أخبار ومتابعاتتشكيلمشاركات شبابية

ريم ياسين: دروعٌ فنية ضد الاحتلال.

ريم ياسين ★
في ظل الأحداث المأساوية الراهنة التي يواجها أشقاؤنا الفلسطينيون ومحاولة الاحتلال الصهيوني كفكر أي احتلال محو تراث فلسطين العريق ..يجب توجيه الأنظار لما عاشه و بناه هذا الشعب على أراضيه من حياة مليئة بالفنون خاصة الفن الكنعاني ونشر وإبراز الثقافة الفنية لدولة فلسطين وأهلها.

ما هو الفن الكنعاني ؟
استطاع الفنان الفلسطيني ببراعة المزج بين ثقافات البلاد المجاورة له مثل مصر وبلاد الرافدين وسوريا؛ ليقوم بخلق فنا مميزًا من خلال هذه العناصر المختلفة؛ليعكس الوجه الحضاري للإنسان الكنعاني، والفن الكنعاني متصل بالفن والرسم والنحت والعمارة بالإضافة إلى الموسيقى التي كانت ترتبط بالطقوس الدينية التي يعبر من خلالها الفنان عن العادات والتقاليد الموروثة في المجالات المتباينة التي أدت إلى بلورة الحضارة الفلسطينية وهو صاحب القدر الأكبر في الموروث الحضاري والتعبير عن الأفكار التي يحاول من خلالها تحويل مواد أولية لأشكال جميلة ولأنه يعتمد اعتمادًا كاملًا على حاسة البصر فكان بمثابة المترجم الذي يصل لكل اللغات و الشعوب لذلك كان يندرج تحت مسميات الفنون المرئية لذلك سنتطرق قليلًا إلى أشكاله.

أشكال الفن الكنعاني:
النحت : امتاز بوجود القليل من التماثيل كبيرة الحجم على عكس التماثيل الصغيرة الموجودة بكثرة وامتازت بأنها مصنوعة بدقة فائقة لإبراز الملامح العامة له
و كان تحديد نوع التمثال على حسب نوع المادة المصنوع منها مثل التماثيل الطينية المعثور عليها في مدينه “أريحا” التي عثر بها على تماثيل تقارب النسب الطبيعية للإنسان العادي، وانقسم الطابع الفني إلى طابعين في ذلك الوقت:
الأول عند فناني الجناح الشرقي الذي يمتاز بتجسيد الأفكار القديمة بأسلوب قديم مثل تمثال “ربات المياه”
على عكس الطابع الثاني : وهو عند فناني الجناح الغربي وقاموا بتصوير الأفكار القديمة بأسلوب جديد مثل تمثال صانع الملك “يارليم ليم”
و غيرهم من المنحوتة بدقة، ولكونها تماثيل لآلهة فكانت مرتبطة بالوازع الديني أكثر كما انشق قسم لفرع الرسم وهو فن النحت الاسطواني.
فن النحت الاسطواني وعلاقته الدينية:
من المتعارف عليه أن العصور القديمة في كافة الحضارات كان لها آلهة مخصصة لكل عبادة أو احتفالٍ خاص بهم فكان للكنعانيين صلة أساسية بالإلهة “عشتار” أو كما أطلقوا عليها (الإلهة الأم)؛ لذلك قام الكنعانيون بتصوير هذه المعتقدات الدينية وصياغتها بشكلٍ مختصرٍ على الأختام الأسطوانية وحازت الإلهة” عشتار”على القدر الأكبر في هذا الفن أسبقية الحضارة الكنعانية عن الحضارات الأخرى: توارثت الأجيال القديمة هذه الفنون و جمعت بين ما هو تقليدي و ما هو أجنبي فبرعت في الأعمال المعدنية المعدة بإتقان وامتيازها بالبساطة والوضوح و ذلك أثبت بما وجد من تماثيل مصنوعة من البرونز والفضة في ساحات مدينة بيلبوس.
أما بالنسبة للعمارة : بالتدليل عليها وجود رسائل في مدينة “مجدو أوغاريت “تدل على أن الملوك كانوا يتنافسون على تزيين قصورهم بالنقوش والتحف الفنية كما أشاد المؤرخ” موسكاني ” أن فلسطين هي الأسبق في فن العمارة على مر التاريخ ولكن مع مرور الوقت بدأ اختفاء الصفة الجمالية للقصور و استبدالها بالحصون والقلاع؛ لحماية الممالك من أطماع الغزاة على مرور العصور كان لكل عصر ما يميزه فمثلًا.

الأيقونية والمسيحية:
هاجر العديد من فنانين الرهبان والقساوسة إلى فلسطين ومن خلال البعثات التبشيرية والمدارس الفنية التي أقيمت تعرف المواهب الفلسطينية على الأدوات الفنية الغربية وفن التصوير الأيقوني المصاحب بشكل رئيسي للديانة المسيحية و من هنا اصبح فن مؤسلب له أهداف محددة، فكان بناء البازيليكا تعني بالإغريفية: عرش الملك أو الصالة الملكية وهي من أهم المباني في المدن الرومانية القديمة و مع انتشار المسيحية و امتيازها بالنطاق الواسع استخدمت حين ذاك كمصليات فكانت أول بازيليك الميلاد (كنيسة المهد) بالقدس
تغلب المسيحية على النحت:
وظهر ذلك بوضوح في تصوير قصص المسيح والقديسين بإتقان؛ لمحو الفكر الوثنية السائد في ذلك العصر وانتشر بها استخدام اللون الذهبي والفضي كألوانٍ جديدة في تصوير الأيقونات المسيحية التي تغرس قيمها الاخلاقية، ومع الفتوحات الإسلامية تطور هذا الفن أكثر واختلفت تقديماته من الفنون التشكيلية؛ لتواكب معتقدات هذا الدين الجديد.

التشكيلية والإسلامية :
جمع الدين الإسلامي الظروف التاريخية لمختلف البلاد بدخول شعوبها الإسلام فكان له خصوصية مزج الحضارات وأخذ العادات التي تناسبه منها وظهر ذلك في المخطوطات والزخرفيات التي تميز بها العصر الإسلامي مع إبراز قيمة التواضع في صناعة الحلى و المشغولات وتزينها بخطوط الذهب والفضة حتى في بناء المساجد مال الفنان للبساطة واستخدام الزخرفة بشكلٍ رئيسي في فنه مثل ما أُقيم في المدينة والفسطاط.
الأموي التشكيلي:
استمد الأمويين كثيرًا من الرومانية والبيزنطية ولكن مع غرس الفنون الإسلامية والتركيز على ما يتوائم معها وكان سببًا في ذلك الفتوحات الإسلامية التي ساعدت في إلهام الفنانين المسلمين
و من إبداع الأمويين كان استخدام فن الفسيفساء التي كسو بها الجدران والأرضيات وظهر الفن الزخرفي المعماري كأول وأقدم محاولة في زخارف قبة الصخرة و تغطية جدرانه بنفس الشكل الفني، مع تطوير عمارة المساجد؛ لتصبح أكثر فخامةً مثل المسجد الأموي بدمشق.

مع مرور الوقت ونظرًا لما تعرض له الشعب الفلسطيني من سلسلة مؤامرات والرغبة في نزع الأرض من شعبها الأصلي ظهر العديد من رواد الفن المعاصر الذي كان بمثابة مرآه تعكس لنا الحياة المسلوبة من الشعب الفلسطيني الذي امتد طغيان الاحتلال الخالي من الإنسانية إلى يومنا هذا.
و أبرز أسماء الفنانين في هذا العصر: إسماعيل شموط إسماعيل شموط ” عين ترى ..و قلب يرسم”
فإسماعيل شموط كان من ضمن ساكني مخيمات اللاجئين ، ولكن حالفه الحظ واستطاع الدراسة بكلية الفنون الجميلة في القاهرة،فاستغل ذلك في إظهار معاناة شعبه في لوحاته الفنية ودعمها للقضية الفلسطينية.

وبتناول واحدة من أروع لوحات الفنان “إسماعيل شموط”وهي لوحة العطش، رُسمت اللوحة في الخمسينات التي تعبر عن الفترة العصيبة التي مر بها أهل اللد أثناء تهجيرهم في ذلك الوقت،حيث ظهر في خلفية اللوحة الألوان الساخنة بوضوح التي تدل على ارتفاع درجات الحرارة المسببة للتعب والشقاء طول الطريق كأن الأرض الخصبة التي تمتلئ بالخيرات وأشجار الزيتون تتحول لصحراء جرداء أثر ما فعله الاحتلال من أعمال تخريب، والتركيز في منطقة الوسط على فكرة الحاجة الظاهرة للماء لتوضيح أن أبسط ما توفره الطبيعة تقديمه غير متاح، وهذا ليس بالغريب فشاهدنا ما حدث ويعيشه سكان غزة من فقد لوسائل الحياه العادية لسببٍ غير مبرر.
وبالنسبة للكتل فقد أبدع الفنان في تصويرها حيث أبرز فكرة الدموية والمذابح النازية السائدة التي مازلنا نشاهدها، ففي أعلى اللوحة تظهر آثار الدماء، ومن يقوم بإخفاء وجهه من بشاعة المشهد والأب الذي تتملكه الحسرة على ابنته الشابة “بأي ذنب قتلت !” ومن وجهة نظري إبراز نوعين من النساء من ترتدي الحجاب ومن لا، هو كناية عن الإسلام والمسيحية، وأن الاحتلال لا يدمر ديانة بعينها بلا أنه يمحو شعب بمختلف الأعمار ولا يستثنى العجائز والنساء وأطفالهن؛لذلك ظهر بوضوحٍ الزوج الذي يحمل زوجته وعلى يديها أطفالها مادًا يده ناحية السماء؛ لطلب الخلاص هو لم يخسر بيته المبني من الأساس بل فقد بيته المبني من أشلاء بقايا من روحه بين يديه وظهر ذلك في عدد من الكتل
و قام بالتركيز في مقدمة اللوحة على المرأة التي تحمل طفلا داخلها، ومن هنا يمكن أن نرى أن ليس تهجير المواطنين والاحتلال بل إبادة أجيال لم تر أرضها بعد، بالإضافة إلي كتلتين مكونة من طفلين يحتضن كلاهما الآخر فليس لهما ملجأ إلا بعضهما بعد سلب مصدر الأمان الوحيد لهما.
بالتأكيد تكرر في ذهنك المشاهد المؤلمة الحالية، عقلك ملئ بأصوات الأهالي و الأطفال الذين يصرخون في كل بقاع غزة و لا منجي لهم غير الله، فنفس المشاهد تتكرر نفس البيوت تهدم نفس الأوصال تقطع ومشاهد الفقد تظهر أمامنا من قتل و نهب و خراب غير مستحق،فهل كان إسماعيل يرى بعينه ما يجرى حينذاك أم رسم بقلبه ما نشهده الآن؟


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى