رواية

شهد إبراهيم: “مقامرة على شرف الليدي ميتسي” هل تستحق الأمنيات كل هذه المخاطرة.؟!

شهد إبراهيم ★

لطالما أمتعنا البحث عن الكتب والروايات التي تحمل بين صفحاتها الكثير من السحر،  خاصة حين يكون تصميم الغلاف أحد العوامل المؤثرة في اختيار الروايات.
فحين تقع عينك على غلاف رواية ستجده  يوحي من الوهلة الأولى أن الأحداث في فترة زمنية قديمة، فتدفعنا تلك الحقبة الزمنية لاكتشاف ما وراء الغلاف.

سيميائية الغلاف:
على الغلاف صورة لنصف شخص يبدو وكأنه الشخصية الرئيسية، وصورة جماعية تجمع أربعة شخصيات آخرين، ولكن عند النظر إليها ستتساءل، ترى ما الذي يجمع ولداً بدوياً، وسيدة إنجليزية، وضابطاً، مع سمسار للخيول في مكانٍ واحد؟

رواية (مقامرة على شرف الليدي ميتسي) ل “أحمد المرسي” الصادرة عن دار (دَوَن) للنشر، ووصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2024،  وهي رواية اجتماعية تاريخية تدور حول الصبي الفقير (فوزان) الذي يجد نفسه في ليلة استثنائية مجبور على خوض سباق للخيول، بأكبر مضمارٍ خيولٍ في مصر، حيث يجتمع الملوك والباشوات من أجل تحقيق أماني ثلاثة غرباء، في عشرينيات القرن الماضي أثناء الاحتلال الإنجليزي  لمصر في عهد الملك فؤاد الأول.

الموت…بداية كل شيء:
في السطور الأولى لمقامرة على شرف الليدي ميتسي تدرك أنك في عالم روائي محكم، حيث تبدأ الأحداث بعتبة أكثر من رائعة، وفاة شخص ما يُدعى فوزان وحيداً فقيراً، وعندما عرف (غالب) ـ ابن عمه ـ خبر وفاته ذهب مسرعاً لا لحبه للفقيد بل بحثاً عن ميراث ضاع وتاريخ طويل من الانتظار لتلك اللحظة التي يسترد فيها الإرث المنهوب، ولكنه سيعثر على  صورة فوتغرافية لرجلين وسيدة وصبي يبدو له أنه هو فوزان، فكانت هذه الصورة هي مفتاح التشويق والفضول الذي  يدفعك لمعرفة قصة هؤلاء الأشخاص، وسبب اجتماعهم معاً.

أحمد المرسي

1920 السنة التي تدور فيها أحداث الرواية كاملة، في مضمار (هليوبليس) لسباق الخيول المعروف الآن بالمريلاند، طريق أمنيات الأحلام الذي تصادم مع قسوة الحياة وجمعهم في إطارٍ معاً.

صراعات طبقية

تبدأ الحكاية ب “سليم حقي” الضابط الذي تنفلت منه الحياة في لحظة ثورة، ويتم فصله من العمل، فيلجأ إلى للمراهنة، ومنها إلى سباقات الخيول، فيتعرف هناك على ” مرعي المصري” الذي يعرض عليه أن يساعده في بيع حصان لسيدة انجليزية، التي تحلم بالفوز على أمل عودة ابنها الوحيد، فيقرروا السفر إلى البدو ـ مكان مشهور لبيع الخيول ـ ويقابلون هناك الصبي فوزان الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، والذي ستتفتح عينيه في ذلك العالم المتضارب.

بأسلوب بليغ لتكتمل صورة الصراعات الطبقية، وأحلام وأمنيات صعبة ولكنها مشروعة، وقد استطاع الكاتب أن يجعل القارئ يتعلق بكل شخصية تعلقاً مرضيّاً، حيث أضاف لكل شخصية دوافع ومبررات وتاريخ سابق لها يجعلك تعيش مع كل شخصية جميع لحظاتها، حتى الشخصيات الثانوية، تجعلك تتأثر بمرض “عايدة” ـ زوجة الضابط سليم ـ وتشعر  بحسرة “سليم”  بعد تعرضه للفشل مراراً و تكراراً، وتأوهات “فوزان” وهو يُضرب، وحتى أصوات صهيل الخيول  في السباق.
صورة سينمائية 
وقد استخدم أحمد المرسي الألفاظ التي عبرت عن الخيول والرتب العسكرية والأماكن، التي تجعلك تشعر وكأنك رجعت للوراء مع الأحداث، مثل: الكراكول، وألفرنكة،  وغيرها من الكلمات التي جعلت القارئ يعيش ذلك العالم بكل تفاصيله، بالإضافة إلى الوصف التفصيلي للمكان، الذي ساعد على المعايشة.
كانت مقامرة على شرف الليدي ميتسي بمثابة صورة سينمائية مبهرة، فتمكن الكاتب من جميع أدواته، كالمخرج الذي ينجح في توظيف جميع العناصر لخدمة عمله الفني.
المشي في شوارع مصر الجديدة 
اعتمد الكاتب أحمد المرسي في بنائه للرواية على أسلوب “الفلاش باك” حيث بدأ روايته بما بعد النهاية، وها قد طلع الفجر على غالب و الصورة في يده و كأنها قالت له كل تفاصيلها، بأسلوب ممتع وشيق، دون إسهاب في الأحداث يصيب القارئ بالملل.

“إن هؤلاء الذين لم يصلوا لأمانيهم يعيشون طوال حياتهم وهم يجرونها وراءهم كمن رُبِطَت فيه جثة”
  لم تكن النهاية مفتوحة، أو سعيدة  بعد كل ذلك العناء، ولكن برع الكاتب في عرض نهاية كل شخصية، بشكل توافق مع مغزى الرواية، حيث عادت “ميتسي” إلى إنجلترا بعد أن تأكدت أن لا شيئاً يمكن أن يعيد لها ابنها الميت، و أدرك “سليم” أنه أضاع حياته في سراب، ووهم، ويعود الصبي”فوزان” إلى بلده، وظلت “عايدة” تراسل فوزان لفترة ولكن الخطابات انقطعت.

عند الانتهاء من الرواية ستشعر أنك بداخلك رغبة قوية في المشي في شوارع مصر الجديدة التي لم تعد كذلك، ولكنها ما زالت تحتفظ بالاسم ذاته، وستبحث حتماً عن مصارعة الديوك وسترى قصر الاتحادية بشكل مختلف عندما تتخيله مقراً لسباقات الخيول.
تتعدد المناصب بين البشر وبيئاتهم ورغباتهم ولكن مهما اختلفوا، تظل هناك احتياجات راسخة في النفوس، تسبب أحياناً تلك الاحتياجات في ظلم وأذى لكثير من الأطراف، دون معرفة الجاني من البريء.


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى