د. علي العنزي يستعرض أدوار “المحرر الأدبي” في مهرجان القرين الثقافي.
خاص لـ نقدXنقد
بدقة الباحث، وشمولية المثقف، يتناول الناقد د. علي العنزي، الأستاذ المشارك في قسم النقد والأدب المسرحي، بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إشكالية المحرر الأدبي، في ورقته البحثية المميزة، والمعونة بـ “الأدوار المختلفة لـ “التحرير الأدبي”، و”مراجعة الترجمة”، والتي قدمها ضمن فعاليات الندوة الرئيسة لمهرجان القرين الثقافي، مؤكداً أن تلك الوظيفة غير موجودة بمعطياتها المعروفة إلا في الغرب، وأن التجربة لدينا لا تتعدى أن تكون محصورة بين المترجم والمراجع، وذلك عبر استعانته بالمفاهيم العلمية، والأمثلة العملية، في ورقة بحثية حرصنا في مجلة نقدXنقد على نشرها، لتكون بين يدي القارئ المهتم بهذا المفهوم الشائك:
الأدوار المختلفة لـ “التحرير الأدبي” و”مراجعة الترجمة”
بقلم: د. علي العنزي
كناقد مسرحي، ترجم “هدفاً”، وراجع عن الإنجليزية “أصلاً”، أذكر قصة بليغة ذات مغزى، من الشائق ذكرها، ارتبطت بـ الفيلسوف الأندلسي ابن رشد (1126 – 1198)؛ كان ابن رشد من أشد المؤيدين للأرسطية، فحاول استعادة ما اعتبره التعاليم الأصيلة لأرسطو (384 – 322 ق. م). وحدث أن تكدّرت نفس الفيلسوف العربي كثيراً لحظة التبس عليه معنى كلمتي “تراجيديا”، و”كوميديا”، وكان ذلك في غمرة إعادته لصياغة أعمال أرسطو؛ استغلق المصطلحان على ابن رشد حينما صادفهما، ورغم بحثه وتقصيه في شأنهما، فإن الكلمتين ظلتا غامضتين بالنسبة إليه.
وفي واقع الأمر، يعود عدم نجاح ابن رشد – في بحثه المضني عن معنى الكلمتين – إلى أنه ترجم عن وسيط، حيث بدا له أن “التراجيديا” تعني “المديح”، و”الكوميديا” تعني الهجاء، وبسبب تلك الترجمة الخاطئة، ضيّع ابن رشد على العرب – بشكل حاسم – اكتشاف “فن المسرح” الذي كان من أهم الفنون عند الإغريق. ولو كان لدى ابن رشد “محرراً أدبياً” أو “مراجعاً” وارف الظلال، لما تأبت ترجمة أي من “التراجيديا”، أو “الكوميديا”، في وجهه، ولما تأخر وصول المسرح إلينا نحو 750 عاماً. أنا أعلم مدى صعوبة هذا الافتراض زماكانياً، لكني ذكرت أنها حكاية دامعة ذات مغزى، وكما قال مارك توين عن الكوميديا السوداء الدامعة: تنبع الفكاهة من الحزن .. لا من السعادة!!!
وهكذا يتبين لنا، أنه في كل ترجمة جيدة، هناك خطوتان أساسيتان – على الأقل – لإنتاج منتج نهائي عالي الجودة، وهما على النحو التالي:
التحرير الأدبي Literary Editing
مراجعة الترجمة Translation Review
ولتوضيح ذلك بشكل عام، يتم إكمال هاتين الخطوتين بواسطة “لغويين” مكتنزين بالبلاغة، والنشاط الألسني، والمفاهيم، وذلك بهدف ضمان رؤية الترجمة للنور، بشكل ناجز، ويتم ذلك على يد الآتين:
خبيران (مترجم + محرر أدبي أو مترجم + مراجع على مستوى العالم العربي)
ثلاثة خبراء أو أكثر (مترجم + محرر أدبي + مراجع، وفق معايير المراجعة والتدقيق العالمية الرفيعة المستوى).
التحرير الأدبي:
ليس من المماراة في شيء، أن يُعرف “الناقد الأدبي” “المحرر الأدبي”، بأنه: “محرر مطبوعات يختص بمعالجة الجوانب المتعلقة بنطاق مراجعة المنجز الأدبي – والأثر العلمي – وقد يساعد المحرر هذا – أيضًا – في تحرير الكتاب المترجم بنفسه”.
ومن حيث المبدأ، عندما يتم تحرير “المحتوى المترجم” بواسطة لغوي linguist ثانٍ، فإنه يتم تحسين اتساق المحتوى حتى يغدو دقيقاً ومضبوطاً وحقيقاً بلقب “مترجم عن لغة أصلية”، بما يضمن لدار النشر تلافي أية هفوات محتملة – لربما وقع المترجم فيها – حيث يتسنى للمحرر الأدبي تداركها، من خلال تقديم ما يلي:
التدقيق اللغوي.
التحرير المُثري للنسخة.
كتابة نقد أدبي للإصدار.
ولا يفوتنا أن ننوه، إلى أنه غالبًا ما يعمل “اللغويين” المشاركين في صناعة الترجمة في هذه المهن المتاخمة لبعضها بعضا، وأعني أنهم محررون أدبيون، ومراجعون، بل ومترجمون في آن واحدة؛ حتى أنه يجوز للمترجم نفسه أن يعمل كمحرر أدبي، ومراجع ومترجم لدار النشر ذاتها، شريطة أن يجود بما لا يعجز عنه ثراءً ودقةً لغويةً واصطلاحيةً.
ويعرف “المحرر الأدبي” بمحرر المخطوطة، وذلك بوصفه يراجعها منذ المربع الأول، ويُطلق عليه في الغرب المسميات التالية: (Copy editor – copyeditor – manuscript editor) كونه يحرر النسخة، ويراجع المادة المدونة.
ويُستخدم مصطلح “التحرير الأدبي” على نطاق أوسع من أن يُشار إليه بوصفه “مدقق لغوي” فحسب؛ حيث يتضمن “التحرير الأدبي” مهام أوسع من ضمان خلو النص من الأخطاء النحوية، كما أسلفنا، وذلك على غرار:
تحسين مقروئية النص.
ضمان ملاءمته للقراءة.
ضمان خلو النص من الأخطاء المعلوماتية والوقائعية.
وعالمياً، جاء بشأن التحرير الأدبي، في الكتاب الأميركي الذائع “دليل شيكاغو لأسلوب الكتابة” The Chicago Manual of Style، تعريفاً هاماً لـ “التحرير الأدبي”، وذلك كما يلي:
التحرير الأدبي، هو عملية تحرير المخطوطة، وتشمل التصحيح اللغوي التقني البسيط وغير البسيط، الذي يؤديه المحرر الأدبي، عبر التدخل الذي يجريه على مستوى الجملة، والتحرير الخطي، والتحرير الأسلوبي، والذي قد يلامس جوهرياً معالجة العمل، فيما يتعلق بمستوى جلاء الأسلوب الأدبي، ووضوح المقاطع غير المنظمة، وضبط النثر الفضفاض، وتنضيد الجداول والأرقام المشوشة وما شابه ذلك، بما يتسق مع متن النص الأم.
وغني عن البيان، أنه على الرغم من الإذن السابق بالمعالجة الجوهرية للمنجز، فإنه ليس من المنتظر أن يقوم “المحرر الأدبي” بإجراء مراجعات واسعة للترجمة، سعياً لإعادة سبك السواد الأعظم من الفقرات –بدرجات لافتة للنظر – وإنما على “المحرر الأدبي” الاكتفاء – عمومًا – بمعالجة الضعيفة والمحرجة منها؛ حيث إن المحرر الأدبي، لا يمتلك ترخيصًا لإعادة ترجمة النص سطرًا تلو الآخر، ولا أن يتجشم عناء القيام بإعداد الكتاب المترجم بالإنابة عن المترجم. هو دوره أن يجعلنا نقرأ الكتاب المترجم ونظن – لوهلة – أن المترجم هو المؤلف، وهنا لك أن تطمئن – عزيزي القارئ – إلى ما تقرأ.
إن دور المترجم نفسه أن يدقق ويحور ويشذب ويضبط موسيقى المفردات كما يدوزن العود أوتاره؛ لقد تعلمت من تجربة “إبداعات عالمية” أن بعض المترجمين لا يعنيه سوى الكم، وأنا أقول لهؤلاء – كما قال هنري ميللر – لا تحرث على نفسك فأنت لستَ بحصانٍ، أنتَ مترجم… ترجم بمتعة لو سمحت!! يقول إيكو: في معرض شرحه لسيرة نص روايته (اسم الوردة): توقفت عن الكتابة لمدة عام بعد أن استقريت على اختيار الراوي وكتابة المقدمة. وذلك من أجل تصميم البناء الروائي، لذا علينا جميعاً أن نتأنى في عملنا، كتاباً ومترجمين. أما إيزابيل الليندي فتصف الكتابة بأنها مثل الشعوذة؛ لا يكفي إخراج الأرنب من القبعة، بل يجب عمل ذلك بأناقة وبطريقة ذكية. ومن هذا وذاك، علينا أن ندرك… أن الأمة التي تستسهل الكتابة الرديئة أمة ستخسر قبضتها على حضارتها وهويتها
وغني عن البيان، أن نشر كتاب – بدعوى أنه أصيل – ليتم نشره تحت اسم كاتب آخر لم يكتبه، تسمى عادة بـ “الكتابة الشبحية” Ghostwriting؛ التي قد تعتبر – بشكل عام – كتابة خفية مسيئة لـ “المحرر الأدبي”، ولربما غير شرعية – بحسب الولاية القضائية في بعض الدول المتقدمة – وإن كان هدفها الانزياح نحو أفق انتظار القارئ، علماً بأنه لا توجد قوانين محددة تتناول بشكل مباشر مدى شرعية هذه الممارسة “الخفية”.
وعلى ذكر “الكتابة الشبحية”، نستحضر أيضاً – علاوة على ذلك – ما اصطلح على تسميته بـ “التحرير التطويري” Developmental Editing؛ إذ أنه من المقبول كثيراً – في عالم النشر – أن يتكفل “المحرر الأدبي” بتوصيف المشكلات الهيكلية والتنظيمية التي تتضمنها – أو تعاني منها – الترجمة، إلا أنه من غير من المتوقع منه أن يقوم بإصلاح هذه المشكلات بنفسه، خصوصاً متى كانت فادحة.
واستناداً إلى ما سبق، فقد يضمن “التحرير التطويري” انخراط “المحرر الأدبي” ووقوعه في المحاذير التالية:
مساعدة المترجم على تطوير فهمه للخطوط العريضة لأصل متنائي، لينحت له مُنجز قابل للنشر!
إصلاح المسودة الأولية إصلاحاً جذرياً.
تحديد الثغرات المخيبة للآمال في تغطية الترجمة.
تجشم عناء وضع كم هائل من الاستراتيجيات لتوصيل المحتوى بشكل أكثر فعالية.
إنشاء ميزات تتجاوز آفاق النص، لتحسين المنتج النهائي، تحركها دواع غير فكرية، لجعل المحتوى أكثر قدرة على المنافسة في السوق.
ومن نافل القول، أن مهنة “المحرر الأدبي” تتضمن في دول العالم الأول – إنجلترا الولايات المتحدة وكندا على سبيل المثال لا الحصر – هرميةhierarchy نسبية، وكأننا في حضرة نظام يتم فيه تصنيف الموظفين وفقًا لـ (الكفاءة – الخبرة)، ومن ثم السلطة النسبية لكل “محرر أدبي” على حده، بناء على المعيارين الأنفين الذكر؛ حيث تُطلق على “المحررين الأدبيين” – في تلك المجتمعات – المسميات الهايراكية التالية:
المحرر الأدبي Copy Editor
المحرر المشرف Supervising Editor
رئيس التحرير الأدبي أو رئيس مكتب التحرير الأدبي Copy Chief & Copy Desk Chief
وتماشياً مع ما تم ذكره، يكون للتحرير الأدبي الحق في إبانة مستوى التدخل في الترجمة عبر ثلاثة مستويات:
تدخل محدود.
تدخل متوسط.
تدخل واسع.
وبطبيعة الحال، فإنه اعتماداً على الميزانية والجدول الزمني لدار النشر، وبناء على تقييم “المحرر الأدبي” لمستوى الترجمة والتحرير المطلوب استخدامه (محدود – متوسط- واسع)؛ تستيقن دار النشر من نوع/مستوى التحرير المختار، وتتمكن بالتالي من تحديد أولوياتها من الإصدارات.
مراجعة الترجمة:
استناداً إلى ما سبق، يجلو أن “مراجع الترجمة” هو أيضاً ثاني لغوي يتعامل مع النص المصدر، عقب المترجم؛ ويكون هدفه الرئيس هو نقل النص بدقة من اللغة الأصلية إلى اللغة الهدف. فإذا كانت وظيفة المحرر الأدبي “ذات طابع خلاق”، فإن وظيفة المراجع “ذات طابع تقني للغاية”، مما يتطلب توافر القدرات ال 5 التالية لديه:
أن يكون قادرًا على فهم النص المصدر تمامًا.
أن يكون قادرًا على فهم سياق النص جيدًا.
أن يكون مستعداً – بما يكفي – لمراجعة الترجمة نحو ملامسة دقة معنى المصدر نفسه. أو أن يتمكن – كما يقول إيكو – لأن يتفاوض بين اللغتين.. تتنازل كل لغة – الأصل والهدف – عن شيءٍ من كيانها التعبيري لصالح اللغة الأخرى.
أن يكون مستعداً – بما يكفي – للدفع بالنص نحو الاقتراب من أسلوب الكاتب نفسه.
أن يكون مستعداً – بما يكفي – لاستخدام المفردات المناسبة فيما يتعلق بنوع أو جنس النص:
قانوني.
أدبي.
طبي.
أن يكون مستعداً – بما يكفي – لمراجعة المفردات، والبحث في صناعتها، ونحتها، بوصفها خاصة بالثقافة التي يمثلها الكاتب. اللغة شرط الوجود وشرط التأنسن وشرط إنتاج المعرفة وشرط تداولها، وشرط التحضُّر وشرط إنتاج الفن. يقول جورج أرويل: لغة الكتاب لها مفعول الموسيقى الخلفية في متجر. ويقول بارت: اللّغة ليست بريئة”. “هي موقف وتاريخ؛ وبالتالي، لا يجوز أن نترجم الكتب، ليعرف الناس أن المؤلف كان يعرف شيئا، بل ليتعلم الناس منها شيئاً.
أن يكون مستعداً لأن يركز – بشكل كبير – على الكفاءة والإنتاجية حتى لا يؤخر عملية النشر، ويضمن أن الدار الناشرة، يمكنها إجالة النظر في المتن، في الوقت المناسب.
علينا أن نعي مسألتين بشأن “مراجع الترجمة” في الإطار السابق:
وظيفة المراجع تمثل جزءاً أساسياً من مجمل عملية التحرير، ولكنها لا تستغرق الوقت لوحدها؛ (فهناك مراجعة أولى وثانية، وإخراج، وطباعة.. إلخ)
! وظيفة المراجع هي أكثر وظيفة تسبب وجع الرأس، بين شتى الوظائف، لأن المراجع يسابق الوقت حتى لا يؤخر عملية النشر، على الرغم من إن وظيفَتَهُ هي الاعتناء بالبحث بهدوءٍ في استكناه واستجلاء جوهر العبارة والأسلوب!
وتقع على “مراجع الترجمة” مهام عدة، نحو تحسين الجودة الشاملة، وذلك بوصفه يقوم بمراجعة المحتوى المستهدف؛ نذكر منها على وجه الخصوص:
الانتباه إلى دقة الكلمات.
الانتباه إلى المهارة في اختيار المفردات.
الانتباه إلى الاستخدام المتسق مع أسلوب الكاتب.
الانتباه إلى القواعد النحوية.
الانتباه إلى علامات الترقيم.
ونظراً لقيام بعض الناشرين – في بعض الأحيان – بتقسيم النصوص الكبيرة بين أكثر من مترجم، فإنه تقع على عاتق مراجع الترجمة مجموعة من “المسئوليات”، كما يلي:
مراجعة الترجمة بأكملها لضمان الوحدة الأسلوبية (وأعني الاستخدام المتسق للأسلوب والمصطلحات).
التأكد من قراءة الترجمة كما لو كانت مكتوبة في الأصل بواسطة المؤلف باللغة الهدف.
الحذر من الإفراط في فرض أسلوب المترجم الخاص.
الحذر من الإفراط في التصحيح.
لا تتمثل مهمة مراجع الترجمة في إضافة لمسة أسلوبية خاصة به، بل في تحسين الجودة والتأكد من تلبية وملامسة توقعات الناشر.
من المهم أن يحرص المراجع على عدم الإضرار بالترجمة؛ لذا وجب عليه البحث في كل مصطلح ليس متأكداً منه، وألا يخمنه تخميناً أبدًا (ويمكن للمترجم أن يساعد بشكل كبير في هذه العملية من خلال ترك ملاحظات للمحرر فيما يتعلق باختيار الكلمات وخاصة العبارات أو المفردات الصعبة).
في أفضل السيناريوهات، سيعمل المترجم والمحرر معاً وفي وقت واحد، ويكونان – قدر الإمكان – على اتصال وثيق.
ومع ذلك، ليس من السهل دائمًا القيام بذلك في مثل هذه الصناعة المُعولمة، وبالتالي غالبًا ما يكون دور دار النشر، ضمان التواصل بين اللغويين المتعاونين في المشروع.
في مستهل خاتمتنا، أود أن أبين أن الهدف من وراء ما سبق، كان الوقوف على بعض المفاهيم الهيكلية، والقوانين المعيارية، المؤسسة، لوظيفتين متقاطعتين، وهما “التحرير الأدبي” و”مراجعة الترجمة”، وتبين مما سبق، أن عمل المحرر الأدبي والمترجم، أشبه بقارب يبحر بمجدافين أو أكثر (المترجم – مراجع الترجمة – المحرر الأدبي)، واللذين يجدفون سوياً في انسجام تام، سعياً للوصول إلى خط النهاية.
وتماشياً مع ما تم ذكره، فإنه في عالم مثالي، يفترض أن يكون المترجمون، محررين لأنفسهم، بوصفهم يجمعون ما بين المعرفة غير المحدودة، والموهبة الأدبية، بالإضافة إلى امتلاكهم الحس النقدي، الذي يسمح لهم بتجنب أي أخطاء قد يرتكبونها، إلا أن ذلك غير ممكن واقعياً، مما يتطلب لجوء المعنيين المذكورين كافة، إلى التعاون مع بعضهم بعضا.
ولا يفوتنا أن نؤكد على أنه على الرغم من أهمية ” الأدوار المختلفة لـ “التحرير الأدبي” و”مراجعة الترجمة”، فإن المترجم يتمتع (أو على الأقل يجب أن يتمتع) بالحق الحصري في اتخاذ أي قرارات تتعلق بالجودة الفنية والجمالية لعمله، وفي كثير من الأحيان، يجب على المترجم/المحرر الأدبي/ المراجع، أن يكونوا على قدر ثابت – قدر الإمكان – في رفضهم قبول أي حل لغوي سيء، حتى لو كان بدعة ابتدعها مترجم/محرر/مراجع متمرس، بل ومن الطراز الأول؛ إذ أنه حتى الأفضل يرتكب الأخطاء، ولسوء الحظ، عادةً ما يكون الأفضل هم الأصعب في إقناعهم بحدوث شيء كهذا.
وحيث أن اللغة كسوة الفكر، كما أن الترجمة نقل للحضارة والثقافة والفكر، فإنه لابد من التأكيد على أنه يجب أن يجيد “المحرر الأدبي” و”مراجع الترجمة” المثاليان، لغة النص المصدر فضلاً عن النص الهدف.
وفي مقابل ذلك، لا تحتاج مشاريع الترجمة المحدودة – عادةً – إلى فريق كامل من الخبراء في مجال “التحرير الأدبي”، لتقديم ترجمة متناهية الدقة؛ إذ تكتفى دور النشر – في هذا النوع من المشاريع – بمراجع واحد، على أن يتولى المترجم نفسه، دور المحرر الأدبي، تشذيباً وتحريراً وضبطاً لموسيقي المفردات. وبطبيعة الحال، فإنه بالنسبة لمشاريع الترجمة المترامية الأطراف، يكون هناك أكثر من شخص مسؤول عن تحرير النص النهائي.
وتأسيساً على ما سبق، يكون الاحترام المتبادل أساس ضروري لأي تعاون بين المترجم والمحرر الأدبي والمراجع على حد سواء، خصوصاً إذا أدرك المترجم أن مهمة “المحرر الأدبي” و”المراجع، هي مهمة المتحدث باسم المؤلف وقراء المستقبل، كما أنه في عملية الترجمة، لا يكون “المحرر الأدبي” أو المراجع” “مؤلفًا” آخر، أو “مترجمًا” ثانيًا، وإذا لم يستطع أي منهما قبول ذلك، فعليهما أن يجربا الترجمة بدلاً من محاولة القيادة من المقعد الخلفي.