أعلام النقد

د. أحمد شرجي: با حسن المنيعي عَرَّابُ الدرس النقدي

د. أحمد شرجي★

هذه التسمية المحببة له (با حسن المنيعي)، وهو بالفعل أب للجميع، عندما التقيه للمرة الأولى بعد أن عرفته عبر إصداراته العديدة، وما تمثله من مرجعيات ثقافية ومسرحية، تُدهش لضآلة جسده، فكيف لهذا الجسد النحيل، أن يحمل هذا الرأس المشتعل فكراً وثقافة ومعرفة وأسئلة شائكة؟
المنيعي معلم كبير، ومهم على المستوى العلمي والثقافي والإنساني، لا يشعِرُك بفقرك المعرفي، وثقافتك عند الحوار، بل يولي لآرائك كل الأهمية، ويتفاعل معك بالحوار، حتى تتيقن بأن آراءك مهمة، ولكن عليك بمراجعة نفسك، لأن هناك معلومات غير دقيقة، وهذه الأخيرة هي التي يريد أن يوصلها لك، وحتى لا يشعرك بالحرج، يذكر بأن دراسته والقراءة بالفرنسية، منحته حرية كبيرة ومهمة، بالاطلاع على أهم الإصدارات الحديثة، وفي لغتها الأصلية، ولهذا يؤكد دائماً، بأهمية الترجمة للطروحات والنظريات الحديثة، بدلاً من الكتابة عنها، واستنساخها حرفياً، ووضع اسمك مؤلفاً بدون وجه حق، وكل ما فعلته اجترار وتحوير للمصدر الأصلي، لأنك لمْ تضفْ شيئاً جديداً، بل أنت قرأت، وأعدت تحريره باسمك، وهذا نجده في كتابات الكثير من الكُتَّاب الأولين والآخرين، ولعل ما يؤكد ذلك كتاب عباس محمود العقاد (وليم شكسبير)، حيث استنسخ العقاد كل ما ذكره (أ.س. برادلي) في كتابه التراجيديا الشكسبيرية، وقدمه لنا العقاد كمؤلف شخصي، وهناك الكثير ممن ينطبق عليهم رأي المنيعي.
آراؤه لا تنفصل عن كتابته، ولهذا اهتم كثيراً بالترجمة من الفرنسية، لأهم المقالات والطروحات النقدية والنظريات، ومن ثَمَّ يجمعها، ويصدرها في كتاب كما في كتابه (سيميولوجيا المسرح) وغيره، وأكثر مؤلفاته الشخصية، تتحدث عن المسرح المغربي منذ نشأته، وحتى الأجيال الجديدة، ولعل كتابه المهم (أبحاث في المسرح المغربي) شاهداً على ذلك، ويعد الكتاب مرجعاً لكل دارس للمسرح المغربي وتجربته المتنوعة، قبل وبعد الاستقلال، والمظاهر الدرامية، والفرجات الشعبية في المغرب.
أينما ألتقيه في المغرب أو القاهرة أو بغداد، أرافقه كلما سنحت الفرصة لذلك، للتعلم من حواره المعرفي المثمر دائماً، وكيفية الاصغاء للآخر، لأن الإصغاء فن لا يجيده الكثير منا، فهو يمنحنا فرصة تكوين رأي حقيقي وراكز، ولعل الدرس المهم الذي تعلمته منه؛ هوعدم الإنشاء والدوران حول الفكرة، التي تريد أن تقولها أو تكتبها، بل الدخول مباشرة بالموضوع، حتى تمسك بالقارئ /المستمع إلى ما تكتبه/ تقوله، وكثيراً ما يؤكد على ذلك، ويشكل كثيراً على المتحدث والكاتب بأنه (أضاع فكرته بالإنشاء والاستعراض اللغوي) وإذا قرأت المنيعي جيداً، ستجد ذلك في كتاباته، كل سطر فيها مهم، ولا يمكن حذفه أو تجاهله، لأنه يرتبط بالفكرة والموضوع، بعيداً عن الإنشاء، واستعراض المفاهيم والمصطلحات، بل يعرف ماذا يريد أن يقول، وهوحاذقٌ باحترافية عالية لكل كلمة، وترك ذلك أثره على أغلب كتابات طلابه الذين حفظوا الدرس المنيعي جيداً.
والنهضة الكبيرة التي يشهدها المسرح المغربي في العقد الأخير، هي نتاج ذلك الدرس النقدي الحديث، والمهم والمغاير للمشهد النقدي المختلف عن أقرانه في المنطقة العربية، والذي يقترب كثيراً من التنظير، وكذلك الترجمات الحديثة من اللغة الام.
وللأسف الشديد أصبح الإنشاء والاستعراض اللغوي سمة لأغلب الكُتَّاب، رغم أن الفكرة واضحة من أول مقطع، لكنه يظل يدور حولها، وكذلك النقود التي تقترب من المديح والهجاء، وتبتعد عن النقد، فالنقد إبداع مجاور، وليس احتيالاً على القارئ، والتنظير ليس نقل طروحات الآخرين، وتذييلها باسمك.
با حسن المنيعي، معلم بلا درس، لكل كاتب وناقد وقارئ، ولهذا تَوَّجَهُ الدرس النقدي المغربي وطلابه بـ (عراب الدرس النقدي).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقد وممثل ــ العــراق

زر الذهاب إلى الأعلى