أخبار ومتابعاترأيمشاركات شبابية

ريم ياسين: هل تحولت القضية الفلسطينية إلى تريند؟

ريم ياسين ★
ما زالت الأحداث الراهنة التي يواجهها الفلسطينيون، تثير عواطفنا، وهذه الأنفس التي تشعر أنها مقيدة في ظل ما يجري ، وهنا اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي، قدرًا كبيرًا في عرض المواضيع الخاصة بفلسطين، وإظهار مساوئ الاحتلال الصهيوني، مع التنديد بالانتهاكات، ونشر الوعي بالحق المستحق لأصحاب أرض الزيتون، لذلك لاقت تفاعلًا كبيرًا من مختلف الفئات العمرية بشكلٍ عام، والشباب بشكل خاص.

هل حقًا أثَّرَ صُنّاع المحتوى في القضية؟
تنوّعت الأساليب لدى المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، فمنهم من استغل محتواه  في التعبير عن حالة الاستياء، أو الغضب، التي يشعر بها من مَشاهد الذعر التي تنشر، فمثلًا كان منهم من ينشر يوميًا على حالته الشخصية، صورًا لفلسطين، أو تراثها، مع تغيير صياغة الكلام، لمنع سياسة التطبيقات، التي تستهدف منع ذلك المحتوى، أو حتى ذكره،  ومنهم من تناوله من منظور نسوي، مثل هدير حميد -صاحبة محتوى التجميل، والصحة الغذائية، والمشاكل التي تواجه النساء عامة – حيث قامت بتغيير صورة ملفها الشخصي، أنها تساند القضية مع نشر طلبها المستمر، في إغاثة النساء في قطاع غزة، وتوفير احتياجات المرأة الطبية  والشخصية، مع توفير  المستلزمات الطبية، في عمليات الولادة؛ فأثناء القصف قامت العديد من السيدات الفلسطينيات بالولادة القيصرية، دون مخدر، بالإضافة للعمليات الجراحية، التي قام بها الأطباء للأطفال، على سبيل المثال بتر القدم، و هم في  كامل وعيهم.

هدير حميد

وصانعة المحتوى رنا ريفيو -التي يشتمل محتواها على النصيحة بأفضل منتجات العناية بالبَشَرة- قامت باستغلال ذلك في تشجيع الصناعة المصرية، واستبدال المنتجات التي تدعم الاحتلال الصهيوني، بمنتجات محلية إثْرَ المقاطعة، وذلك ظهر بشكل ملحوظ في زيادة المبيعات المصرية، واتجاه الشركات بتوفير هذه المنتجات، بدلًا من المنتجات العالمية.

استغلال الموضة والمهارات المختلفة في تدعيم القضية .
كما كان العرض المستمر للموروثات الفلسطينية من مأكل وملبس، وتكذيب الإعلام الإسرائيلي في استغلال هذا التراث له، فمثلاً ظهر حسام الكيلاني- الذي يُقدِّم وصفات الطعام الخاصة به- والذي قَدّم مقطع فيديو، وهو يُعِدُّ طبقًا من المأكولات الشعبية الفلسطينية الشهيرة، وتَضَمَّنَ المقطع  إنكار تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في نسب هذه الأكلة الشعبية الفلسطينية، للكيان الصهيوني.
أما مصمم الأزياء المغربي وعزيز بقاوي، الذي أنتج مجموعة كاملة من الملابس، التي يبرز بها علم فلسطين، وألوانه بشكل احترافي، بتوازن مع صيحات الموضة المنتشرة الآن.

من عرض أزياء عزيز بقاوي

وكان هذا متناقضًا مع إحدى العلامات التجارية  العالمية المعروفة، وما أحدثته من جَدَل في الأيام القليلة الماضية، حيث نشرت صورًا تتضمَّن مجموعة من الأشخاص تغطيهم الأتربة، مرتديين الملابس البيضاء، أو الأكفان، وتتصدر الصورة فتاه بملابس من اللون الاسود، وهو ما أثار غضب المستخدمين على موقع انستجرام خاصة، حيث حلّلوا تلك الصور، على أنها سخرية مما يحدث في فلسطين، بسبب التشابه الظاهر بين الصور، والواقع ، لذلك لاقت تلك الشركة، قدرًا غير مستهان به من الهجوم، الذي دفعها إلى حذف الصور نهائيًّا من على ملفها الشخصي، و نشرت بيانًا تُوَضِّح فيه موقفها قائلة: “تأسف ( ……)   على سوء الفهم، ونؤكد من جديد احترامنا العميق تجاه الجميع “، مما عزّز من زيادة الثقة لدى الشباب، أن صوت القضية أصبح مسموعًا على مستوى عالمي.

وكان للمهارات الكلامية، دورٌ في الدعم،  فمن المؤثرين  أيضًا من استغَلَّ  مهاراته في صياغة لغته  المختلفة، سواء الألمانية، أو الإسبانية، في التحدث بشكل كامل عن تاريخ القضية بهدف إيصال هذه الحقيقة، لسائر المجتمعات الغربية، أمثال موندا ميكاوي، ومريم الحراقي، اللتين يختلف  محتواهن تمامًا عن ذلك، ولكنهما أرادتا أن تصبحا ذواتا تأثير، ولو بنسبة قليلة، والعديد من المؤثرين، الذين يستخدمون مهاراتهم المختلفة، لتوضيح القضية.

موندا مكاوي

ولن ننسى بالذكر حلقة الدحيح، الذي قام فيها بالسرد الكامل للتاريخ الفلسطيني، من البداية، وحتى الأحداث الراهنة، والتي من وجهة نظري ليست فقط للدفاع عن القضية، ولكن هي توعية هادفة للأجيال الصغيرة على وجه الخصوص، و تغذية عقولهم بالمعلومات الصحيحة، بشكل مبسط، بعيدًا عن السموم، التي تبُثُّها مواقع التواصل الاجتماعي، لتضليل تلك العقول، في محاولة لتشويه ثقافتها.

هجوم على النطاقين المحلي والعالمي.
وبين مؤيد ومعارض، تضاربت الآراء حول دعم المؤثرين، ومحتوياتهم المختلفة ، فبالرغم من الصورة الإيجابية المذكورة في المقال أعلاه، إلا أن عددًا كبيرًا منهم، تعرض للهجوم، أو واجهوا العديد من التعليقات السلبية، لمجرد عودتهم لممارسة حياتهم بشكل طبيعي، فتَمَّ اتهامهم أنهم نسوا القضية، مع إنكار أنهم بشر في آخر الأمر، وأن منهم من لا يحتمل رؤية مَشاهد القصف والخوف، التي أصبحت جزءًا من حياتنا في مختلف الوسائل الإعلامية، والتكنولوجية، وهذا ما تعرضت له صانعة المحتوى، خبيرة التجميل نوران طارق، بعد أن ظلت فترة تقوم بنشر الصور عن القضية، والتوعية بها، ولكن بمجرد إعادة نشرها لمقطع فيديو يتضمَّن محتواها عن أحد مستحضرات التجميل، لاقت عددًا من التعليقات السلبية، المليئة بعبارات اللوم ، ما دفعها إلى الردّ قائلة “كونها صانعة محتوى ليس مجرد هواية، وإنما مصدر دخل،  وعودتها لصناعة المحتوى لا يعني توقفها عن نشر ما يحدث”.
ولكن من ناحية أخرى دفع هذا الضغط الجماهيري، تراجع بعضهم، واختفاءه لفترة عن مواقع السوشيال ميديا ، ولم يكن هذا الهجوم عربيًّا فقط ، بل تَعرّض أيضاً، العديد من فناني هوليوود، للسخط الجماهيري، بعد ظهور دعمهم الاحتلال الصهيوني، مثل سيلينا جوميز التي قَلَّ عدد المتابعين لها إثْرَ نشرها أنها ترى أن إسرائيل هي التي تُقصف، وأن مقاطع القصف نابعة من غزة، وليس العكس،  بالإضافة إلى الممثل العالمي ذا روك، الذي لاقى أيضاً تراجع حب الجماهير له، منذ بداية الأحداث، فقد عبّر عن الأحداث الراهنة، بطريقة داعمة للكيان الصهيوني، ولكن مع استخدام التلاعب اللفظي، ومن ضمن من استخدم هذا التلاعب، كان اللاعب محمد صلاح، والذي هاجمه الجمهور العربي على وجه الخصوص، بعد استخدام جملة “جميع الأرواح مقدسة”، وأثَّر هذا الهجوم عليه بشكل كبير، لذلك قام بعدها بنشر مقطع فيديو، يوضح فيه سوء الفهم، وتغيير سياق الكلام، الذي نشره سابقًا.

حصدت السجادة الحمراء عددًا من الداعمين للقضية.
في الأيام القليلة الماضية، كان حدث مهرجان البحر الأحمر السينمائي في السعودية،  الأكثر رواجًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جمع حشدًا ضخمًا من فناني العرب والعالم ، قام المهرجان بتكريم عدد من الفنانين العرب، ولكن كانت كلماتهم عند استلام الجوائز مختلفة عن المرات السابقة، ظهر لديهم استغلال الأضواء في التحدث عن القضية بهذا الصوت العربي أمام الحشد العالمي المتواجد بشكل كبير، فمثلاً عند استلام منى زكي الجائزة، طلبت التحدث باللغة العربية اعتزاز لها، وتكلمت قائلة “إن الإنسانية لا تحتاج مؤسسة توضع لها قوانين، بل هي سمة فطرية يولد بها الفرد” ، كما تركزت الأضواء بشكل كبير على المخرجة الفلسطينية فرح نابلسي، بعد استلامها لجائزة أفضل ممثل نيابة عن الممثل الفلسطيني صالح بكري، عن فيلم “الأستاذ” نادت قائلة بكل ما تحمله من آسى :” أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة “، ولم ننسَ بالذكر الفنانة القديرة يسرا، فقبل تسليمها الجائزة لأحد الفنانين وقفت قائلة: “فلسطين دائمًا في قلبنا” ، كما أضاف عددٌ من الممثلين رموزًا لدولة فلسطين، في ملابسهم، مثل الفنانة السعودية فاطمة البنوي، التي وضعت علامة “البطيخ” في ردائها، وهو الرمز الذي انتشر استخدامه في الفترة الأخيرة للتعبير عن القضية.
و على المستوى المحلي قامت الفنانة المصرية ياسمين عبدالعزيز، وزوجها أحمد العوضي برفع العلم الفلسطيني في أثناء تواجدهما على السجادة الحمراء، في حفل توزيع جوائز وشوشة، معبرة عن فعلها قائلة: “كلنا لازم ندعم القضية”.

كما اتخذ العديد من الفنانين، موقفًا حاسمًا في حياتهم العملية، خاصة بعد وقوع الأحداث المأساوية،  فبعد ثلاثةَ عشَرَ عامًا، اِستقالت الفنانة هند صبري من برنامج الغذاء العالمي، كما قرّرت التخلِّيَ عن دورها كسفيرة للنوايا الحسنة، لبرنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، وهذا ما نشرته على صفحتها الخاصة ع عبر تطبيق انستجرام، مُعبّرة عن محاولة إيصال صوتها، في منع استخدام التجويع كحرب، ولكن المنظمة قدّمت القليل في مساعدة أصحاب القضية، و أنها كانت تتوقع أكثر من ذلك، مثلما نجح البرنامج مسبقًا في إيصال المساعدات لدول أخرى.

هل استغل الجميع مواقع التواصل الإجتماعي بالشكل الصحيح؟
 لا نُغفِلُ أن التكنولوجيا سلاح ذو حَدّين،  فظهر عدد من المستخدمين، الذين يُفَعِّلُونَ الهاشتاج الخاص بفلسطين، لمجرد الشهرة، أو رفع الوشاح، أو علم فلسطين، لجذب الأنظار نحوه، في محاولة لإظهار تلك الصورة البطولية، مع عدم حقيقة شعوره، أو انتمائه للقضية، بالإضافة إلى  انتشار  الأغاني الفلسطينية، خاصة على مقاطع التيك توك، لمجرد زيادة عدد المتابعين، حتى أنها في معظم الأحيان تكون عبارة عن مقاطع عبثية، لا تنتمي للواقع، ولا ترتبط مع أحداث القضية بأي شكل من الأشكال ، فعلينا هنا توجيه العقول إلى ما هو حقيقي بالفعل، وأنها ليست مجالاً للشهرة، وإنما حق سياسي، ووجداني لأصحاب الأرض الفلسطينية.
فهل سيستمر التشهير بالقضية على أساس الإنسانية، والواجب، أمْ لزيادة المشاهدات؟


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى