنعُ الكَتَبة وتُروّج لهم، هذا الجيل ضحيّةُ مسلسل التّتفيه، وإرباك المشهد الثقافيّ والإبداعيّ، لا يمكنني أن أُنتج أدباً وفق خصوصيّات عمريّة ولا تطلّعات توهمنا الوسائط المختلفة أننا الفاشلون لتكسر فينا الكبرياء، وتحوّلنا مجرّد “خدَمة” بالحبر…

لا يمكنني إلا كتابة الرواية كما هي جنسٌ أدبيّ مُتعارفٌ عليه، وذلك المعيار أمارسُ ذاتي وتجربتي وخصوصيّتي، ليس هناك مُبدع يُكيّف قلمه وفق درجةِ فهمٍ عامّ، أو وفق نزعةٍ استهلاكيّةٍ، القراءة ماكرة، قد توهمك اليوم أنّك في القمّة، لكن مجال الكتابة كأيّ مجالٍ إبداعيّ، مع الزمن لا يصمد غير الجيّد، كالأغاني، والموسيقى

الكتابة السّرديّة هي مشروعٌ جماليّ، وليست مجرّد فتنةٍ حِكائيّةٍ… لنستحضر معا زمن قصص عبير، وجيل قصص عبير…تذكّري متى عرفنا حنا مينة والطيب صالح، وجبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف، تذكّري، كم مرّ مِن الزّمن؟ من تلاشى ومن صمد…؟ من خرج من ظلال النسيان والتهميش وغطى على المهيمن المركزي…؟

الزمنُ فاضحُ التّفاهةِ… ليس الرائج من يصنع الأدب… الأدب له مناعة تاريخية تلفظ الخلايا السرطانية في جسده، وله مناعة حضارية تعبد تنظيم التلقي وتهدم الزيف… الرائج قد يصنع الهجومية وفق آليات دعائية بل حتى سياسية، ووفق لوبيات بيروثقافية تتحكم في التصريف والتضليل، لكن مناعة الأدب في كبريائه الذي يخرجه من الهامش بفعل مختلف السلط ضمن براديغم مضاد للتفاهة وتحكم البيروثقافية في صناعة الرموز الثقافية..

– الزّمن فاضحُ التّفاهة، عند هذه الجملة سأختم حواري معكَ أستاذ خالد، كانَ حواراً غنيّاً مع أديبٍ تذخر كتاباته بالحياة.


مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى