شيماء مصطفى: “تاريخ آخر للضحك” لـ ليو جين يون ..أنشودة متأرجحة بين الواقع والفانتازي.
شيماء مصطفى ★
في إصدار دار الحكمة ” تاريخ آخر للضحك” 2024 للكاتب الصيني ليو جين يون وبترجمة د.أحمد السعيد ، و يحيى مختار ثمة تدخلات وتنقلات في المهاد المكاني بين مدينتي ووهان ويانجين، والسرد التتابعي أحيانًا، وبتقنية الفلاش باك أحيانًا أخرى لثلاث أجيال من عائلة واحدة.
إذ تدور أحداث الرواية حول الابن مينغ ليانغ الذي انتحرت أمه يانغ تاو ، واضطر أبيه تشن تشانغ للانتقال من مدينة يانجين إلى مدينة ووهان من أجل العمل ، وهناك يتزوج من أخرى ، ولكن سرعان ما تتضح الرؤية أمام الصغير الذي اكتشف أن أمه لم تمت منتحرة كما يعرف هو والآخرون بل السبب جنية تدعى هو آرنيانغ التي زارتها في منامها مطالبة إياها أن تلقي عليها النكات كي تدعها وشأنها، ولأن يانغ تاو لسوء حظها كانت في حالة لا تسمح لها بإلقاء النكات بسبب خلاف نشب بينها وبين زوجها تشن تشانغ على حزمة كراث، كان مصيرها الموت مثلها مثل كل من زارتهم هو آرنيانغ في منامهم وعجزوا عن إلقاء النكات، فبفضلها تحول كل سكان يانجين إلى متنافسين في حفظ النكات للفرار من قبضتها.
أما روح الأم يانغ تاو فقد عانت من سوء الحظ هي الأخرى مثلما عانت وهي حية فوفقًا لقوانينهم لا تدفن المنتحرة في مقابر العائلة، فكان نصيبهم أن يرقد جثمانها بجوار جثمان مغتصب وقاتل اغتصبها وانتهك حرمة جسدها، فاضطرت الروح للانتقال إلى ووهان عن طريق صديق زوجها يانشنغ بعدما سكنت معدته ، وقد وضعت شرطًا لتغادره تمثل في أن يصطحب روحها إلى زوجها في ووهان لتجبره على نقل جثمانها لمقبرة أخرى .
هرمنيوطقيا المكان
عند قراءة تاريخ آخر للضحك من منظور مكاني لا يقتصر الأمر على الطبيعة الجغرافية لمدينتي ووهان ويانجين باعتبارهما بؤرة مركزية للسرد، بل من خلال هرمنيوطيقيا المكان بكل ما يشمل من عوالم ومعالم مباشرة ومادية وعوالم ومعالم مشفرة ، برؤية تتسع لساكني هذه البؤرة وزائريها والمتسكعين بها ، بما فوق الأرض ومن هم تحتها، ومن هم أرواح معلقة في سمائها ويتسللون إلى البشر عبر الأحلام كالجنية هو آرنيانغ وحبيبها الغائب، والأم المنتحرة يانغ تاو، والزوج تشن تشانغ، والصديق يانشنغ، والابن مينغ ليانغ، والجدة وغيرهم…” حتى الأشجار والنباتات .
وقد جاء الحوار كاشفًا للجوانب الإنسانية للشخصيات، وما يدور بداخلها من صراعات.
وقد كانت البنية الحوارية موظفة بشكل جيد ومتسقة مع البنية السردية .
ثمة تضافر قوي بين الواقع والفانتازي بطريقة تعكس الأطر الأيديولوجية والموروث الثقافي والفلكلوري لدولة بحجم الصين فنتعرف ثقافتهم وعاداتهم من خلال نصوص أدبائهم، ولا يقتصر التواصل الثقافي عبر الأساطير كأسطورة الأفعى السامة ، ومعرفة أعيادهم كعيد زيارة القبور، وحسب بل من خلال التعرف على فترة هامة في تاريخ الصين ورحلة صعودها على المستوى الاقتصادي عبر أشخاص اتسموا بالبساطة في تطلعاتهم، والعمل بشكل نهم .
فضلًا عن الإشارة إلى دور الفن في تفريغ رواسب متراكمة كالأم التي كانت تجيد الغناء يانغ تاو، والأب تشن تشانغ حين عاد بعد سنوات للتمثيل بمحض الصدفة أثناء تواجده في تجمع خاص بعمله الجديد في ووهان، والعم السادس.
” مهما سار النبيل رفقتي لألف ميل، من المؤكد أنه سيكون هناك وداع”
ولم ينس ليو جين يون الإشارة إلى أن ذاكرة الصغار لا تسقط حدثًا ، من خلال تذكر الطفل الصغير مينغ ليانغ الذي ظل متشبسًا بحكايات جدته وأثرها، مثلما تذكر سوء معاملة له وشحه المادي والعاطفي.
العمل في مجمله رائع في نسجه وتداخلاته البنيوية ، وهو ينتمي في تكوينه للواقعية السحرية، والتي لولا الترجمة المتقنة ما خرجت إلى العربية دون أن تشوبها شائبة.
★ سكرتيرة التحرير.